كل الطرق تؤدي الى القاهرةتلقى رئيس مصر محمد مرسي في منتصف الاسبوع انتقادا شديدا من حازم عبد الرحمن، وهو أحد كُتاب المقالات الرواد في صحيفة 'الأهرام' اليومية. فقد ذكّره المحلل قائلا: 'لم تُنتخب للحكم كي تشتغل بالقضية الفلسطينية. فقد جاءوا بك الى الحكم لتضمن الخبز والعمل وحياة أفضل. حذارِ ان تغرق في المستنقع الفلسطيني كأسلافك عبد الناصر والسادات ومبارك. ولا تنسى من الذين اغتالوا السادات ومن الذين أرسلوا القتلة'. ضاءلت صحيفة 'الأهرام' هذا الاسبوع التقارير عن التفاوض من اجل وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس، الذي تم بوساطة مصرية. والصحيفة ترى ان الكرامة القومية المصرية قد أُحرزت في اللحظة التي حصل فيها مرسي على تفويض لقيادة الاتصالات وانشأ مثلث القيادة مع تركيا وإمارة قطر. وضاءلت شبكة 'الجزيرة' في قطر ايضا التقارير من غزة وحصرت عنايتها في المقابل في مذبحة الشعب التي ينفذها بشار الاسد في سوريا. 'اذا كانت مصر تريد قطف الأرباح الاقتصادية فيجب عليها ان تحرص على عدم التنازل لحماس'، قال لي طارق عبد الجمال وهو رجل اعمال من القاهرة. 'ان كل صفقة تؤدي الى فتح المعابر الحدودية ستورطنا فقط. تريد اسرائيل ان تطرح غزة علينا وان تجعلنا البالغ المسؤول في الحي لكننا لا نستطيع الاعتماد على حماس مع كل تأييد الاخوان المسلمين لها. يجب على مرسي ان يجد حلا جراحيا يوقف اطلاق النار وتهريب السلاح ويحافظ على بُعد عن غزة'. أعلن مرسي هذا الاسبوع ان 'مصر اليوم ليست مصر الأمس'، وتطوع مسؤول كبير في المخابرات المصرية ليُبين لي ما القصد. 'لنا حساب مفتوح مع حماس بسبب ما يحدث في سيناء'، قال. 'نحن نعلم من الذين أرسلوهم الى سيناء وكيف يجري التهريب من السودان عن طريق أنفاق غزة وكيف ينوون المس باستقرار مصر الداخلي في الأمد المباشر والأمد البعيد ايضا'. يحاول مرسي الآن اذا الحفاظ على بُعد آمن عن حماس. وليست الفكرة فقط الابتعاد عن خالد مشعل وموسى أبو مرزوق بل عن آيات الله وحرس الثورة في ايران الذين يحاولون في زعم مسؤولين كبار في القاهرة توريط مصر في حرب مع اسرائيل. 'عندنا معلومات استخبارية عن ايرانيين تسللوا الى غزة عن طريق الأنفاق'، قال هذا الاسبوع واحد من مقربي مرسي، 'وهم يُهيجون حماس والجهاد الاسلامي على اسرائيل بغرض صرف الانتباه عن مذبحة الشعب التي يقوم بها الاسد في سوريا'. ان عملية 'عمود السحاب' جعلت الايرانيين يكشفون عن مساعدتهم لغزة وعن وجود ناس الحرس الثوري الذين تسللوا الى القطاع عن طريق الأنفاق. وفي ذروة اطلاق الصواريخ حرص خالد مشعل على الخصوص على مضاءلة إظهار التدخل الايراني وتحدث عن دعم معنوي فقط. ومن الغد أبلغه رئيس مجلس الشعب الايراني علي لاريجاني ان ذلك غير كاف فقال لاريجاني: 'نقول بفخر إننا نقلنا مساعدة عسكرية ومالية الى غزة. يجب على النظام الصهيوني ان يفهم ان القوة العسكرية لحماس والجهاد تنبع من القوة العسكرية لايران، فلولانا لسحق الصهاينة غزة. وقد نجحت العملية بمساعدتنا'. ولم يعتقد قائد الحرس الثوري علي جعفري ايضا ان هناك مكانا لاخفاء حجم المشاركة. 'نقلنا الى غزة تقنية وعددا غير محدود من الصواريخ'، قال. 