عندما تقرر إجراء البحوث في المدارس الثانوية، وفي المرحلة الأساسية في الحلقتين الأولى والثانية، كان الهدف تعليم النشء أفضل الممارسات والتطبيقات المعمول بها في مجال إعداد البحوث العلمية، بما في ذلك مهارات جمع المعلومات، وتبويبها، وتحليلها إضافة لمهارات التحليل النقدي والتفكير الإبداعي والاستدلال والاستنتاج العلمي، كمقياس لتقدم الأمم ووعيها ورقيها الاجتماعي، لكن يبدو عدم تحقق الهدف، وأن السبب التقصير من الطالب والمعلم على حد سواء، وهذا ما دفعنا لإلقاء الضوء على واقع البحث العلمي بالمدارس بمناقشة المختصين والمعلمين . والطلبة لمعرفة مدى استفادتهم من جهود تطوير مهارات البحث العلمي وتطبيقاته بالمدارس، والعقبة التي تمنعهم من التشجيع لإجراء البحوث المدرسية . حول أهمية تكليف الطالب بمثل هذه البحوث وأهدافها، يقول محمد حامد الرستماني مدير مدرسة خالد بن محمد للتعليم الأساسي في الشارقة: البحوث المدرسية تشكل فرصة غنية أمام الطلبة للتعرف إلى الأبحاث خارج نطاق الصف الدراسي، والارتقاء بتطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات إضافة، إضافة إلى هدف عام يتبلور في إيجاد مجتمع بحثي في المدارس، عن طريق نشر أبحاث الطلبة وخبرة المعلمين في المواقع والمنديات التعليمية . وشرح الطالب للبحث أمام المعلم، يلغي التشكيك بالإنجاز . ونظراً لأهمية البحث العلمي في المدارس، يوصي إبراهيم محمد عبدالله، مساعد المدير، يجعله مادة أساسية ضمن المواد الأخرى بالمدرسة وأن توضع لها مناهج حتى يعي الجميع أهميتها، لأن البحث هو أسلوب حل المشكلات وفهم الظواهر العلمية والثقافية والصحية، حتى يتخرج الطالب وهو باحث، وألا يقتصر الأمر على قلة من الطلبة في المدرسة . وحول آليات تشجيع الطلبة للإقبال على البحث العملي يقول عمر صافية أستاذ اللغة العربية: ان درجة الإقبال على البحث العلمي ضعيفة، إلا أنها تتحسن مع مرور الوقت، وفي نظري أن الجائزة الكبرى للطلبة المهتمين بالبحث العلمي هي اكتساب مهارة البحث بشكل ينعكس على سلوك حياتهم، ونتبع في ذات الوقت أسلوب المكافأة المعنوية نظير إسهامات الطلبة المتميزة وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في المعارض وتكريمهم وتقديرهم كنخبة متميزة في مجال البحث العلمي على مستوى المدرسة والمنطقة التعليمية . وندرك أهمية مشاركة الطلبة في المعارض والمسابقات المتخصصة، بجانب نشر بحوثهم على موقع المدرسة الالكتروني أو صفحات المنديات التعليمية، مما يدفعه إلى مزيد من المنافسة . ويعتبر صافية تصنيف البحوث المتميزة وإدراجها ضمن خطة رعاية الموهوبين التي تعرض البحوث المتميزة على المدارس الأخرى، من أنجع وسائل التحفيز مما يعلي من شأن الطلاب ويقدمهم كباحثين صغار في الوسط التربوي على نطاق واسع . ويشير إلى أن عدم إقبال الطلبة على البحث لا تتحمله المدرسة بل الطالب الذي لم يتفهم حتى الآن أهمية البحث ودوره في بناء شخصيته ودراسته المستقبلية . ولعلاج ذلك قال: نحتاج بالدرجة الأولى لنشر هذه الثقافة ان يؤمن الطالب بهذه الرسالة، لذلك نساهم في تعزيزها بين أولياء الأمور، ونشجعه على الوقوف مع أبنائهم في بحوثهم المطلوبة من دون تدخل أو مساعدة مباشرة، كما نوجه الطلبة بنقل ما تعلموه إلى أولياء أمورهم حتى تتم استجابتهم بما يعزز مهارات البحث العلمي بالمدرسة . وتتبع فاطمة عبد الجواد معلمة العلوم في مدرسة الوصل، أسلوب توزيع الطالبات إلى مجموعات، بعد شرح خطوات إجراء البحث، بشكل يضمن مشاركة جميع أفراد المجموعة بفاعلية، وتترك لكل مجموعة حرية اختيار أفرادها . وفي