بين زلازل أرضية متوالية وإنجازات نووية مُتقطعة، يتصاعد القلق المرتبط بالبرنامج النووي الإيراني . فقد شهدت إيران مؤخراً ثلاثة زلازل متتالية، كان لافتاً أنها أعلنت في أعقابها عن تحقيق خطوات أكثر تقدماً في برنامجها النووي، لتزيد من حالة التوتر التي نجمت عن فشل مباحثاتها النووية الأخيرة مع مجموعة (5+1) في كازاخستان . ورغم أن جولة جديدة من المباحثات يفترض أن تجرى بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال شهر مايو/أيار المقبل، إلا أن آمال التوصل إلى اتفاق نهائي سواء مع الوكالة أو مع الدول الكبرى ليست كبيرة . فالمسارات التفاوضية تبدو منفصلة ولكل حساباتها . بينما يتبقى أقل من شهرين على انتخابات الرئاسة الإيرانية، ما يجعل الملف برمته في حالة انتظار إلى ما بعد التعرف إلى هوية الرئيس الجديد . عاد الملف النووي الإيراني مجدداً إلى سطح الاهتمام العربي والعالمي، على خلفية التزامن بين تعثر المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى، والزلازل الثلاثة التي ضربت إيران في أقل من أسبوعين وأثارت مخاوف جمة من حدوث تسريب إشعاعي من المنشآت النووية . ربما من قبيل المصادفة فقط أن الزلزال الأخير الذي ضرب منطقة بلوشستان بقوة 8 .7 ريختر يكفي لتحقيق دمار مساوٍ لتفجير نووي . لكن ما لم يرجع الأمر للصدفة هو تلك التحليلات والتوقعات التي ربطت هذا الزلزال وسابقه الذي كان بقوة 2 .6 ريختر، ثم ثالثهما الذي وقع بقوة 8 .5 ريختر، باحتمالات إجراء إيران تجارب نووية تحت الأرض . نشاط زلزالي مفاجئ معروف أن إيران تقع ضمن حزام الزلازل، وبعض مناطقها يتقاطع مباشرة معه . ذلك الحزام الذي يبدأ من تركيا غرباً ويمتد شرقاً حتى الصين مروراً بإيران وباكستان . كما شهدت إيران عدة زلازل في السنوات الأخيرة كان بعضها عنيفاً وتسبب في خسائر بشرية ومادية . لكن الأسبوعين الماضيين شهدا وحدهما ثلاثة زلازل وعدداً كبيراً من الهزات الارتدادية، الأمر الذي يجعل تطور الوضع الزلزالي لإيران محل تساؤل إن لم يكن في الحاضر ففي المستقبل القريب . خاصة أن الزلزال قبل الأخير كان الأعنف منذ ما يقرب من أربعين عاماً . ووصلت تأثيراته إلى دول الخليج الست، إضافة إلى الهند وباكستان . وراح ضحيته ما يقرب من أربعين شخصاً، فضلاً عن مئات من الجرحى . وتعد تلك الخسائر محدودة للغاية مقارنة بارتفاع درجة الزلزال على مقياس ريختر، وهو ما يعزى بالأساس إلى وقوع مركز الزلزال على عمق كبير في باطن الأرض (نحو 95 كم) . لكن وفقاً للخبراء فإن التعرض لزلزال بتلك القوة يعني احتمالية تكراره مجدداً مع اقترابه أكثر من سطح الأرض، الأمر الذي سيتسبب في خسائر بشرية ومادية هائلة ربما تتجاوز حدود إيران الجغرافية . وكانت منطقة بوشهر التي تضم المفاعل النووي الذي يحمل نفس الاسم، قد تعرضت قبل الزلزال الأقوى إلى آخر أقل قوة (3 .6 ريختر)، راح ضحيته 38 شخصاً وأصيب 950 آخرون . والمسافة بين موقع الزلزال والمحطة النووية الشهيرة لا تزيد على 91 كيلومتراً . وبعد الزلزال الكبير أيضاً تعرضت مدينة تاسوج شمال غرب إيران لزلزال ثالث بلغت قوته 8 .5 ريختر، لكنه لم يسفر عن خسائر بشرية أو مادية . تلك التطورات الجيولوجية ليست بعيدة عن التطورات السياسية والتقنية المرتبطة بالملف النووي الإيراني، وبغيره من