شكلت الحالة العراقية التي تفجرت أمس باقتحام القوات الأمنية اعتصام مدينة الحويجة شمال العراق، وقتل نحو 50 من المعتصمين وجرح العشرات، سلسلة مكملة في إطار ما يجري في كل من سوريا وتداعيات أزمتها التي وصلت إلى لبنان، الذي دخل على خط الأزمة من خلال إرسال حزب الله ميليشياته للقتال إلى جانب بشار الأسد. ولعل الخطر الأكبر في كل ما يجري بهذه السلسلة المتفجرة في المنطقة، أن هناك أصابع طائفية تسير الأمور بطريقة تقود إلى إشعال فتيل المنطقة المشتعل أصلاً، والسير به إلى أتون نار تحرق حتى أولئك الذين يراهنون على الطائفية لتحقيق أهدافهم. من استمع لهتافات القوات الأمنية العراقية التي اقتحمت خيم الاعتصام في الحويجة، لا يكاد يفرق بينها وبين قوات وشبيحة نظام الأسد وهي تهاجم الأحياء السكنية، ومثلها صيحات عناصر حزب الله في القصير السورية، فكلهم يهاجمون ويسبون الآخر بأقذع العبارات الطائفية، ناهيك عن عمليات الذبح التي مورست، سواء في جديدة عرطوز الفضل السورية قبل يومين، أو تلك التي مورست بحق معتصمي الحويجة العراقية. المشكلة أن الأصابع الإقليمية كانت حاضرة وبقوة، سواء في سوريا، أو في القوة الأمنية التي فضت اعتصام الحويجة في العراق، والتي على ما يبدو، باتت هي الفاعل الأكبر والصانع الأهم لمشروع الطائفية في المنطقة، بحثاً عن مكاسب تعتقد أنها يمكن أن تتحقق لها من خلال ذلك. لقد استفزت تلك العمليات العسكرية المغلفة بالنفَس الطائفي الكثير من اللبنانيين الذين سارعوا إلى تشكيل مجاميع «جهادية» للقتال في القصير السورية، كما استفزت آلاف العراقيين في مناطق عدة، مما دفعتهم إلى إعادة إحياء فصائلهم المسلحة التي قاتلت الأمريكان طيلة سنوات الاحتلال، وطبعاً لا يخفى ما يجري في سوريا من قتال باتت هويته الطائفية معلنة. كل هذا يجري وأصابع طرف إقليمي باتت واضحة وضوح الشمس، ليبرز السؤال الأهم، إلى أين يريد هذا الطرف أن يقود المنطقة؟ يتوهم هذا الطرف الإقليمي كثيراً إذا ما اعتقد أنه بهذه الطريقة قادر على أن يحقق مصالح معينة، ويتوهم أكثر إذا كان يرى أن دعمه لأنظمة قمعية، سواء في سوريا أو العراق، سيكون بلا ثمن، فالشعوب أبقى من الأنظمة، واللعب على الوتر الطائفي إذا كان يخدم أجندته اليوم، فإنه سيرتد عليه غداً. على حكومة نوري المالكي العراقية أن تعيد النظر بكل تصرفاتها إزاء مطالب شعبها المنتفض، لأن شرارة القتال إذا اندلعت لن تحرق طرفاً على حساب طرف، ولن تبقى حكومة المالكي بمنأى عنها، كما أن على حزب الله أن يدرك جيداً أنه لا يحارب الشعب السوري، وإنما يحارب اللبنانيين قبلهم، وبالتالي فإن أوهامه بالتفوق ربما لن تدوم، خاصة في ظل الاحتقان الكبير بسبب أفعاله الطائفية. إننا اليوم أمام مشهد دام تعصف به الطائفية وتتلاعب به أهواء طرف إقليمي وأطراف محلية هنا وهناك تابعة له، ترى أنها قادرة على إدارة دفة الأمور وفقاً لمصالحها، دون أن تدرك أنها بهذه التصرفات تكتب نهاية فصلها هي قبل أن تكتب نهاية فصل الآخرين.