تعطلت سيارتي في منفذ الغويفات الحدودي بين الإمارات والسعودية، وبقيتُ أعبث بأسلاك الماكينة نصف يوم كامل في وسط الغبار وتحت أشعة الشمس، لكن من دون جدوى، فأخذت أُشير إلى السيارات لعلّ إحداها تحنّ على سيارتي المسكينة، لكنها كانت تخطف أمامي بسرعة الرصاصة. والغريب أن بعض السيارات كانت تزيد من سرعتها عند اقترابها مني، وكنت ألمح سائقها وهو يلوح بيده وهو يضحك. فجأة، توقفت سيارة وترجل منها رجل وهو يشمر عن ساعديه، وطلب مني التنحي وأخذ يغوص بيديه داخل الماكينة، ثم تمدد أسفل سيارتي وأخذ يفحصها، ثم خرج وهو ينفض يديه ويردد: لا مشكلة، سأقوم بقطر سيارتك إلى باب منزلك. ثم أقسم عليّ بأغلظ الأيمان بأن أتفضّل إلى بيته في السلع، وهي أقرب مدينة إلى الحدود. بعد أن ذبح جملاً على شرفي، وأكلت نصفه أعادني إلى حيث سيارتي وفتح لي بابها وطلب مني الجلوس مسترخياً بينما سيقوم هو بقطر سيارتي بسيارته إلى دبي. بدأ الظلام يهبط على الطريق الطويل ونحن ما نزال على مسافة ليست بالقريبة من أبوظبي، إذ إن سرعتنا كانت بطيئة بسبب القطر والمضايقات التي كنا نتعرض لها من السيارات الأخرى وإصرارها على تنحينا عن عرض الطريق. وعند الوصول إلى أبوظبي كان الظلام قد اشتد، فأوقف صاحبي سيارته، وسيارتي بطبيعة الحال، وألح علي لنقضي ليلتنا في أبوظبي، لأرتاح من وعثاء السفر كما قال، والصباح رباح. ركنتُ سيارتي جانباً وصعدت معه في سيارته وانطلق إلى فندق «قصر الإمارات» الفخم، وفوجئت به يحجز لي جناحاً ملكياً، وأمضى هو ليلته على مقاعد الاستقبال بالفندق، وحين أشرقت شمس اليوم التالي، نقر باب غرفتي نقرات خفيفة، ففتحت الباب ورأيت للمرة الأولى في حياتي النعاس متجسداً على شكل إنسان، واستأذن وهو يتثاءب في استخدام حمام الجناح، لكنني اعتذرت عن ذلك؛ لأنني لا أحب أن يشاركني أحد في استخدام أدوات التنظيف، فأخرج من جيبه فرشاة أسنان، فقلت له إنني لا أحب حتى استخدام معجون أسناني من قبل الآخرين. في هذه الأثناء، كان عامل في الفندق يدفع طاولة دائرية تتحرك على عجلات، وتوقف أمام باب الجناح، وهتف بأدب جم: صباح الخير سيدي، الإفطار الملكي بناء على طلب الأخ الذي حجز لك الجناح، فالتفت إليه فوجدته يطأطئ رأسه ويعبّر عن أسفه لأي تقصير، فقلت بنبرة أخوية: لا عليك، تحصل في أحسن العائلات. ثم استأذن ليغسل وجهه ويفرش أسنانه بماء حوض السباحة في الفندق إلى أن أنتهي من إفطاري، فوافقت على ذلك، وكان العامل في هذه الأثناء يخرج طاولة العشاء التي أكلت منها في الليلة السابقة، ويدفع إلى داخل الجناح طاولة الإفطار، فأخرجت له من محفظتي بعد تفكير وتردد مبلغ خمسة دراهم، لكنه اعتذر عن قبول هذه الإكرامية، وقال إن ذلك الرجل دس في جيب سترته إكرامية في أثناء حديثه معي. ... المزيد