د. زيد علي الفضيل رحم الله المفكر المصري الدكتور عبدالوهاب المسيري الذي غادرنا وقد ترك ذخيرة فكرية وموسوعة علمية هامة، على أن أقرب كتبه إلى ذاتي كان ولا يزال كتابه الموسوم ب»رحلتي الفكرية: سيرة غير ذاتية غير موضوعية»؛ في هذا الكتاب يستطيع القارئ أن يتلامس في وقت واحد مع الخاص والعام، الذاتي والموضوعي، الأدبي والعلمي، ليخرج بحصيلة معرفية واسعة الحدود، ويكتسب ملامح تجربة فكرية علمية، بُنيت أواصرها عبر رحلة إنسانية طويلة، مقرونة بتأمل فكري مُمتع، ورؤية منهجية سديدة، لن تستغرق وقتاً لتستبصر أبعادها مع قراءة أول صفحة من الكتاب، حيث وبلغة سهلة يُبيِّن د.المسيري مدى البون بين آلية ومنهج الدراسات الأكاديمية في الغرب مقارنة بعالمنا العربي، الذي يُبحر الطالب فيه لسنوات طوال، ويستفرغ وسعه من أجل حفظ معلومات مُكررة لمجرد أن أستاذه قد أشار إليه بذلك، بل ويستهلك كل وقته في الدفاع عنها ليتسنى له بعد جهد وعناء، وبعد أن يختط الشيب كل عوارض رأسه، أن يحصل على درجة الدكتوراه العلمية. في حين لا يستغرق الطالب الغربي للحصول على نفس الدرجة سوى بضع سنين هادئة، مليئة بالتفكير والتأمل التجديدي، الذي يُعبِّر عن ذاته هو وتطلعاته الفكرية الخاصة. بهذه الحكاية ابتدأ المسيري قصة رحلته الفكرية، ليعمل على سبر أغوار أزمة التفكير في محيطنا العربي بوجه خاص، الناتج عن غياب الحرية واقعاً، وضمور منهج التفكير التأملي في ثنايا مشهدنا، بحيث أصبحت ثقافة الإجابات أكثر مشاعا من سيادة ثقافة الأسئلة. على أن من أهم الأسباب المعيقة لبلوغ حالة النهضة والتطور قد تمثل في هيمنة نمط الذهنية التراحمية على طبيعة تفكيرنا المجتمعي، إذ وعلى الرغم من أهمية ذلك النمط في تعزيز لبنات المجتمع، وتقوية أواصره البينية، إلا أنه لا يصنع مجتمعا نهضويا متقدما، لكونه قد أفرد مساحة واسعة للمجاملة، واهتم بأخذ الاعتبار المعنوي حال اتخاذ أي قرار مجتمعي وبالتالي وظيفي، في حين أن الذهنية التعاقدية السائدة في رحاب المجتمع الغربي قد أفردت مساحة كبيرة لاعتبار الاحتياج الحقيقي، واعتبار جوانب الكفاءة والمقدرة العلمية والعملية لشغل أي موقع حياتي وبالتالي وظيفي. تبقى الإشارة تأكيدا إلى أن الغرب ما كان له أن يتطور، وما كان لعديد من الدول الإقليمية، وكذلك بعض المدن المجاورة كدبي أن تبلغ ما تريده من تطور ورُقي، لولا اعتمادها آليات منهج التفكير التعاقدي كأسلوب حياة، وهو ما يعني اختيار الأكفأ، ووفقا للاحتياج الفعلي، والتزام الشفافية، وتعزيز ثقافة الإقرار بالمحاسبة بوصفها سلوكا ومنهج حياة. فهل نحن سائرون على ذلك؟! [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (51) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain