الذهب أو الأصفر الرنان كما كان يسميه العرب قديماً يُعتبر سيد المعادن وأنفسها وأغلاها ثمناً وأجملها لوناً وشكلاً ، والمعدن الأكثر أماناً للفرد والمجتمع من تقلبات الزمن، ومن أفضل الأشياء التي لا تتغير في أصلها ووزنها ولا تتأثر بفعل عوامل التعرية، ويمكن الاحتفاظ بها جيلاً بعد جيل وعلى مدى الزمن .. وهو أحد المعادن التي عرفت منذ آلاف السنين وأقدم العصور . أسواق ومحلات تجارة الذهب في سائر مدن وبلدان العالم تتميز بالأناقة والجاذبية والجمال، وأي زائر ومتسوق يجد محلات الذهب نظيفة ومرتبة دائماً، لامعة الواجهات الزجاجية والرخامية، باهرة المنظر والشكل، تمتاز بتناسق مغر للمعروضات وبفن الإضاءات الداخلية، وتجد في ألوان أبوابها ورسومات لوحاتها جاذبية خاصة. وعلى الرغم من أن بعض المحلات قديمة في مبانيها نوعاً ما خاصة في المناطق الشعبية، إلا أنها ظلت ولاتزال على رونقها بما يتناسب ونوعية وأهمية هذه التجارة الأنيقة الراقية. لمحة تاريخية لا توجد مصادر تبين متى وكيف عرف أهل الجزيرة العربية الذهب، ولكن معظمها تُجمع أن عدداً من حكام نجد والحجاز ومن ملوك وحكام اليمن قد لبسوا تيجان الذهب على رؤوسهم وضربوا به النقود وصاغوا منه مشغولات الأواني وسائر مقتنيات الزينة، كما عرفته المجتمعات في زمن الحضارات العربية القديمة. ولا تعرف البشرية متى اكتشف الذهب لأول مرة، ولكن من الواضح جداً ما كان له من قيمة، وما حظي به من مكانة في الأزمنة الغابرة. ويذكر علماء الآثار أنهم عثروا على كؤوس ومجوهرات ذهبية يرجع تاريخها إلى عام 3500 ق.م، صنعها أهل الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين، وعلى مجوهرات في مقابر الفراعنة المصريين يرجع تاريخها إلى نفس الفترة الزمنية التي كان فيها المصريون القدامى يؤمنون بأن الذهب هو معدن الآلهة وكان كل الذهب لفرعون.. ومنذ تلك الأزمان القديمة لبس الملوك تيجاناً ذهبية، واعتبر الذهب بلونه الأصفر البراق الجذاب علامة من علامات ثراء من يملكه، وكان موجوداً بوفرة في الأراضي التي تحيط بالبحر الأبيض المتوسط واستخدمه أيضاً أهالي الصين والهند وبلاد فارس (إيران) وكريت في صنع مشغولات جميلة مثل السلطانيات والصحون والكؤوس ومقابض السيوف، واعتبر الإنسان الذهب عبر مراحل التاريخ رمزاً للقوة والجاه والجمال وأدخله في صناعة النقوش والجماليات المختلفة. جولة استطلاعية في عدن إذا استوضحت عن المشتغلين بالذهب وتجارته وصياغته وباعته في أية مديرية من مديريات عدن الثمان فإن الإجابة تكون أن معظمهم وإن لم يكن جميعهم قد توارثوا هذه المهنة أباً عن جد، وقلدوا الأسلاف في أناقة الملبس والمظهر والمكان والابتسامة الرقيقة والمعاملة اللطيفة والأدب الجم أثناء التخاطب مع الزبائن.. كما اكتسب هؤلاء مهارات البيع والشراء من سابقيهم وتعلموا منهم الحيطة والحذر؛ باعتبار أن الذهب له مواصفات تغري ضعاف النفوس على سرقته.. فالسلعة خفيفة