بعض السطور عن دور الاعلام    راموس: اريد انهاء مسيرتي بلقب مونديال الاندية    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    حريق يلتهم مركزاً تجارياً وسط مدينة إب    مسؤول إيراني: نستعد لشن ضربة قوية على إسرائيل    السامعي يدعو لعقد مؤتمر طارئ لمنظمة التعاون الاسلامي لبحث تداعيات العدوان على إيران    كأس العالم للأندية: تشيلسي يتصدر مؤقتاً بفوز صعب ومستحق على لوس انجلوس    النفيعي يعلن القائمة الأولية لمنتخب الشباب استعدادا لكأس الخليج بالسعودية    واشنطن تبلغ حلفائها بعدم التدخل في الحرب بين ايران واسرائيل وصحيفة تكشف توقف مصفاة نفط    وجبات التحليل الفوري!!    صنعاء : التربية تعمم بشأن الرسوم    اتحاد كرة القدم يقر معسكرا داخليا في مأرب للمنتخب الوطني تحت 23 عاما استعدادا للتصفيات الآسيوية    إيران تصدر إنذارا لإخلاء قناتين للعدو الاسرائيلي بعد استهداف تلفزيونها الرسمي    العلامة مفتاح: اليمن غيرت كل المعادلات وغزة مدرسة ونشيد بموقف باكستان    صنعاء تعلن الغاء نقطتي تحصيل "مأرب والضالع"    تشكيلات مسلحة تمنع موكب "مليونية العدالة" من دخول عدن    الأمم المتحدة تقلص مساعداتها الإنسانية للعام 2025 بسبب نقص التمويل    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    باكستان: إسرائيل "دولة مارقة" وقدراتها النووية تشكل تهديدا للسلام العالمي    غزة.. عشرات الشهداء بمجازر جديدة وانقطاع الإنترنت وسط وجنوبي القطاع    بطولة برلين للتنس.. أنس جابر تبدأ بنجاح مشوارها في برلين    نائب وزير الاقتصاد يلتقي وكيل وزارة الخدمة المدنية    أمين عام الإصلاح يعزي البرلماني صادق البعداني في وفاة زوجته    احتجاجات غاضبة في حضرموت بسبب الانقطاعات المتواصلة للكهرباء    البكري يبحث مع مدير عام مكافحة المخدرات إقامة فعاليات رياضية وتوعوية    الوصفة السحرية لآلام أسفل الظهر    الأمم المتحدة:نقص الدعم يهدد بإغلاق مئات المنشآت الطبية في اليمن    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    تصنيف الأندية المشاركة بكأس العالم للأندية والعرب في المؤخرة    اليمن يستهدف عمق الكيان    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    بايرن ميونخ يحقق أكبر فوز في تاريخ كأس العالم للأندية    أرقام صادمة لحمى الضنك في الجنوب    الانتقالي ومعايير السيطرة في الجنوب    التوقعات المصيرية للجنوب في ظل الحرب الإسرائيلية الإيرانية    وزيرا الخارجية والصحة يلتقيان مبعوث برنامج الأغذية العالمي    القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «الأخيرة»    ثابتون وجاهزون لخيارات المواجهة    الفريق السامعي: الوطنية الحقة تظهر وقت الشدة    حصاد الولاء    مناسبة الولاية .. رسالة إيمانية واستراتيجية في مواجهة التحديات    إب.. إصابات وأضرار في إحدى المنازل جراء انفجار أسطوانة للغاز    العقيد العزب : صرف إكرامية عيد الأضحى ل400 أسرة شهيد ومفقود    مرض الفشل الكلوي (8)    من يومياتي في أمريكا .. صديقي الحرازي    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    نائب وزير الخدمة المدنية ومحافظ الضالع يتفقدان مستوى الانضباط الوظيفي في الضالع    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    انهيار جزئي في منظومة كهرباء حضرموت ساحلا ووادي    أهدر جزائية.. الأهلي يكتفي بنقطة ميامي    صنعاء تحيي يوم الولاية بمسيرات كبرى    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    اغتيال الشخصية!    قهوة نواة التمر.. فوائد طبية وغذائية غير محدودة    حينما تتثاءب الجغرافيا .. وتضحك القنابل بصوت منخفض!    الترجمة في زمن العولمة: جسر بين الثقافات أم أداة للهيمنة اللغوية؟    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصائر الفاجعة للشعراء العظام
نشر في الجنوب ميديا يوم 23 - 04 - 2012

تحتاج الأمم في بحثها الدائم عن ظهير لهويتها إلى التحلق حول رموز جامعة تستلها من التاريخ والجغرافيا، كما من اللغة والثقافة وطرائق التفكير، لتواجه بها عثرات الحاضر ومفاجآت المستقبل، ولتعصم وحدتها من التشتت وكيانها من التشظي . لا تكتسب الأعلام والأناشيد الوطنية قيمتها بهذا المعنى من ألوانها المجردة أو كلماتها القليلة، بل من قوة الرمز المتجسد في الألوان والكلمات، حيث يضفي الولاء للوطن على هذه الأخيرة دلالات ليست لها في الأصل ويجللها بهالة من الخشوع تقارب حد القداسة . ومع ذلك فإن الأمم لا يضاهي بعضها بعضاً بالأناشيد وحدها بل يتقدم الشعر على سائر الفنون الأخرى في تعبيره الجلي عن روح الأمة ووحدة تاريخها وشكل حضورها في العالم . والشعراء، لا النحاة والأكاديميون وأعضاء المجامع اللغوية، هم الذين يتمردون على رتابة المعاجم ويضرمون النار تحت حطب المفردات اليابس، حتى لتكاد لغاتهم الأم تعرف بهم وتحمل أسماءهم، فيقال عن العربية لغة المتنبي، وعن الإيطالية لغة دانتي، وعن الإنجليزية لغة شكسبير، وعن الروسية لغة بوشكين، وعن الألمانية لغة غوته . . وهكذا دواليك .