حال الشعور بزيادة عدد ذوات المستوى المتدني أو المرتفع في مجموعة معينة، تعمل على إعادة توزيعهن بشكل عادل يضمن مشاركتهن وتفاعلهن في إنجاز مشروع البحث . وحول الفائدة التي تنعكس من هذا التقسيم قالت: التقسيم يساعد الطالبات الضعيفات على تحصيل الأفكار الجيدة والمهارات العالية من زميلاتهن ذات المستوى المتقدم، كما يؤدي قيام إحدى الطالبات بعرض بحثها أمام زميلاتها داخل الصف، إلى دافع للأخريات للتنافس والاجتهاد لتقديم أفضل ما لديهن، وبالتالي يخلق نوعاً من التشويق والحماس بينهم . الأمر يختلف بكل التقديرات عند أحمد سلامة، معلم اللغة العربية للصف السادس، فلا يمكن، في رأيه تكليف طالب في هذه المرحلة بإجراء بحث أكاديمي مثل ما هو معمول به في المرحلتين الإعدادية والثانوية . ويوضح أن إجراء مثل هذه البحوث يفوق قدرة طلبة الحلقة الأولى من المرحلة الأساسية، ويقول: حتى لا تغيب الغاية والهدف من البحث عن الطلبة أعوض عن البحث تكليفهم بإجراء تقرير عن موضوع معين باستخدام القصص، وبحسب قواعد مشابهة للبحث الأكاديمي من حيث المقدمة والعرض والخاتمة والهدف من الموضوع وأسماء شخصيات التقرير أو الموضوع ودورهم، ويضيف: تفادياً لاستخدام الطالب الحاسوب الذي يساعده على النسخ، وتدخل بعض أولياء الأمور بإجراء التقارير لأبنائهم، أتقيد بقائمة النشاط الخارجي للكتاب، والموجود في نهاية كل وحدة دراسية، وألزم الطالب اختيار مراجعه من المكتبة، تشجيعاً على القراءة وهي أحد أهداف البحث . يولي معلم التربية الإسلامية يوسف شعبان، اهتماماً كبيراً بالبحث العلمي، ليس لتعزيز قدرات الطلاب فقط، بل إيماناً بأهمية البحث في تنمية مهارات وقدرات المعلمين في توجيه الطلبة لإجراء البحوث . ويقول على المستوى العملي نعلم الطالب كيفية جمع المعلومات وصياغتها لعمل البحث ثم نطلب من طلبة الصف السابع إجراء بحوث ورقية فقط في هذه المرحلة نظراً لصغر أعمارهم وعدم تمكنهم من الوفاء بجميع تقنيات إجراء البحث مثل الاستبيانات والمقابلات ووضع وتنقيح الأسئلة وغيرها . بعكس طلبة المراحل الثانوية المتمكنين من الخطوط العلمية لإجراء البحث العلمي . ويؤكد وجود تقدم بصورة عامة في التحصيل العلمي للطلبة المهتمين بالبحث حيث تغيرت طريقة تفكيرهم نحو الأفضل، وأصبحوا أكثر استنتاجاً وتصوراً لأبعاد المشكلة، مع وضع الحلول المناسبة، باستخدام مهارات الاستقصاء العلمي والاستدلال . بشكل حسن من مستواهم بصورة ملحوظة نحو الأفضل . ويشير إلى ان الحل الامثل لنشر ثقافة البحث العلمي في المدارس، هو توعية الطلبة وأولياء الأمور بأهمية البحث، وأيضاً المدرس له دور كبير بحيث لا يعطي الدرجة جزافاً للطالب إذا ما شعر بأنه لم يبذل جهداً في إعداد البحث . يؤكد محمد عادل، الطالب في الصف الثامن، أنهم يكلفون بشكل متكرر بإجراء بحوث في مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، ومواضيع بعض البحوث تشجع على القيام بها لسهولة الموضوع وتوفر المراجع، وبعضها الآخر صعبة ولا تتوفر مراجع لها في مكتبة المدرسة مما يضطرهم للذهاب إلى مكتبة الشارقة، ولكن تكرار العملية يبعث الملل في نفوسهم فيبدؤون، فنبدأ بالاعتماد على الإنترنت أو البحوث الجاهزة التي تباع في المكتبات . يقول علي صالح، الطالب في الصف التاسع: كما يوضع عبء فشل إجراء البحوث على الطالب لعدم تقيده بإنجازها، يجب الوقوف على الأسباب التي تدفعه لذلك . أنجزت حتى الآن 6 بحوث مختلفة، لم أكلف نفسي سوى مرتين عناء البحث والعودة للكتب والمراجع لأسباب عديدة منها أن الطالب الذي يكلف بعناء الإنجاز والبحث بالاعتماد على