ماذا يريد الحوثي؟    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    قيادات الدولة تُعزي رئيس برلمانية الإصلاح النائب عبدالرزاق الهجري في وفاة والده    تعز.. وقفة احتجاجية لأمهات المختطفين للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهن من سجون المليشيا    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليبيا بلا أمن
نشر في الجنوب ميديا يوم 15 - 11 - 2012

طغى الوضع الأمني في ليبيا على ما عداه من ملفات هذا الأسبوع السياسي . وتنوعت التطورات المتعلقة بهذا الملف بين تصاعد الضغوط الدولية والاهتمام الخارجي بضرورة تحسين الوضع الأمني الذي يزداد تدهوراً . ومبادرة بعض الأطراف الخارجية إلى مساعدة ليبيا في إعادة بناء مؤسساتها الأمنية وتدريب كوادرها . بينما بدا على المؤسسات الرسمية الحاكمة استشعار الخطر على وحدة وبقاء الدولة الليبية في ظل تفاقم حالة عدم السيطرة الأمنية المركزية على الأطراف والمناطق المختلفة . ورغم الانعكاسات السلبية لذلك على التطور السياسي الذي يعاني مشكلات وثغرات ذاتية، إلا أنها مثّلت جرس إنذار للسلطات الليبية لتركز جهودها في المسار الأمني، كمدخل مسبق لأي تطور أو إنجاز في أي اتجاه آخر . وهو ما جعل المؤتمر الوطني العام يتعاطى مع تأخر إعلان التشكيلة النهائية للحكومة وتأجيل أدائها اليمين، بمرونة وهدوء . ما يشير إلى أن استحقاقات عملية التحول السياسي لم تعد تمثل أولوية قصوى للسلطات الليبية مقارنة بالوضع الأمني، الذي سينعكس أي تحسن إيجابي فيه على المسار السياسي، تماماً كما يؤثر فيه حالياً بشكل سلبي .
عاد التحدي الأمني ليفرض نفسه على الأوضاع في ليبيا بصورة أكثر وضوحاً وتأثيراً . حيث لم يعد الهاجس الأمني كما كان من قبل ينعكس بشكل غير مباشر على الأوضاع السياسية والاقتصادية، وإنما أصبحت تداعيات الانفلات الأمني مباشرة وتطل برأسها بشكل شبه يومي في مختلف المجالات . حتى وصل الأمر إلى اقتحام أعلى مؤسسات الحكم (المؤتمر الوطني العام) أكثر من مرة وهو يناقش تشكيل الحكومة الجديدة .
كما بدأت ليبيا تشهد أنواعاً جديدة من أحداث العنف، منها التصفية الجسدية والاغتيالات لبعض الرموز والشخصيات، وكذلك تفخيخ السيارات بدلاً من الهجوم المباشر بالأسلحة .
هذه الوتيرة المتسارعة للتدهور الأمني، ألقت بظلالها على التطور السياسي البطيء أصلاً، كما أنها تفتح الباب أمام احتمالات سيئة وخطرة لجهة مستقبل ليبيا . وقد بدأ هذا الوضع يقلق السلطة الحاكمة، وشرعت بالفعل في إجراءات الخروج من المأزق الأمني، بعضها داخلي وبعضها الآخر عبر الاستعانة بأطراف خارجية . إلا أن محصلة الاستجابة الرسمية لذلك التحدي المتزايد لا تزال دون المستوى المأمول . وهو ما دفع جهات متعددة إلى الحديث بشكل علني عن مخاطر الوضع الليبي الراهن، ليس على ليبيا وحدها وإنما على المنطقة ككل .
قلق دولي متزايد
أبدت مؤسسات دولية قلقاً متزايداً إزاء الوضع الأمني المتردي في ليبيا، وذلك في ضوء التطورات المتلاحقة التي تشهدها أنحاء ليبيا المختلفة . ووصل الانزعاج الدولي إلى أروقة الأمم المتحدة، حيث دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، السلطات الرسمية الليبية إلى إصلاح القطاع الأمني، وتفعيل السلطة القضائية .
