يحرص كثير من الفنادق والمطاعم على تقديم طبق الطعام وفق تشكيل جميل يشبعك منظره قبل أن تطعم منه، فالمنظر جزء أصيل من محتوى ما يقدم، والقياس مع الفارق بشأن الكتاب وشكل تقديمة للقارئ، فثقافة اقتناء الكتاب لم تكن كما كانت أيام نسخ الورّاقين لكتبهم، حيث يكون ورق ودواة هي كل ما يلزم ويمكن لإنتاج نسخة من كتاب . فنظرية الشكل مقياس لأمور كثيرة تتعلق بالوعي بالكتاب من خلال تسويقه وثمنه والاعتناء بإخراجه وتجويد مضمونه، فكتب الأطفال والكتب العلمية وكتب الحكايات ليست سواء ومتطلبات كل منها يختلف عن الآخر، فضلاً عن شكل الغلاف من الخارج وهل يدل على مضمونه ويغري القارئ باقتنائه، ويحدث أن ترى قارئاً يقف حائراً زمناً طويلاً ممسكاً بكتاب لكاتب يعرفه ولا يستطيع أن يقرر بشأن الكتاب، أيشتريه أم يضعه في مكانه ويمضي؟ لا سيما بعد أن عمد كثير من الناشرين إلى تغليف إصداراتهم بأغلفة من البلاستيك مشدودة على الكتاب، وعليك كقارئ أن تحكم وفق مغامرة الغلاف الذي قد لا يعبّر عن حقيقة مضمون الكتاب، لا سيما أن العبارة المقتطفة من نص الكتاب على غلافه الأخير قد تكون من اجتهاد الناشر كيفما اتفق، وقد شهدت تذمراً من روائي معروف من تصرف ناشره من دون الرجوع اليه، مما يوحي بضعف مادة الكتاب للقارئ لأن الاستشهاد من النص لم يكن مناسباً، فضلاً عن الأحبار التي تضطر في أحايين إلى غسل يديك منها لتصفحك كتاب ما وربما تغسل يديك من جميع كتب هذا الناشر . الكتاب العربي مازال يبحث عن ناشر يجيد تسويقه ويضعه في قلب القارئ قبل يده، فأنت عندما تريد الذهاب الى رحلة ما تتخير كتباً ذات مواصفات تسعدك في رحلتك لا أن تدفع فيها أجوراً إضافية لوزن زائد، أو تضطر لجعل النور مضاء طوال رحلة الطائرة، وربما تزعج شريكك في غرفتكما لأن الحرف الذي طبع به الكتاب صغير جداً، أو الورق الأبيض المصقول يضطرك دائما الى توجيه صفحات الكتاب بعيداً عن مصدر الضوء وغيرها من الحيل اللازمة لتجنب صداع مؤلم، لا شك أن مبررات طباعة الكتاب بصور مختلفة تعتمد على شكل تسويقه من الناشر وعرضه في محال بيع الكتب، ومن ثم عدد النسخ المباعة لتكون مجزية في إضافة تكاليف تتعلق بتجويد الشكل وتحفيز الكاتب، وكم كان يحدث أن يتحمل كاتب ثمناً إضافياً يدفعه للناشر ليحصل على كتاب بشكله الذي يتصوره ويوده . عادة عندما أزور بلداً أحكم عليه من مكانة مكتباته ودور النشر فيه، ولعلها عادة اكسبتني شيئاً كثيراً من المقارنات الثقافية المتعلقة ببرامج القراءة وكيفية ترويجها، ما دفعني ذات مرة لاقتناء كتاب باللغة التركية طبع وفق مجموعة كأنها من الأدب العالمي، اكتشفت فيما بعد أن الكتاب هو كتاب "الأم" لماكسيم غوركي وبغض النظر عن مضمون الكتاب فقد اقتنيته ليس لمضمونه فأنا لا أجيد التركية، ولكن الناشر جعله نموذجاً مناسباً لكتاب يمكن أن تحمله معك إلى أي مكان لخفة وزنه، وصغر حجمه الذي يتيح لك وضعه في جيب حقيبة اليد أو المعطف، أو باب السيارة، إضافة إلى تصميم الغلاف الذي يشكل علامة فارقة في فكرة الأغلفة، ووضع صفحات إضافية في ختامه ليتمكن القارئ من تدوين ملاحظاته ويتفاعل مع مضمونه، وجاء على الغلاف ختماً فضياً للحفاظ على حقوق النشر وحمايته من التقليد كما يفعل في النقود، وكنت سعيداً أن أريه لكثير من ناشرينا . وفي اعتقادي أنني لم آتِ بما لم يأتِ به الأوائل، فمعارض الكتب تزخر بالنماذج الجميلة، لكنها كانت مجرد محاولة للقراءة خارج النص . [email protected]