نفسه، والطالب الذي يعتمد على الإنترنت وينسخ منه البحوث أو يشتريها جاهزة من المكتبة، ينال نفس الدرجة، وبالنهاية لا تناقش أو تدقق من قبل المعلم، وبعض المدرسين أنفسهم غير مؤمنين بان الطالب يجري البحث بالاعتماد على نفسه، ولديه تصور مسبق بان الجميع يعتمدون على الإنترنت، فيطلب إنجاز البحث خلال فترة قصيرة لا تساعد على تصفح المراجع والبحث بشكل علمي لجمع المعلومات، وبالتالي نلجأ بالفعل إلى النسخ من الإنترنت . ويضيف: المعلم لم يشرح لنا خطوات إجراء البحث، بدعوى أن ذلك من مهام أمين المكتبة، مع العلم أن مكتبة المدرسة لا يوجد لها أمين! ويلفت إلى أن كل الأسباب السابقة دفعته إلى الاعتماد على البحوث المنسوخة، بعد ان كان متشجعاً لإنجاز أي بحث يكلف به . محمد إبراهيم محفوظ، مرشد تربوي في منطقة عجمان التعليمية، يقول: لو بقينا نرمي الاتهامات بالتقصير جزافاً بيننا، فحتماً لن نملك القدرة على وضع البحث المدرسي على طريق قويم لتحقيق النتائج المرجوة منه، فالمدرسة تلقي بالمسؤولية على المنطقة التعليمية والوزارة، والمنطقة ترمي الاتهامات على الطالب، وهو يلقي بالمسؤولية على مكتبة المدرسة لعدم توفيرها المراجع المطلوبة، وهكذا تدور الثغرات التعليمية من دون نتائج . المؤكد ان المعلم لا يتحمل أي تقصير في ظل غياب الحوافز الجدية التي تشجع على البحث عن المعلومة وزيادة مدارك المعرفة حول مواضيع تتعلق بمختلف المواد المدرسية . ويرى أن الخطوة الأولى لتفعيل إجراء البحوث بين الطلبة هو إنشاء مكاتب مدرسية زاخرة بالمراجع المتنوعة، بشكل يليق بما يكلف به الطالب، ومن ثم إيجاد آلية تمنع استخدام الإنترنت في البحوث المدرسية تفادياً للنسخ ونسف جهود البحث وهدفه في دفع الطالب للقراءة مثلاً، كأن يلزم المعلم الطالب بذكر أسماء وعناوين المراجع التي اعتمد عليها في بحثه . والنقطة الأهم في تقديره، هي إيجاد رادع قانوني يحاسب المكتبات التي تبيع الطلبة أبحاثاً جاهزة وبأسعار تصل إلى 200 درهم . ويشير إلى أهمية إعطاء المعلم صلاحيات كافية لمحاسبة الطالب على تقديم بحث منسوخ أو جاهز، باستثناء العقوبة بالخصم من المعدل لأنها وسيلة غير كافية . ويؤكد عصام تركي، معلم مادة الرياضيات في مدرسة رأس الخيمة أن الطالب لم يعد يكلف نفسه حتى عناء الذهاب إلى المكتبة لشراء البحث المطلوب منه، بل يكتفي بالاتصال ليعطيهم عنوان البحث، ثم يصله البحث إلى البيت بأسعار تتراوح بين 30 و150 درهماً . ويقول على الرغم من أننا ندرك أنها بحوث جاهزة من قراءة مقدمتها إلا أننا نستطيع ان نرفض البحث من الطالب، ولا نملك صلاحية محاسبته، كما لا نستطيع حرمانه من علامة البحث لأن90% من الأبحاث التي يقدمها الطالب هي جاهزة . والحل يتمثل في زيادة رغبة الطالب واقتناعه بأهمية البحوث المطلوبة منه . أبحاث إلكترونية ضعف الرقابة على بعض المنديات والمواقع التعليمية أدى إلى انتشار البحوث الجاهزة بين الطلبة، وساهم في نشر عناوين المكتبات التي تروجها . في أحد المواقع مثلاً دعوة من طالب يطلب فيها الحصول على بحث عن الشاعر أبي القاسم الشابي، يطمئنه الآخر بتوفر بحث أكاديمي مفصل عنه، ومستعد لإرساله بشرط تبادله مع بحث آخر عن الشعر الجاهلي . وفي موقع آخر تبرع عضو بمجموعة من البحوث للصف العاشر، ويدعو الجميع إلى تجميع اكبر قدر ممكن من الأبحاث لمادتي التاريخ واللغة العربية . وفي منتدى يحمل اسم "المنتدى التعليمي"ترك شخص رقم هاتفه، وطلب من كل شخص يحتاج بحثاً من أي صف أو مادة كانت، الاتصال به ليرسل له المطلوب عبر البريد الالكتروني مقابل 30 درهماً للبحث الواحد .