ووفقاً لما أعلنه طارق متري، المبعوث الأممي، فإنه أوضح للسلطات الليبية خصوصاً رئيس الحكومة الجديدة، علي زيدان، القلق البالغ الذي يصيب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشأن حماية المدنيين الليبيين، وضمان عدم تعرضهم للاعتداء من جانب الميليشيات المسلحة . وكشف المسؤول الدولي أن السلطات الليبية تتعرض بصورة متزايدة إلى ضغط شعبي كي تتصرف بحسم وسرعة في اتجاه بناء وإصلاح مؤسسات القطاع الأمني . مستشهداً برد الفعل الشعبي الرافض لأحداث العنف، وخروج مظاهرات حاشدة رفضاً للهجوم على القنصلية الأمريكية في 11 سبتمبر/أيلول الماضي وراح ضحيته السفير الأمريكي وثلاثة آخرون .
وكانت البعثة الأممية التي تحمل اسم "أنسميل"قد تابعت عن قرب الإجراءات الحكومية بشأن مدينة بني وليد، خصوصاً بعد قيام القوات الحكومية والمتعاونة معها باقتحام المدينة الشهر الماضي . حيث كشف أن الحكومة وضعت خططاً لضمان الأمن وإعادة النظام، وأن (أنسميل) وفريقاً آخر تابعاً للأمم المتحدة قاما برصد احتياجات عشرات الآلاف من النازحين، بالإضافة إلى تقييم الحالة الأمنية والإنسانية داخل المدينة . فضلاً عن مساهمة البعثة مع القوات الرسمية الليبية في عملية إزالة القنابل والألغام المتبقية إثر المعارك في بني وليد .
ويعكس هذا التقرير الدولي الاهتمام الكبير الذي تبديه الأمم المتحدة بشأن الأوضاع في ليبيا بشكل عام، والوضع الأمني بصفة خاصة . ويلاحظ أن الجانب الحقوقي يحتل مكانة خاصة لدى "أنسميل"من بين الملفات والقضايا المترتبة على الوضع الأمني . خصوصاً ملف المعتقلين منذ نهاية الحرب وسقوط نظام القذافي . وتحرص البعثة الأممية على إجراء اتصالات مستمرة بخصوص هذه الملفات وغيرها مع الجهات الليبية المختصة، خاصة وزارات العدل والداخلية والدفاع .
لم يقتصر القلق الدولي على أكبر منظمة دولية في العالم، فقد عكست التحليلات والتقارير البحثية التي تخرج من مراكز البحث والتفكير العالمية القلق ذاته . ففي أحدث دراسة نشرتها مؤسسة كارنيغي، مثل الأمن أحد أكبر مشكلتين تواجهان ليبيا حالياً . إضافة إلى مشكلة غياب التنمية والتهميش الذي تعانيه مناطق الجنوب الليبي . ورغم أن الدراسة لم تربط المشكلتين معاً، إلا أن ما ورد فيها من تحليل يكشف ضمنياً أن ثمة ترابطاً كبيراً بينهما . حيث يعتمد سكان الجنوب في تأمين مداخيلهم على التجارة خصوصاً عبر الحدود بما في ذلك التهريب . الأمر الذي يساعد عليه افتقاد قطاع الأمن الليبي الرسمي التنسيق المركزي والكفاءة، بل والرغبة في ضبط الأمن بشكل فعلي وفعال .
وينعكس هذا الوضع المتشابك على المصير السياسي لليبيا، فهناك ارتباط وظيفي وأحياناً اجتماعي بين الجماعات المسلحة المنتشرة في المناطق الجنوبية، خصوصاً على الحدود، والتركيبة القبلية للمجتمعات التقليدية هناك، الأمر الذي يجعل الأعراف والتقاليد الاجتماعية الموروثة، التي يلتزم بها أعضاء الجماعات المسلحة مع سكان تلك المناطق، أقوى وأكثر وثوقية من الاعتماد على السلطات الرسمية . من شأن تلك التداخلات الاجتماعية الأمنية، أن تجعل من تلك المناطق والتكوينات المجتمعية المحلية فيها من العرب والبربر، أحد مصادر الانعدام أمن على الحدود، وظهور شبكات من المصالح والارتباطات مع أطراف أخرى في الدول المجاورة . وتؤكد دراسة كارنيجي، أن استمرار وجود جماعات مسلحة خارج السيطرة الرسمية يمثل خطراً بالغاً على قطاع الأمن ذاته وليس فقط على المجتمع والوضع العام في البلاد . فذلك التعدد يفضي في كثير من الحالات إلى تدخلات وتسويات غير نهائية ومرتبكة، لتحقيق إنجاز وقتي محدود . ولم يكن جديدا التشديد على ضرورة رفع درجة التنسيق بين وزارتي الداخلية والدفاع بهدف إنهاء ما يمكن اعتباره "استقلال"الجماعات المسلحة على الحدود، وهو ما لا يتأتى سوى بدمج القبائل المهمَشة في المجتمع الليبي .
