الجو جميل، بل رائع، يسمح بالخروج للحدائق، وإقامة حفلات شواء، كما يتيح الفرصة لفتح النوافذ والشرفات لمن يمتلك ذلك، فخرج الناس يبحثون عن متعة النظر في زرقة السماء ولون الأشجار الأخضر، فعرفت الحدائق حراكا ونشاطا يستمر من الساعات الأولى من أيام العطل إلى الساعات المتأخرة من الليل، مما جعل المكان يشكل عالما مصغرا، بحيث تختلط فيه كل الجنسيات، كل يحتفل بطريقته وينفس عن حاله من ضغوطات الأسبوع المدرسي العمل اليومي في فضاء مفتوح وفق ما يراه مناسبا، فتجد من يقوم بحركات رياضية ويجري هنا وهناك ثم يفرش مائدته، في حين يتجمع آخرون بأعداد كبيرة يحجزون زاوية معينة يلعبون ويتبارون يوزعون جوائز رمزية ثم يتناولون ما لذ وطاب حسب عاداتهم، في حين يتجمع آخرون يحيطون المكان بكراسي وطاولات، يقيمون حفلات شواء، ثم تجهز "الأرجيلة" و"الشيشة" عدة لابد منها للخروج للحديقة إذ النزهة لا تكتمل عندهم بدونها، وتتحلق حولها النساء والرجال على السواء كبارا وصغارا. ورغم كل التوصيات، وكل التوصيفات التي تقول إن رشفة واحدة من الشيشة تعادل 10 سجائر، فإنك تجد رائحتها تغطي على رائحة الشواء في الحدائق، ورغم الدراسات الكثيرات والتحذيرات من مخاطرها فإنها تورث للأجيال القادمة، وتنتقل من الكبار للصغار ذكورا وإناثا، بل تدخن أمام الأطفال حديثي الولادة ولا تراعي ظروفهم الصحية. ولا ترتبط طقوس تدخين الشيشة في الفضاءات المفتوحة والمقاهي، ولكن في البيوت أيضا، فبعض الناس ممن يحتوي بيتهم على شرفة صغيرة يقيمون يوميا جلسات "شيشة" ويرفقونها بالمكملات الأخرى من قهوة سادة ومكسرات، بينما توزع على الصغار الشيبسي والكولا والآي باد أو الألعاب الإلكترونية وذلك للتخلص من حركتهم وأسئلتهم، مما يجعل البيت ينام في عبث كبير، دخان متصاعد، أطفال يركزون على الشاشات الصغيرة، أجسادهم مثبتة على الأرض، لا حركة ولا استفسارات، نشاطهم الذهني والبدني متوقف تماما إلا ما يستهلكه من خلال هذه الأدوات التي يعتبرها البعض عنوان تحضر، وتدخل في بحبوحة العيش، لا يبالي الأهل بتنظيم وقت النوم، ولا بضرورة ممارسة أنشطة بدنية، ولا بتجنب التدخين السلبي والابتعاد عن هذه العادة التي ستنتقل للصغيرات والصغار بعد انتفاض الجسم وظهور ملامح الأنوثة الأولى وبروز علامات الذكورة، فيدخل الآباء في صراع معهم ويكثر شكواهم بحجة أن المراهقة سن حرج ويصعب ترويض المراهق الذي بدأ يمارس خطوات سيئة في حياته متناسين ما مارسوه أمامهم من عادات. فما يزرعه بعض الآباء اليوم يحصده غدا، الكثير منا لا يبالي بما يمارس على الأطفال من عنف معنوي ومادي، بحيث تسكب في أجوافهم مواد سامة، وتحاط بهم أخطار الألعاب الإلكترونية التي تمدهم بالطاقة السلبية وتساعد في انطوائهم وعزلتهم، أما صحتهم فتتعرض للهلاك نتيجة ما يقضمونه من مواد غير صحية، كل ذلك ناتج عن عدم مسؤولية الأهل الذين ينشغلون بالفايسبوك وتويتر والشيشة ويرمون بأطفال لا ذنب لهم في أحضان آفات العصر التي تساعد على تدميرهم. [email protected]