من خلال عملنا أنا وزملائي أعضاء في فريق العمل الذي شكله الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدراسة وضع شركات صناعة السيارات، تعرفنا إلى مجموعة من المشاكل التي تواجه شركات السيارات في أوروبا كالهبوط الحاد في المبيعات وتصاعد خسائر الشركات المصنعة بسبب إنتاج عدد كبير من السيارات الباهضة التكلفة من قبل مجموعة كبيرة من الشركات . وقد تراجعت مبيعات السيارات في الاتحاد الأوروبي للعام الخامس على التوالي في ظل أزمة الديون السيادية الأوروبية والركود الاقتصادي في إيطالياوبريطانيا، لكن لم يتم إلى الآن اتخاذ إجراءات جادة لوقف هذه الخسائر رغم تعالي صرخات الاستغاثة من قبل مديري الشركات، بينما حققت شركات السيارات الأمريكية في هذا الوقت أرباحاً جيدة بفضل الظروف الاقتصادية الملائمة التي أدت إلى نمو المبيعات . ولا يعزى هذا الاختلاف الواضح إلى الظروف الاقتصادية الصعبة في أوروبا فقط بل إلى عدم وجود سلطة مركزية قوية قادرة على إحداث التغيير . فقد أصبحت الدول الأوروبية حريصةً بالمقام الأول على الحفاظ على فرص العمل المتوفرة فيها بسبب ارتفاع معدلات البطالة، فعندما قمنا بإغلاق مصانع "جنرال موتورز" في أوروبا بهدف الحد من خسائر الشركة، تلقينا زيارات متكررة من سفراء هذه الدول تناشدنا بالتراجع عن هذا القرار . وتكرر الأمر عندما حاولت شركة بيجو إغلاق مصنعها في فرنسا والقضاء بالتالي على 6500 فرصة عمل، حيث رفض الرئيس "فرنسوا هولاند" هذا القرار واعتبره غير مقبول . ويعد جمود أسواق العمل في "أوروبا القديمة" أحد أهم الحواجز التي تمنع الشركات من خفض تكلفة الإنتاج . وكان ذلك واضحاً في إيطاليا، حيث أشارت إحصاءات "سيرجيو مارشيوني"، الرئيس التنفيذي لكل من شركة فيات وشركة كرايسلر، إلى أن أكبر خمسة مصانع تجميع لسيارات فيات في إيطاليا أنتجت 650 ألف سيارة من خلال تشغيل 22 ألف عامل في العام ،2009 بينما أنتج مصنع واحد فقط في بولندا في العام نفسه 600 ألف سيارة من خلال تشغيل 6100 عامل يتقاضون نحو ثلث رواتب نظرائهم الإيطاليين . ويعني ذلك أن مصانع تجميع سيارات فيات الإيطالية تعمل بقدرة تشغيلية تقل بنحو 40% عن نظرائها في بقية دول أوروبا، لذلك تسعى شركات صناعة السيارات الأخرى إلى تشغيل مصانعها في الدول الأكثر كفاءة . على النقيض من ذلك، كان أداء قطاع السيارات في بريطانيا متميزاً بفضل نظامها الاقتصادي المرن، حيث تعمل مصانع السيارات فيها بقدرة تشغيلية تتجاوز 90% . أي أعلى بقليل من الولاياتالمتحدةالأمريكية . أدهشتني هذه الحقائق على المستوى الشخصي، فقد كتبت مقالاً في عام 1981 أثناء عملي كصحفي شاب في صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصنعين لشركة فورد أحدهما في ألمانيا والآخر في بريطانيا، حيث حقق المصنع الألماني ضعف القدرة التشغيلية للمصنع البريطاني . مما لا شك فيه أن زعماء أوروبا غير مدركين للصعوبات الجسيمة التي تواجهها صناعة السيارات، فبدلاً من إعادة هيكلة النظام بالكامل قاموا بتبني برنامج "النقد مقابل السيارات القديمة" وعملوا على دعم الأجور للحفاظ على فرص العمل . وقد أشارت شركة "أليكس بارتنرز" للخدمات الاستشارية إلى أن نحو 30 مصنعاً من أصل 98 في أوروبا يعمل بأقل من 70% من قدرته التشغيلية وتعود معظم هذه المصانع لشركة فيات وأوبل، بينما تغلب مصنعو العلامات التجارية الفاخرة مثل مرسيدس وبي إم دبليو على هذه الخسائر بسبب قوة الطلب على الصادرات . في الواقع، يجب إغلاق المصانع ذات التكلفة العالية بغض النظر عن مكان وجودها، وتزويد المصانع الأخرى بعمالة أكثر مرونة، حيث سيؤدي إغلاق هذه المصانع إلى زيادة معدلات الانتفاع في بقية المصانع، ما يؤدي إلى الحد من عدد السيارات المعروضة للبيع التي كانت تجلب المزيد من الخسائر، ويبدو أن تبني دول أوروبا لنموذج الولاياتالمتحدة الاقتصادي في إعادة هيكلة قطاع السيارات سيجدي نفعاً . * "فاينانشال تايمز"