الناتو وواشنطن
هذا الاهتمام بالملف الأمني الليبي، فتح الباب أمام أطروحات وأفكار لم تكن متداولة من قبل . ومن أبرزها مسألة دور الناتو في ليبيا، وما إذا كان خروجه من هناك بعد انتهاء الحرب ضد القذافي قد تم في وقت مناسب أم كان خروجاً مبكراً . وفضلاً عن أن تلك المسألة نوقشت باستفاضة في أروقة الناتو سواء قبل اتخاذ قرار الخروج أو بعده، بدأ الحديث عنها مجدداً خارج نطاق الناتو، بل من ساسة ليبيين كان أبرزهم محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي السابق، زعيم تحالف القوى الوطنية حالياً . ففي زيارته للولايات المتحدة مؤخراً، اتهم جبريل الناتو وواشنطن بالتخلي عن ليبيا . عبر ترك فراغ في السلطة سمح للمتطرفين والمسلحين باستغلاله، وبالتالي تصاعد العنف حتى انتهى الأمر بالهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي .
ويجب النظر إلى هذا الموقف المعلن في إطار صدوره عن أحد كبار الساسة الليبيين ومسؤول رفيع سابق كان مرشحاً لتولي رئاسة المؤتمر الوطني العام، أعلى سلطة حاكمة حالياً في ليبيا . أخذاً في الاعتبار أن جبريل اتهم سابقاً بالموالاة للغرب، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا الاتهام إحدى أوراق خصومه للهجوم عليه أثناء الحملة الانتخابية لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام . ما ينبغي الالتفات إليه هنا أن هذه رؤية من كان مرشحاً لتولي رئاسة السلطة في ليبيا لتشخيص المشكلة الأمنية وأسبابها، ما يشير أيضاً إلى أنه كان سيميل إلى الاستعانة بتلك القوى التي اتهمها بالتخلي عن ليبيا، لاستعادة الأمن هناك . خاصة أنه استبعد في تصريحاته أن يغادر المتطرفون ليبيا، وأبدى تخوفات من خطر الجماعات المسلحة التي ترفض التفاوض مع الدولة، إما لأنها تخشى التهميش أو انصياعاً لأفكار وقناعات ذات مرجعية دينية .
تحركات رسمية
موقف جبريل (الذي كان سيصبح رسمياً لو فاز الرجل برئاسة المؤتمر الوطني) يستدعي الانتباه إلى الموقف الليبي الرسمي . فالمجلس الوطني الانتقالي الذي كان في الحكم لم يتخذ إجراءات فعالة للخروج من المأزق الأمني . بل إن بعض الأوساط السياسية تعتبر المجلس مسؤولاً عن زيادة التدهور الأمني وليس فقط عدم مواجهته . أولاً كمؤسسة حكم يفترض أنها تملك جميع الصلاحيات اللازمة لضبط الأوضاع وإخضاع جميع مكونات وأطياف الشعب الليبي لسيطرة الدولة . وثانياً كأعضاء تعرض بعضهم لاتهامات غير مباشرة بالتقصير في مواجهة الانفلات الأمني، بل والتورط أحياناً في بعض أحداثه نتيجة ولاءات قبلية أو انتماءات جهوية أو ارتباطات خارجية .
ومن اللافت للنظر أن المؤتمر الوطني العام لم يثبت بعد اختلافه عن المجلس الوطني الانتقالي، سواء كمؤسسة أو كأفراد أعضاء فيه . وإن كان من المبكر للغاية إصدار حكم أو تقييم لأداء أو توجهات المؤتمر أو أعضائه في الوقت الراهن، حيث لم تبدأ حكومته عملها بعد . كما يواجه تحديات متتالية منذ تم انتخابه، في حين لم تُتح له الفرصة أو الإمكانات للبدء بمباشرة أي خطط أو إجراءات عملية لتحسين الأوضاع بشكل عام ليست الأمنية فقط . ورغم ذلك فإن الضغوط والمطالبات الدولية التي تتعرض لها ليبيا بشأن ضرورة تحسين الوضع الأمني، وضعت المؤتمر الوطني على المحك، خصوصاً بعد مقتل السفير الأمريكي، فقد كان الحادث بمثابة محطة مفصلية لم يكن بد من أن تفرض مقتضياتها على أي سلطة حاكمة، وبغض النظر عن فترة بقائها في الحكم أو تعقيدات الموقف الداخلي وتوازناته المتعارضة .
