أبعد من كل الشائعات، قفزت حكاية أهل الفن والإعلام مع السياسة إلى الواجهة بكل ما فيها من غرابة، متخطية اللوائح السوداء والبيضاء، والحوارات والآراء . إنها حكاية زواج السلطة والفن، لكنها غير مبنية على قصص الحب كما جرت العادة في السنوات الأخيرة . قصص لم نعتد عليها في العالم العربي، تتردد بقوة في لبنان، ويقال إن المشهد "جدي" . من الطبيعي أن تسمع عن احتمال ترشح توم كروز للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، بعدما رأيت رونالد ريغان رئيساً، وآرنولد شوارتزنغر حاكماً لولاية كاليفورنيا وقد تخلى عن دوره ممثلاً ولاعب كمال أجسام، وغيرهما . . لكن هل تصلح "الدبلجة" إلى العربية فنرى المغنين والممثلين في زي السياسيين؟ في مصر رأينا هجمة من الفنانين صوب السياسة بعد قيام ثورة 25 يناير، منها ما كان "كاريكاتورياً" بعض الشيء، مثل عزم سعد الصغير ترشيح نفسه للرئاسة، ومنها ما كان أكثر جدية فشهدنا ولادة أحزاب وحركات مثل إنشاء الفنانة تيسير فهمي حزب المساواة والتنمية، أو إعلان فنانين لخطهم السياسي وتأييدهم أحزاباً معينة . العمل في السياسة حق يمارسه الفنان مثل غيره من الناس، إنما ظاهرة "لعبة الكراسي" التي بدأت تنتشر في لبنان هي المستغربة، وتدعونا للتساؤل: "لماذا الآن؟"، لماذا يتأهب بعض المعروفين من أهل الفن والإعلام للترشح من أجل الحصول على مقعد في البرلمان اللبناني؟ هل هو الظرف المناسب، أم أنه موعد "اكتمال الوعي" السياسي؟ ميريام كلينك التي يلقبها البعض ب "لايدي غاغا لبنان"، صاحبة الكليب المستفز وهي عارضة أزياء لا علاقة لها بالفن أساساً، تنوي الترشح لتصبح نائباً، عن أي منطقة وما هو مشروعها؟ لا يهم . غسان الرحباني الذي خاض التجربة مرة وفشل، تراجع هذه الدورة ليطل علينا طوني حدشيتي الذي استعاد اسمه الأصلي وتخلى عن لقبه الفني "زين العمر" من أجل عيون السياسة، وهو متحمس بشدة . المخرج شربل خليل، والإعلامي جورج قرداحي، انضما إلى لائحة الأسماء المؤكدة التي تنوي الترشح، وكلهم حلمهم واحد: كرسي تحت قبة البرلمان . قد تكون الفنانة كارول صقر قد سبقتهم في إعلان نيتها الترشح رسمياً لمقعد نيابي، لتمثل نفسها وفئة من الناس لا تنتمي إلى أي تيار أو حزب كما تقول، وهي ابنة بيت سياسي . فهل فجأة هبت رياح الانتخابات على أهل الفن والإعلام في لبنان، وهو البلد الذي تبقى فيه السياسة مشرعة على كل الرياح والاتجاهات، ولم يكن الحديث فيها محرماً، والكل يعلن اتجاهاته وميوله بلا خوف؟ هل الصوت الذي يمنحه الجمهور لفنان أو إعلامي في لحظة إبداع أو مشهد تلفزيوني أو بعد نغمة جميلة، كفيل لعبور هذا "النجم" من الشاشة إلى السياسة؟ ربما لو ترشح عادل إمام ومحمد صبحي ووحيد حامد في مصر، لوجدوا من يمشي خلفهم، لأن توجههم السياسي معروف وواضح في أعمالهم، بل أصبح فكرهم طاغياً على أعمالهم . لكن ما هو توجه ميريام كلينك أو جورج قرداحي؟ لا نقلل من شأن أحد، لكن النجومية الإعلامية والإبهار التلفزيوني شيء، والتحدث باسم الشعب شيء آخر . بل إن الفرق بين كرسي الاستوديو وكرسي البرلمان كبير، إلا إذا اعتبرنا أن التمثيل موهبة قد تجمع بين أهل السياسة وأهل الشاشة . من يحمل خطة لبناء وطن يستحق أن يقدم نفسه للناس ليمثلهم، أياً كانت مهنته، لذلك نستغرب قراءة الأسماء، والاعتماد على "الجماهيرية" المضمونة، فتسبق الأسماء العقول والأفكار، وتبدأ الدعاية السياسية من الآخر، حيث البهرجة والأضواء و"الكاريزما" . كلما أردتَ الابتعاد عن السياسة والفصل بينها وبين المشهدين الإعلامي والفني، يأتي من يعيدك إلى "لعبة الكراسي" والمناصب، فتراك تسأل عما يحصل، وتراك أحياناً تتعمد ألا تفهم . [email protected]