الوزن، صغيرة الحجم، سهلة الإخفاء وغالية الثمن جداً. في أحد أسواق الذهب بمديرية صيرة بدأت جولتي الاستطلاعية صباحاً، وشاهدت أثناء سيري أمام الواجهات والفترينات معروضات الذهب وأشكالها وألوانها الزاهية، وكنت أرمق بين الحين والآخر من في الداخل فأرى العيون تتابع تحركاتي ونظراتي بحذر شديد. ودخلت بعض المحلات، وكان أحدهم أكثر أناقة وسعة ومحتويات، وبمجرد دخولي نظر ناحيتي المشتغلون فيه بريبة وعدم ارتياح لزيارتي بسبب ملاحظتهم لحقيبة يدي التي أحمل فيها آلة التصوير الصغيرة وأوراقي ومستلزماتي الأخرى، فقد كانوا يظنون أن القادم إليهم موفد من جهة رسمية محصلة أو أمنية، لكن سرعان ما اكتست وجوههم البسمة حينما عرضت بطاقة انتسابي لنقابة الصحفيين، وعلموا أن الزائر ليس كما ظنوا ولكنه باحث عن الكلمة والمعلومة الصحفية. المشغولات والأسعار استأذنت من صاحب أحد المحلات لمشاهدة المعروضات فرافقني أحدهم يبدو أنه صاحبه أو مسؤوله الأول كان يشرح المعروض من العقود والأساور والأقراط والدبل والخواتم ومختلف البدلات والمشغولات اليمنية والسعودية والخليجية والتركية والأندونيسية والإيطالية. ولاحظت أن الذهب الخليجي والسعودي بالذات يحتل المركز الأول والاهتمام الأفضل بين كافة المعروضات والمشغولات فهو الأجمل شكلاً ولوناً والأزهى منظراً والأجود صنعة، وله مكانة خاصة بين الأصناف الأخرى، لذا فإنه الأكثر طلباً وعلى وجه الخصوص من قبل المقبلين على الزواج أو العديد من البيوت ذات الثراء وحتى الكثير من النساء الموظفات أو العاملات كما قال محدثي الذي أثبت فعلاً معرفته لكثير من أسرار المهنة، ويمتلك مخزوناً من المعلومات المتعلقة بها، وعن أسعار الذهب وكيفية تصنيعه وميزاته قال: إن الأسعار تتفاوت بحسب النوع والمعيار والشغل، وتخضع أسعاره وفقاً للتأثيرات الدولية أيضاً، فمثلاً الذهب الخام (السبائك) عيار 24، سعر الجرام الواحد في الوقت الراهن 8144 ريالاً، والذهب عيار 21 سعر الجرام 7126 ريالاً ، وسعر الجنيه الذهب 57 ألف تقريباً، وهذه الأسعار ليست ثابتة أو مستقرة، وتختلف أيضاً بحسب النوعية والعيار الأقل والتأثيرات الاقتصادية العالمية. وعن ميزة الذهب الخليجي والسعودي «أو ما اتفق على تسميته في السعودية بذهب الإيمان» وإقبال الناس عليه قال: يعتبر هذا النوع رائجاً وأغلى ثمناً لتميزه عن غيره بتفوق صناعته وزيادة الجهد المبذول في وضع تفاصيل المساحات الصغيرة المترابطة بعضها ببعض في حلقات مشغولاته، واستخدام (المينا) الملوّنة التي تزداد به (المنمنمات) الكثيرة فيه، وأيضاً يتفنن صاغته في ابتكار الأشكال والنقوش البديعة الساحرة، إضافة إلى أن الغش لا يدخل في شغله، ويعتبر الأكثر أماناً من ناحية المحتوى. اكتفيت بهذا القدر من المعلومات عن هذه التجارة الأنيقة، وشكرت مرافقي على منحه دقائق من وقته وتعاونه في الإدلاء بمعلوماته القيمة، ورفعت يدي تحية له ولمن حوله وحزمت حقيبتي وخرجت.