قد يعي الكثير منا أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع المراهق هي الهدوء وسعة البال، حتى لا ندع الأمور تزيد سوءاً عندما يصر على الإقدام على خطوة ما قد تضر مستقبله بكامله وتؤثر في حياته كثيراً إن تمت، ولكن ما علينا تذكره جيداً أن المراهق شخص متغير لا يتسم بالثبات . وهذه الحقيقة تجعلنا أقدر على تحمل شطحاته المستفزة والمخيفة أحياناً، والتعامل معها بعقلانية لنتذكر أن دورنا في هذه المرحلة يتمثل في المراقبة عن بعد، والحوار عندما يحين وقت الحوار . تتعاطى أميرة هيكل "مدرسة لغة إنجليزية" مع التقلبات الفكرية لدى ابنها بهدوء تام، وتقول: دائماً ما يغير رأيه في ما يخص الاختيارات التي تتعلق بمستقبله وحياته، ولكنني أدرك جيداً أنه مراهق وأنه سوف يغير رأيه مرة أخرى، لهذا أسايره ولا أفتعل المشكلات معه، فهو لم ينضج بعد، كما أن كل شيء في حياته سوف يتغير . وعن الشطحات الغريبة لابنها تضيف: أخبرني قبل عامين أنه عازم على طلب يد صديقته للزواج، وكان لايزال في السادسة عشرة من العمر، فأخذت الموضوع بروية ولم أقف عنده طويلاً، وبالفعل بعد شهرين غير رأيه . مشكلة جمال عيّاد "إعلامي" مع ابنه المراهق كانت تتمثل بعدم اهتمامه بالدراسة، ويقول: لم يكن ابني متطلباً ولا متهوراً، ولكنني تعبت معه كثيراً فهو لم يكن يهتم بدراسته ولم يكن يدرك مدى أهميتها في حياته، لكنه بعد أن دخل الجامعة هذا العام بدأ يفكر بالمستقبل ويستقر نفسياً" . وعن أسلوب العقاب الذي كان يتبعه معه، يقول: كنت أعاقبه بالحرمان من الكمبيوتر، حيث أقوم بإقفاله برقم سري حتى لا يستخدمه، لكن الآن لم يعد هذا العقاب للكثير من الأهالي فبرامج الكمبيوتر تطورت وخبرة الأولاد تفوق خبرة الأهل، إضافة إلى أن عليهم أن ينجزوا الأبحاث وبعض الواجبات على الكمبيوتر . وترى نيرمين جنيدي "مدرسة فنون" أن العلاقة مع الابن المراهق يجب أن تكون مرنة، وتقول: أحاول أن أكون قريبة من ابنتي دوماً، ولكني في الوقت نفسه لا يجب أن أزيل كل الحواجز بيننا فلا تحترمني كما يجب، وأعتقد أن الإمساك بزمام الأمور مع الحفاظ على الصداقة هو أصعب ما في الأمر بالنسبة للتعامل مع المراهق . وتنبه إلى أن لكل مرحلة عقاباً مختلفاً، وتضيف: يلعب العقاب دوراً أساسياً في التربية والردع، لهذا يجب أن يدرك الأهل أهمية العقاب وحساسيته، فالعقاب يختلف حسب العمر وحسب الشخص، فأنا أعاقب ابنتي الآن بأن أحتجز هاتفها وهذا يعني لها الكثير . وعن أصعب المواقف التي واجهتها مع ابنتها تقول: اكتشفت مؤخراً أنها تدخن مع صديقاتها، وكان هذا صادماً بالنسبة لي، بالطبع لم أكن قادرة على ضبط نفسي في البداية فتشاجرت معها وغضبت، ورميت المداوخ من النافذة، ولكني شعرت بأني أخطأت، فتركتها بعدها وجلست أراقب وأنتظر أن تأتي لتصارحني كعادتها، لكنها لم تفعل وكنت أعرف أنها تدخن وأسكت، إلى أن أصابتها وعكة صحية واستغليت الفرصة لأبين لها الأثر السلبي للتدخين في صحتها وطلبت من خالتها أن تتحدث معها أيضاَ وتوعيها كونها أكثر قرباً إليها مني . وتحدثنا جميلة عبدالحميد "ربة منزل" عن عنائها مع ابنتها الصغرى، وتقول: لم أعان مع أخوتها الكبار كما عانيت معها، فقد لاقت الكثير من الدلال والاهتمام مني ومن والدها ومن أخوتها الكبار بنسبة كبيرة حتى أصبحت عنيدة وصعبة المراس . وعن المشكلات التي تدور في المنزل بسبب ابنتها، تقول: تركت المدرسة في العام الماضي لأنها لم تعد ترغب بالدراسة، وحاولنا جميعاً الضغط عليها لتعود دون جدوى، والآن تصر على أن نوافق على ارتباطها بابن الجيران الذي تقدم لخطبتها مؤخراً، وهو يكبرها بعشر سنوات . وعن طريقة تعاملها مع مشكلات ابنتها، تقول: أعرف أن العناد معها سوف يزيد الأمور تعقيداً لهذا أحاول الحفاظ على هدوئي، فأنا أعلم أنها سوف تندم وتعود عن قرارها، فهي الآن في مرحلة صعبة وتمر بالكثير من المتغيرات . وتبدو غريبة المال "أمينة مكتبة في مدرسة البطائح" أكثر هدوءاً وخبرة في التعامل مع ابنها المراهق، تقول: لدي أربعة أولاد أصغرهم في المرحلة الثانوية ، ولهذا أعرف كيف أتعامل معهم من دون أن أتوتر أو تصيبني الحيرة . وتضيف: ربيت أولادي منذ الصغر على القناعة ولهذا لم أعان من مشكلة الطلبات الكثيرة ، فقد اعتادوا أن يحترموا الظروف المادية للعائلة . وعن شطحات ابنها الغريبة تكمل: كان قبل فترة يريد أن يرتبط بفتاة تعرف إليها، وغير رأيه بعدها افترقا، لكن المشكلة أنه بقي مصراً على فكرة الخطبة وأصبح كلما رأى فتاة يشاورني لأخطبها له، فطلبت من أخيه الأكبر أن يتحدث معه ليقنعه بالعدول عن الفكرة والاهتمام بدراسته حالياً كونه الأكثر قرباً منه . يشير د . أحمد العموش، رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة، إلى أن مرحلة المراهقة تدعى مرحلة الخطورة في علم الاجتماع، ويقول: تبدأ هذه المرحلة في سن 14 عاماً وتستمر حتى الثامنة عشرة، ويكون عمر 16 سنة هو الأكثر خطورة بالنسبة للمراهقين، حيث تتكون لديهم الأحلام والآمال والرؤى، كما تبدأ مرحلة تقدير الذات حيث تكون الذات لدى المراهق مرتفعة جداً . وعن الدور الأساس للأهل في هذه المرحلة، يوضح أن عليهم الرقابة وأن يسعوا جاهدين لتقريب خياله إلى الواقع لنضعه في عالمه الحقيقي . ويرى العموش أن مشكلات التربية التي يواجهها الأهل في المراهقة تعود عادة إلى أساس التربية وأسلوبهم في التعامل مع الابن منذ مرحلة الطفولة المبكرة، ويعتبر الحوار من أهم الأساليب التربوية الناجحة .