سيمكننا أن نفهم تبعاً لذلك سبب اعتزاز الشعوب العظيمة بشعرائها العظام الذين تطلق أسماءهم على شوارعها الكبرى وحدائقها العامة، وتدخل نصوصهم في مناهجها المدرسية، وتحوّل البيوت التي سكنوا فيها إلى متاحف ومزارات . لكن ما يستعصي على الأفهام هو أن يقضي أكثر الشعراء فرادةً وتمثيلاً لكرامة الشعوب على أيدي أبناء جلدتهم بالذات، وأن يموتوا مذبوحين بخناجر الغدر في أوج عطائهم الإبداعي . أقول ذلك وأنا أتابع بفرح مشوب بالغصة التكريم الاستثنائي الذي تحاط به ذكرى الشاعر الروسي الأكبر بوشكين بمناسبة مرور مئة وخمسين عاماً على رحيله مقتولاً برصاص ضابط فرنسي قيل إنه استدرج الشاعر إلى مبارزة غير متكافئة، بعد أن راود زوجة بوشكين عن نفسها وأصابه بجرح في كرامته يصعب تضميده إلا بالموت . ولم تكن المأساة تلك ناجمة عن الصدفة المجردة، بل كان الضابط القاتل هو الحصان الذي راهن عليه القيصر للتخلص من الشاعر الذي نادى، قبل ظهور الماركسية بأعوام، بمحاربة الفساد وإصلاح النظام القيصري الجائر وتضييق الفجوة بين شرائح المجتمع .
من الصعب ألا نستذكر في هذا السياق شاعر العرب الأكبر أبا الطيب المتنبي . فهذا الشاعر الذي طبقت شهرته الآفاق وهو لايزال على قيد الحياة، قضى بدوره مقتولاً في مبارزة مشابهة بينه وبين فاتك الأسدي، الذي ظل يلاحقه أعواماً طوالاً بحجة قصيدة مقذعة قالها المتنبي في هجاء أخته . على أن الأسدي ذاك لم يكن يمثّل نفسه المفطورة على الجريمة فحسب، بل يمثل رغبة الأمة، أو بعضها على الأقل، في التخلص من الشاعر المتمرد الذي أرهق بكلماته نزوعها إلى الخنوع، وأثقل كاهلها بما لا قدرة لها على احتماله من موجبات المواجهة مع نفسها ومع أعدائها الكثر . فبعد أن ضاقت بالشاعر أنفة سيف الدولة وضغائن كافور وغيرة ابن العميد ومكائد الكثيرين من نظرائهم بدا طريداً في بلاد العرب، وغريباً "كصالح في ثمود" بحيث جاء الموت ليضع النقطة الملائمة عند آخر السطر . وربما كان أبو الطيب أكثر حظاً من بوشكين لأن أعداءه الذين تمنوا موته قد أتاحوا له أن يعيش خمسين سنة كاملة، في حين لم يحظ بوشكين بأكثر من ثمانية وثلاثين عاماً من العمر .
لم يكن قدر شاعر إسبانيا الأكبر غارسيا لوركا مغايراً لأقدار غيره من شعراء المصائر الفاجعة عبر العصور . فلوركا الذي احتفى بجمال الجغرافيا الإسبانية، وشمس الأندلس المتحدرة من بلاد العرب، والذي أعاد صياغة الأغاني الغجرية والفولكلورية بغنائية جارحة قل مثيلها، سيقضي هو الآخر بالطلقات الآثمة لرجال الجنرال فرانكو، منتصف الثلاثينات من القرن الفائت . يقول أحد مؤرخي سيرته إنه طلب من الضابط المكلف بإعدامه، وهو يقوده مغلول اليدين نحو تلال غرناطة ألا يقتله تحت ضوء القمر الذي كان كامل الاستدارة آنذاك . وحين سأله الضابط عن السبب أجابه بأنه يخجل أن يموت قبالة قمر إسبانيا الذي أهداه أجمل قصائده وأكثرها اتصالاً بقلوب الأطفال ومخيلاتهم . أما صديقه بابلو نيرودا، أعظم شعراء تشيلي وحامل جائزة نوبل الذي قيل إنه توفي حزناً على مقتل سلفادور أليندي على أيدي رجال بيونشيه، فترجح التحقيقات الكثيرة أنه مات هو الآخر بنوع من السم دسّه له خفية عملاء الديكتاتور الظافر .
ليست الأسماء التي ذكرت هي وحدها التي لقيت مصارعها على يد السلطة أو الدهماء الظلاميين، فثمة الكثير ممن قضوا دفاعاً عن أوطانهم ونصرة لقضاياها . لكن موتهم على أيدي قاتلي شعوبهم أهون وأقل وطأة من موت الشعراء على أيدي مواطنيهم وأبناء جلدتهم بالذات . ثمة في القتل الأخير شيء يشبه الانتحار وقتل الرموز وانتقام الأمة من ذاتها في لحظات التفكك أو التخلي أو المفاصل الأكثر خطورة في حياتها . ثمة نزوع مازوشي إلى جلد الذات واستئصال الجانب المشرق في داخلها، لكي يستطيع الظلام أن يفرض "عدالته" على الجميع . وعندما تمر سنوات على الفاجعة تنهض الضمائر الجمعية من غيبوبتها لتدرك هول ما فعلت، وليتحوّل الناس إلى "توابين" جدد يعيدون للشعراء اعتبارهم ويعلقونهم كالأيقونات على صدور الأوطان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.