من هنا حاول المؤتمر الوطني العام في الأسابيع التي تلت مصرع السفير الأمريكي، اتخاذ إجراءات لإعادة بناء قطاع الأمن في ليبيا، مثال ذلك تسريع وتيرة العمل على إنشاء قوات خاصة ليبية كانت موضع دراسة وتحضير قبل مقتل السفير، وذلك تحت إشراف وبتدريب أمريكي، كخطوة أولى لتكوين قوات أمنية ليبية قادرة على التدخل السريع والحاسم في بعض المواقف والأحداث التي عجزت السلطات مراراً عن مواجهتها . بما في ذلك المواقف الصعبة أمنياً التي تعرض لها المؤتمر الوطني العام ذاته . فقد طال التدهور الأمني الذي تعانيه كل ليبيا، المؤتمر الوطني العام ذاته . حيث تعرض مقر المؤتمر للاعتداء مرتين من جانب معترضين على تشكيلة الحكومة . إلى حد دفع أعضاء المؤتمر إلى التفكير في نقل جلساته إلى مدينة البيضا، لكونها صغيرة ومحدودة المساحة وقابلة للسيطرة الأمنية عليها بسهولة . الدلالة الكامنة في هكذا تطورات، أنها تعني من جهة إدراك السلطة الحاكمة في ليبيا خطورة الفراغ الأمني، خاصة بعد أن وصلت تداعياته إلى حد مقتل سفير أكبر دولة بالعالم، وأحد أكثر الدبلوماسيين الأجانب نشاطاً وتأثيراً في ليبيا الجديدة . بينما تعني، من جهة مقابلة، أن المؤتمر الوطني العام يدرك أيضاً أن القدرات المتاحة لتحقيق السيطرة الأمنية المطلوبة لا تزال محدودة للغاية، ما يجعل المؤتمر غير قادر على الدفاع عن نفسه وأعضائه في مواجهة من يرفضون قراراته .
عراقيل ذاتية
هذا الوضع يعكس بجلاء المأزق الذي يواجه ليبيا الرسمية في الوقت الراهن . ويكشف محدودية الخيارات المتاحة أمام السلطات الليبية، لذا لوحظ أن التحركات الفعلية أقل وأضعف كثيراً من التصريحات والمواقف المعلنة . فقد ذكر رئيس المؤتمر الوطني العام، محمد المقريف، أن ما وصفها بليبيا الجديدة تنوي إعادة بناء قواتها المسلحة على أسس حديثة ومتطورة، فيما جرح ضابط في جهاز استخبارات القذافي في انفجار سيارة في بنغازي . وأن المؤتمر الوطني العام سيقدم كل الدعم والعون للقوات المسلحة لتكون قوية "جاهزة للذود عن الوطن في الأرض والبحر والسماء". وهو موقف خطابي أكثر منه إجراءً رسمياً، إذ لم تتمكن السلطات الرسمية حتى الآن من بناء الجيش أصلاً أو تشكيل قوات أمن مركزية موحدة تخضع لسيطرتها كاملة . في المقابل فإن التركيبة الداخلية لمؤسسات الدفاع والأمن هي بذاتها تحتاج إلى إعادة نظر وتحديد للمسؤوليات والصلاحيات، خصوصاً بين كل من رئاسة الأركان ووزير الدفاع، ثم بين وزارة الدفاع ككل ووزارة الداخلية . وكانت العلاقة الغامضة الملتبسة بين تلك الجهات الثلاث قد شهدت خلافات واحتكاكات ساهمت في تعميق الفراغ الأمني والتفسخ السياسي . وكان حصار بني وليد ثم اقتحامها الشهر الماضي نموذجا واضحاً على غياب التنسيق بل والتوافق حول طريقة إدارة العمل الأمني والعسكري على مستوى الجهات المختصة ذاتها . فقد باشرت كتائب درع ليبيا التي تعمل لحساب الجيش الليبي قصف بني وليد والتحرك العسكري لاقتحامها، ثم سرعان ما أعلن وزير الدفاع الليبي أن هذه الكتائب تحركت من تلقاء نفسه وأنها ليست رسمية . ما تسبب في حرج بالغ لرئاسة