الاهتمام بالطفولة قضية إنسانية راقية وهامة لعلاقتها بالجيل الناشئ الذي ينتظرهما المستقبل والوطن معاً للإرتقاء بواقعنا الذي أنبنى على جيل مضطهد يعاني من الفقر والجهل، والتفريط بالصورة السيئة نفسها تتكرر بدار الأحداث حيث تعيش الطفولة بمعاناتها وانعدام الخدمات التي أوجدت من أجلها الدار، فسياق الحال يقول: لا خدمات إيوائية جيدة؛ لا تغذية ممتازة؛ لا تعليم كامل؛ مع أنها من ضروريات الحياة لكل فرد، كان بإمكان الجهات المعنية أن تحسنها وبدون جهود مكلفة، لأن القضية مجرد رقابة واهتمام.. مجتمع تقليدي حسن الوعي عند أغلب المنظمات الأجنبية والمحلية والشخصيات الاجتماعية ب” قضية رعاية الطفولة “ وخاصة منها ذات الطابع الفوضوي، ونزعة الشر الخارجة عن قرابها؛ أعطى حجما كبيرا لهذه القضية الهامة بما يتناسب مع نوعيتها وشغلت معظم جهدها في محاولة إعتاق هذه الفئة الخارجة عن مسارها السليم بسبب العوامل الاجتماعية والأسرية التي فرضت عليهم، أن يكونوا أطفالا سيئين دون أن يعوا الحال الذي هم عليه، لذا ساهمت الدولة والمنظمات الإنسانية المهتمة بهذا الشأن على إيجاد مجتمع تقليدي ودار واحدة تجمع قضياهم وحياتهم والمسماة ب”دار الأحداث “ التي تقوم بتوفير جميع احتياجاتهم النفسية والاجتماعية والتعليمية والمهنية، كي تفيد هذه الفئة ونستفيد مستقبلا من مقدراتها, وحتي تصاغ تلك الطفولة المبتورة بشكل سليم وناضج يوافق متطلبات المجتمع تدر تلك المنظمات والشخصيات الثرية ملايين الدولارات من أجل تحقيق هذا الهدف، ومع هول هذا الحدث الجسيم وأهميته تحصل الطفولة على نصيب الأسد منها ويبقى التساؤل الذي يحز في النفس: هل أعادت هذه الدولارات صياغة الطفولة السلبية للواقع الصحيح، ومنحتها جميع حقوقها، أم أنها ضاعت في أروقة البنوك في حسابات أشخاص؟!!. لمعرفة الواقع عن كثب قادتنا أقدامنا إلى “دار الأحداث” فرع تعز المحتضن الأخير للطفولة الجانحة, والمتخصصة في تقديم الخدمات الرعائية والإيوائية والاجتماعية والنفسية التي غيبتها عنها أسرهم - حيث ترعى الطفولة- عند وصولي لاح نظري للأعلى باتجاه اللوحات العريضة المخطوطة بسمك على المبنى الأبيض الجذاب “ رعاية الطفولة “ الكلمتان اللتيان أثلجتا مشاعري وشدتاني لمعرفة ما يقدم هؤلاء للطفولة من رعاية من تلك الأموال الهائلة. حيطان تشكو الإهمال بعد دخولي المبنى بكم هائل من التفاؤل رسمته اللوحة السماوية إلى جانب عدة أسئلة, كانت الإجابة تنتظرني عند أول عتبة إلى داخل الدار “ الحيطان “ الداخلية للمبنى تعكس قدم المبنى بعكس الصورة الخارجية التي تظهر حداثته وأناقته الناظر, فاللون الأبيض الذي اكتساه من سنين قد غير حلته إلى اللون الأسود المتفتح بسبب الإهمال اللامحدود من قبل المعنيين وبدرجة أولى يعد الاهتمام بمظهر المبنى من الداخل أقل الحقوق للدار نفسها ومن ميزانيتها الروتينية المرفقة ببند الصيانة، غير أنها عوقبت بالحرمان ما عكس لونها, وعند تتبعنا للمشاكل الأخرى بعد دقائق من عبوري داخل المبنى اقتربنا قليلاً إلى داخل السكن الطلابي واتضحت الصورة أكثر عند رؤية المحتوى الذي ينام عليها الطلبة الساكنين، فالفرش مهترئة “ أعزكم الله “ أسوء مما تتخيلوه، فيما الدواليب التي توضع فيها الأمتعة كأنها شاركت بإحدى الحروب العنيفة فمعظمها “ قديمة ومكسرة “ وإلى جانب تلك المشكلات المتفاقمة يواجهون سوء التغذية العنصر الهام الذي يعيش عليها سكان هذا المكان، فعلى حد وصف أحد الطلبة “ طعمها مقزز “ ما يعني أنها ذو طعم تخاف منه المعدة. قتل وسرقة كل ما سبق تعتبر أساسيات لأي مرفق يحتضن أطفال ومن غير المعقول أن تكون سببها الإمكانيات نظرا لثمنها القليل ما يدعم أن المشكلة ليست جلها بالدعم المالي بل بعدم تواجد النوايا الصادقة في خدمة هذه القضية الإنسانية التي يوجه إليها معظم الدعم المالي من المنظمات الأجنبية والمحلية لكون هذه الفئة العمرية التي ما بين ( 15 - 18 ) من أهم الفئات التي ينبغي أن توضع تحت الرقابة والعناية ومن جميع الاتجاهات أهمها التعليم الذي يحد من تورط هذه الفئة في أعمال فوضوية وإجرامية لا يقبلها العقل، فنسبة (60 %) من القضايا المتواجدة بالدار “ قتل وسرقة “ الظاهرتان المخيفتان والمتناميتان على مستوى الشارع اليمني، ولا يخلوا منها مجتمعا أو سجن حكومي أو محكمة جنائية.. مشاكل تواجه طفولة الدار إلى جانب تلك المشكلات السابقة مشكلة حقوقية واستثنائية تتعلق بالتعليم الحق الذي ينعم به الجميع غير هؤلاء المصنفين ضمن القضايا الإجرامية، مع أن الأولوية تستدعيهم فالكادر التعليمي برمته بالدار مختصون نفسانيون واجتماعيون خلا اثنين قرآن وعلومه، وأما بقية التخصصات فهي أصلا غير متوفرة رغم حاجة الطلاب لأن يتعلموا المنهج التعليمي بأكمله، حتى إذا ما انتهت قضاياهم واصلوا مشوار حياتهم دون عرقلة أو نواقص تعليمية. كوكب عبده مسعد ( أستاذة علم نفس ) بالدار من جهتها قالت بهذا الشأن: التعليم من حق الجميع وبالذات طلبة دار الأحداث كونهم يمنعون عن الخروج بسبب القضايا التي ارتكبوها من قتل أو سرقة وهي الجزء الأكثر والأشد خطورة على المجتمع التي بسببها صودرت حريتهم، لكن يبقى التعليم من حقهم ومن الأساسيات التي يجب أن توفر لهم، والحاصل أن الكادر التعليمي المتواجد معظمه في مجالي علم النفس والاجتماع ويحرمون من تعليم المواد العلمية واللغة، ما يعني أن الطالب بدخوله خسر مستقبله في التعليم، وأثناء خروجه من هذه الدار تصبح حياته معرضة للخسارة أكثر، وتضيف الجانب المهني والفني معدوم وغير مفعل، بل هي مجرد أنشطة وحبر على ورق، مع أنها جانب مهم للغاية تساعد الطلاب على شق طريقهم بالحاضر والمستقبل، كونها تمكنهم من الالتحاق بأي عمل وتؤكد أن الإشراف الليلي لطلاب أحدى المشكلات التي يجب أن يهتم بها وتعمل الإدارة على تفعليها وإلزام المناوبين على الحرص، وعدم التهاون فيها خاصة وان سن المتواجدين من الطلبة يحتاجون لمن يقودهم بالفترة المسائية . وعود زائفة يشاركها الرأي أ. أحمد المروني متحدثاً عن الظروف الحالية التي تمر بها الدار ومعظمها تتمحور بالإصلاحات من ناحية الترميم والتغذية ونقص المنهج التعليمي والكادر المشكلات التي ينتظر من الجهات المعنية تحسينها وبأقرب وقت، لأن المشكلة فيها تحديد للمصير المستقبلي للطلاب، ويزيد: تزورنا شهريا أربع منظمات عالمية ومحلية غير أنها طبقت المثل السائد “ أسمع جعجعة ولا أرى طحنا “ ما جعلنا نرضى بالواقع وهو الموجود. فيما الأستاذة سهام قاسم المقطري “ مختصه اجتماعية “ من جانبها تصف رائحة الطعام وطعمه بأنه ليس بالمستوى المطلوب؛ حوسب توصيفها الطعام الذي يعد للطلاب سيئ إلى حد كبير فهو ليس صالحاً إلا غذاء للحيوانات، مع أن إتقان الطباخة وبالموجود هو من أدنى الحقوق التي يمكن الحصول عليها من سائر الخدمات التي وضعت من أجلها الدار غير أنها للأسف صودرت نتيجة التساهل وعدم الاهتمام بهذه الفئة ومعاملتها بشكل مختلف. رابط المقال على فيس بوك