يركز الإعلام العالمي بشكل متواصل على اختراق تنظيم القاعدة صفوف الثوار في سوريا، وأصبح الإسلاميون المتشددون طرفا في المعارك الساعية للإطاحة بالرئيس بشار الأسد. يلعب النظام السوري على وتر الجذور الإسلامية، ويستغل الحديث عن مقاتلين أجانب على الأرض لدعم الإدعاءات بأنه يخوض حرباً ضد المتطرفين المسلحين. وتنشر وسائل الاعلام الرسمية تقارير منتظمة عن مقتل أو اعتقال العشرات من الجهاديين، الذين يشار إليهم عادة باسم "المرتزقة". وحوّل دخول العديد من المقاتلين الأجانب على خط الثورة في سوريا التحرك الشعبي إلى ساحة معارك طائفية وايديولوجية، كما يثير مخاوف وشكوكا كثيرة أبرزها اختراق القاعدة لصفوف المقاتلين وتحويل البلاد إلى عراق أو صومال جديد. والشهر الماضي نفّذ رجلان أردنيان هجوماً انتحارياً في محافظة درعا الجنوبية بتفجير نفسيهما في قاعدة تتمركز فيها القوات الموالية للرئيس الاسد. ناصر دلقموني (32 عاماً) ومحمود عبد العال (30 عاماً) ينتميان الى التيار السلفي المتطرف والمحظور في الأردن، وذلك وفقاً لموسى العبداللات، المحامي الذي يمثل الإسلاميين الراديكاليين في الأردن، الذي قال لموقع "بلومبيرغ" انهما "توجها إلى سوريا للمشاركة في القتال بعدما شاهدوا مناظر القتل والمذابح التي ترتكبها عصابات الأسد". وقال سلمان الشيخ، مدير مركز الدوحة لمعهد بروكينغز في قطر، إن التفجير الانتحاري الأخير يشير إلى "الأعداد المتزايدة من المقاتلين الأجانب المشاركين في الثورة السورية"، مشيراً إلى ان هذا الواقع يثير مخاوف بين الدول الغربية من أن الصراع أصبح نقطة جذب للمتطرفين، وأنه قد "يفرخ سلالة جديدة من تنظيم القاعدة، كما هو الحال في العراق والصومال". "لقد شاهدنا عناصر متطرفة تخترق صفوف المعارضة السورية" قال الرئيس الاميركي باراك أوباما يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني، مشدداً على أن الولاياتالمتحدة يجب ألا تضع السلاح بطريقة غير مباشرة في أيدي الناس الذين يريدون الأذى للأميركيين أو الإسرائيليين. بدوره، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مقابلة تلفزيونية يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني انه "كلما استمر الصراع السوري، أصبح عامل جذب ودافعا للتطرف". وعلى الرغم من أن المقاتلين الأجانب لم يصبحوا قوة حاسمة في الثورة السورية حتى الآن، إلا أن مشاركتهم في القتال تؤدي إلى تبعات لا بد من أخذها في الحسبان، فدخول هؤلاء إلى ساحات المعركة يؤدي إلى حرف مسار القتال عن هدفه الأساسي وتحويله إلى صراع طائفي يمتد إلى المنطقة بأكملها. ويقول الشيخ إن "بعض هؤلاء المقاتلين يتبعون جدول أعمال أبعد من الأجندة القومية السورية، وهو جدول معاد للغرب". بدأ المقاتلون الأجانب يتقاطرون الى سوريا بعد أشهر قليلة من الانتفاضة ضد الأسد التي بدأت في آذار/مارس 2011، وفقاً لعمار عبد الحميد، وهو معارض سوري وعضو في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن. واعتبر عبد الحميد أن الثورة تتحول إلى اقتتال مذهبي، والسبب الرئيس هو أن معظم المعارضة تنتمي إلى الطائفة السنية، بينما ينتمي الأسد إلى الطائفة العلوية الأقلية. لكن ذلك لا يعني ان جميع المقاتلين الأجانب يشاركون في القتال لأسباب طائفية، إذ ان بعض المسلمين المعتدلين أو الليبراليين ينتقلون إلى سورياً استجابة لقيم التضامن العربي ومفاهيم الحرب العاطفية. وأدى الصراع في سوريا إلى مقتل أكثر من 35 ألف شخص، وفقاً لمرصد المعارضة السورية لحقوق الإنسان. وتعثرت محاولات الضغط على حكومة الاسد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بسبب الفيتو الصيني والروسي، كما انهارت جهود وقف إطلاق النار في غضون ساعات أو أيام، ما دفع مبعوث الأممالمتحدة كوفي أنان إلى الإستقالة في آب/اغسطس الماضي. ويبدو أن فوضى القتال في سوريا جعلت البلاد مسرحاً للمقاتلين الأجانب الذين يدخلون وينفذون مخططاتهم بسهولة نسبية مقارنة مع المسارح الأخرى للحرب مثل اليمن وأفغانستان والعراق، وفقاً لتقرير أعده توربيورن سولتفيدت، كبير المحللين في مؤسسة "مايبلكروفت" في الولاياتالمتحدة. ويشير التقرير إلى أن المقاتلين يدخلون سوريا سيراً على الأقدام عبر تركيا، فيما يدخل القسم الآخر من العراقيينوالأردنيين إلى البلاد على طول الحدود الطويلة وغير المحكمة في الشرق والجنوب. في محاولة لضبط حدودها، اعتقلت الحكومة الأردنية بعض الأردنيين الذين يحاولون التسلل عبر الحدود إلى سوريا. وقال العبداللات إن هناك نحو 200 أردني يقاتلون في سوريا، لكنهم لا ينتمون جميعاً إلى التيار السلفي. وقال عبد الباسط سيدا، عضو في الائتلاف الوطني الذي شُكّل حديثاً ورئيس المجلس الوطني السوري السابق إن العديد من الجهاديين استفادوا من الفوضى في سوريا لدخول البلاد. لكنه اعتبر أن وجودهم لا يعكس الصورة الحقيقية للثورة السورية، وأن تأثيرهم سوف يتبدد ما ان تتوحد الجماعات التي تقاتل في سوريا تحت لواء المجلس العسكري الذي يجري تشكيله. ويشير عمر العمراني، المحلل العسكري في شركة "ستراتفور" للاستشارات إلى أن بعض المقاتلين الأجانب المتطرفين يأتون من السنغال وباكستان والشيشان واليمن وأماكن أخرى. واعتبر أن "ثوار سوريا يحتاجون إلى الخبرة العسكرية والقتالية التي يقدمها الأجانب الذين يشاركون في القتال، بما في ذلك تصنيع القنابل. كما أنهم أكثر استعداداً لتنفيذ العمليات الانتحارية، ما يعطي ميزة تكتيكية للثوار".