الأركان التي ردت بأن أمر تكليف الكتائب صدر ممهوراً بتوقيع وزير الدفاع شخصياً . وهكذا بدا الأمر كأنه محاولة للتهرب من مسؤولية القرار المتخذ بغض النظر عن الأسباب الموضوعية لاتخاذه . وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى أن العلاقة بين رئاسة الأركان وبقية فروع المؤسسة العسكرية تعاني خللاً واضحاً يعود إلى مرحلة الحرب ضد القذافي، تجلت تداعياته في التصفية الجسدية للواء عبد الفتاح يونس الذي كان رئيسا للأركان، في عملية غامضة لم تتكشف ملابساتها حتى الآن . ومن اللافت أن الأيام القليلة الماضية شهدت استدعاء مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، لاستجوابه بشأن قضية اغتيال يونس . ما يعيد مجددا الجدل حول المسؤوليات التي قد تقع على بعض الرموز والشخصيات السياسية في ما يتعلق بأحداث أو تطورات أمنية . ومن المفارقات أن بعض أعضاء المؤتمر الوطني العام، اتهموا أعضاء آخرين بالتورط في الاعتداء على مقر المؤتمر قبل أسبوعين أثناء مناقشة تشكيلة الحكومة الجديدة . كأن التاريخ يعيد نفسه لكن بأحداث ومشاهد مختلفة في تفاصيلها لكن متطابقة في دلالتها . ففي الحالتين كان للدافع السياسي أدوات وتجليات أمنية .
والأكثر مدعاة للانتباه، أن التداخل بين الأمني والسياسي بدأ ينتقل إلى مستويات أخرى بخلاف الاعتداءات التقليدية البسيطة أو حتى الاشتباكات بين بعض فصائل الثوار التي تكررت في الأشهر الماضية . فقد شهدت ليبيا مؤخراً نمطاً مغايراً من أحداث العنف، يشمل الاغتيالات لبعض القادة العسكريين والرموز السياسية سواء الحالية أو السابقة المحسوبة على نظام القذافي . كما وقعت أيضاً عمليات تفجير بسيارات مفخخة وعبوات متفجرة . وهو ما يؤشر إلى مرحلة جديدة من العنف قد تختلف في معطياتها عن تلك السابقة . حيث تتطلب تلك النوعية من العمليات سواء الاغتيالات أو التفجيرات توافر قدرات وموارد مالية، ومهارات خاصة في العناصر التي تقوم بها . ما يعني بدوره أنه ربما كان الأمر أعمق من خلافات شخصية أو حتى سياسية بين فصائل ثورية أو حتى قبائل وتكوينات اجتماعية، وإنما ربما يكون نطاق الانفلات الأمني قد وصل إلى حد دخول أطراف خارجية على خط أعمال العنف بشكل متعمد، سواء لاستهداف شخصيات بعينها أو لرفع مستوى الخلخلة الأمنية الحاصلة بحيث يصعب على السلطات الرسمية السيطرة عليها، وحتى تصبح المعادلة في ليبيا عبارة عن ملاحقة مستمرة من جانب السلطات لمعدل متسارع من التدهور الأمني، ما يسفر بدوره عن عجز مؤسسي وتعثر سياسي . ومفاد هذا المشهد برمته، أن الأمن الذي كان سبباً في بطء التطور السياسي، لا تزال له ظلال كثيفة عليه، بل قد يعطله مجدداً . وعندها ربما يكون استدراك الأمر أكثر صعوبة، ما يعني في المجمل أن حكومة علي زيدان التي لم تبدأ عملها بعد، ستتحمل مسؤوليات ضخمة وأعباء مركبة لمواجهة تلك التحديات التي يمتزج فيها الأمني بالسياسي، ومن الصعوبة بمكان تحديد نقطة البدء بأيهما في إصلاح الأوضاع والمضي بالفعل نحو بناء ليبيا جديدة .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.