البرامج النووية في المنطقة . إذ تذهب بعض التحليلات إلى أن الطفرة المفاجئة في النشاط الزلزالي حتى إن حدثت في النطاق المعروف لحزام الزلازل، ترتبط إلى حد كبير بأنشطة نووية تتضمن على وجه الخصوص تجارب نووية في باطن الأرض أو في قاع البحار أو المحيطات . ويمكن سوق أمثلة محددة في هذا السياق، من بينها زلزال ضخم وقع في آسيا عام 2004 وتبعه فيضان هائل . ذلك الزلزال يعزوه بعض الخبراء إلى تجارب نووية "إسرائيلية" هندية مشتركة، أجرتها الدولتان في قاع البحر أمام سواحل إندونيسيا . وينسحب التفسير ذاته على زلازل أخرى قوية منها زلزال خليج مرمرة في تركيا، وكل من هايتي وتشيلي وغيرهما . هذه التفسيرات لا تزال أقرب إلى الافتراضات منها إلى التحليلات الواقعية المستندة إلى أدلة وقرائن مؤكدة . لكنها تكفي لتعميق القلق والهواجس المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، ليس فقط من زاوية احتمالات وجود صلة مباشرة بين النشاط النووي والزلازل المتوالية في إيران، لكن أيضاً من زاوية الحوادث المحتملة وحدود السلامة النووية في هذا البرنامج . وتجدر الإشارة هنا إلى أن إيران لم توقع حتى الآن على بروتوكول السلامة النووية التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية . الذي كان أحد تداعيات حادث انفجار مفاعل تشيرنوبل السوفيتي، والذي يصادف غداً الذكرى السابعة والعشرين لانفجاره (وقع في 26 إبريل/نيسان 1986) . ومما يزيد بواعث القلق إزاء النشاط الإيراني النووي وما قد يستتبعه من أضرار أو تغيرات جيوفيزيائية في المنطقة المحيطة بمواقع المحطات النووية هناك، أن إيران تطبق التكنولوجيا الروسية . وهو أمر يثير قلقاً بالغاً، خصوصاً لجهة معايير الأمان النووي المتاحة في مفاعل بوشهر الذي رغم تحديثه يعاني الشيخوخة، وتحاول الخبرة الروسية تحديثه وتجديد محتوياته بالصيانة والتطوير للحد من احتمالات حدوث تسرب إشعاعي منه أو تسببه في كارثة نووية جديدة على غرار تشيرنوبل . وتجدر الإشارة هنا إلى ما ذكره تقرير علمي لاتحاد العلماء الأمريكيين صدر قبل أيام، من أن محطة بوشهر تقع فوق نقطة تقاطع ثلاث صفائح تكتونية، تشهد هزات أرضية بسبب حركة تلك الصفائح والاحتكاك في ما بينها . الأمر الذي يجعل البلايين الإحدى عشرة التي تطلبها إنشاء تلك المحطة، غير كافية لضمان عدم تعرضها لمخاطر كارثية جراء القلقلة الأرضية تحتها . تمرير الوقت بعد أيام قليلة من الزلازل الثلاثة التي ضربت مناطق إيرانية، أعلنت طهران أنها حريصة بل وملتزمة باستمرار التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية . وذلك وفقاً للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمنبراست . وذلك بالتزامن أيضاً مع الإعلان عن جولة مباحثات نووية جيدة ستجري بين إيران والوكالة الدولية في شهر مايو/ أيار المقبل . ويصعب فصل هذا الموقف الإيجابي من جانب إيران تجاه الوكالة، عن أزمة الزلازل وما ولدته من أصداء سلبية وأجواء غير مواتية بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني بشكل عام . فضلاً عن أنها ليست منفصلة أيضاً عن التعثر الذي شهدته جولة آلماتا بين إيران ودول (5+1) . فمن المعروف أن التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني يسير على مسارين متوازيين، أولهما بين إيران والدول الست، والثاني بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية . ورغم وجود مساحات متشابهة بين المسارين وهي الملفات والمسائل الفنية المتعلقة بالإثراء ومراحل دورة الوقود النووي وغيرها من القضايا ذات الصبغة التقنية، إلا أن التفاوض يسير على المسارين بشكل منفصل، خصوصاً أن التفاوض مع الوكالة يقتصر على تلك النواحي ولا يشمل أي جوانب سياسية أو غيرها . بينما المسار الخاص بالدول الست يبحث المسائل التقنية كتجسيد لحسابات سياسية وضمن حزمة تفاعلات بين الجانبين، تدخل فيها أدوات إدارة الأزمة مثل العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وبعض الملفات الثنائية مثل الأرصدة الإيرانية المجمدة في الولاياتالمتحدة منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 . فضلاً عن محاولات إيرانية جرت قبل أشهر قليلة لإدراج ملفات ومسائل إقليمية على مائدة البحث، مثل الأزمة السورية، وهو النهج الذي تحاول إيران منذ سنوات تطبيقه على أي محاولة لبحث برنامجها النووي، بينما يرفضه المجتمع الدولي . حيث تسعى طهران إلى توسيع نطاق البحث ليصبح الموضوع صفقة إقليمية شاملة، وليس مقتصراً على نطاق محدد ومحدود هو برنامج نووي يشتبه في أهدافه ومضمونه . لذا، فإن إيران حريصة على استمرار التفاوض على المسارين للاستفادة من التوازي بينهما، وللعمل على إنضاج شروط الصفقة الشاملة التي تستهدفها من دون الانصياع إلى الضغوط الغربية عليها، اعتماداً على عدم تعطيل مسار مفاوضات الوكالة حتى إن لم يحقق نتائج فعلية . وبالفعل فإن الجولة المتوقعة الشهر المقبل ستكون هي العاشرة من نوعها منذ بدأ هذا المسار مطلع العام الماضي (2012) أي في أقل من عام ونصف العام . ومن ثم يمكن القول إن الضغوط الإعلامية والسياسية التي بدأت إيران تتعرض لها في الأسبوعين الماضيين إثر تعرضها لثلاثة زلازل بشكل متوالٍ في أيام قليلة، إضافة إلى فشل جولة آلماتا الثانية مع الدول الست، ربما تكون سبباً جوهرياً في استئناف التفاوض مع الوكالة الدولية . الأمر الذي يعني من جهة أن مساري التفاوض المتوازيين يتأثران ببعضهما، وإن لم يكن بالضرورة التأثر في ذات الاتجاه . كما يعني من جهة أخرى أن ثمة مساراً ثالثاً ربما يكون قد أضيف إليهما مؤخراً، وهو المتعلق بالتطورات الطبيعية غير المحسوبة والتي يصعب التحكم فيها بغض النظر عما إذا كانت مرتبطة أصلاً بنشاطات نووية كما هو محتمل، أو لأسباب جيولوجية وجيوفيزيائية طبيعية تماماً . وبإضافة الوضع الداخلي في إيران والذي ينتظر إجراء انتخابات رئاسية بعد أقل من شهرين، فإن التوصل سريعاً إلى نتيجة ملموسة في الملف النووي يصبح أمراً مستبعداً، خصوصاً أن مفاوضات كازاخستان الأخيرة كشفت بوضوح أن الدول الغربية الست ليست على استعداد لتقديم تنازلات وصفتها بالكبيرة، لحكومة أو نظام قد تتغير قيادته وبالتالي توجهاته بعد تلك الانتخابات الوشيكة . والمحصلة أن الملف النووي الإيراني الذي كان يفترض أن يتجه بمرور الوقت ومع وجود مسارات للتواصل بشأنه والتفاوض حوله، إلى الانفتاح والانفراج ولو بالتدريج، لايزال يشهد تعقيدات ومحطات تعثر متوالية تشير بوضوح إلى أن نهايته السلمية ليست قريبة، وأن الصفقة المنتظرة بخصوصه ليست محتملة في المدى القريب على الأقل . [email protected]