'ان هذه الحرب أحدثت صلة وثيقة بين غزةوايران'. في ظهر أول أمس جلس ابراهام فوكسمان، المدير العام لرابطة مقاومة التشهير، في مكتبه في نيويورك وفحص عن تصريحات الايرانيين. بعد ذلك هاتف مسؤولين كبارا في الادارة الامريكية ليتحقق من أنهم لا يُضيعونها. وحينما كان ما يزال يُهاتف خرجوا في شوارع عاصمة ايران للاحتفال ب 'النصر الكبير'. قال لاريجاني 'ربما يوجد عندنا تضخم مالي وبطالة. لكننا انتصرنا في غزة ولم يعد الشأن السوري يحتل العناوين الصحفية. نحن ننجح في تغيير المنطقة وهذا انجاز عظيم'. استمرت الثرثرة هناك في صباح أمس. 'تبارك ايران وقف اطلاق النار'، ورد في الاعلام الرسمي، 'لكن ايران غير متفائلة'، ومعنى ذلك ان طهران لا تنوي ان توقف ارسال السلاح والمال والخبراء. 'يتحدث القادة العرب بلا توقف ويطلقون تصريحات'، قال الحاكم خامنئي ساخرا، 'لكننا نفعل ما يجب على الارض'. لا شك في ان كل ذلك وصل الى القاهرة ايضا. خطأ الجعبري بعد اغتيال احمد الجعبري نقل الرئيس مرسي رسالة قاطعة تقول ان اتفاق السلام مع اسرائيل لن يُمس. وقد أعاد الى القاهرة السفير في تل ابيب، عاطف سالم، لكن سفير اسرائيل في مصر، يعقوب اميتاي، لم يُطرد، ولم يطلق أحد في القصر الرئاسي تصريحات حرب. بالعكس. قال السفير سالم أول أمس: 'كان وضعي جيدا في اسرائيل وقد انشأت علاقات سريعا، ومحاربتها غير مطروحة ألبتة'. ان نغمة كلامه الايجابية أحدثت انطباع انه لم يُبعد لفترة طويلة. يتبين ان اسرائيل كانت تستطيع ايضا ان تختار قطر أو تركيا لتقودا الاتصالات من اجل وقف اطلاق النار في غزة برغم العلاقات غير السهلة بهما، لكن تقرر ان يُعطى 'الجار القريب' اللجام. ما يزال مرسي بعد 110 ايام في الحكم غير قادر على التلفظ باسم دولة اسرائيل، لكن ناسه في اجهزة الاستخبارات عملوا معنا طويلا. فهم يعملون مع المحامي اسحق مولخو، مبعوث رئيس الوزراء نتنياهو، ومع عاموس جلعاد، رئيس الشعبة الامنية السياسية في وزارة الدفاع، ومع شخصين آخرين أحدهما في القدس والآخر في تل ابيب. ويتلقى مرسي كل التقارير ويقرؤها، وهم في البلاد يُقدرون انه قد أصبح ينظر نظرة مختلفة الى اسرائيل. 'من الجيد أنكم اغتلتم الجعبري'، قال لي هذا الاسبوع البروفيسور فؤاد العجمي، وهو مختص من أصل لبناني، وهو مسلم شيعي، بشؤون الشرق الاوسط يسكن في نيويورك ويحظى بتقدير كبير من الادارة الامريكية. 'أتفهم انه كان يجب عليكم اغتياله. فقد قام الجعبري بخطأ شديد حينما حاول ان يُصوَر بأنه مُخلص جلعاد شليط. لم يكن يجب ان يخرج الى عدسات التصوير في لحظة الافراج عنه، فذلك لم يساعده عندكم. كان يجب عليكم ان تُصفوا معه حسابا طويلا. 'أنا أتوهم ان حماس ستحاول وقد تنجح ايضا في تنفيذ عملية انتقام'، قال العجمي قبل العملية في تل ابيب بأقل من يوم. 'تدركون أنتم ومرسي ايضا ان حماس لن تقلب جلدها حتى بعد احراز وقف اطلاق النار بل حتى لو وجد اتفاق، فالذي كان هو الذي سيكون. ان حماس هي عدو لن تكف عن مضايقتكم ومضايقة مصر. وقد استوعب مرسي هذا الامر وهو يواجهها الآن بصورة مدهشة'. وقال ان القصر الملكي السعودي يتحفظ من حماس ايضا، ويزعم العجمي ان 'السعوديين استقرت آراؤهم على الحفاظ على بُعد. وهم يتعمدون عدم التدخل في جهد الافضاء الى تهدئة في غزة. فهم يبغضون حماس بسبب مشاركة وحضور ايران في القطاع'. وكيف يفسر الصور التي يتصافح فيها مرسي واسماعيل هنية رئيس حكومة حماس في صداقة؟ 'لا تتأثروا'، يوصي العجمي. 'ان هذا العناق تمثيل غوغائي فقط يحاول ان يُهديء متظاهري ميدان التحرير'. تحت المائدة فقط يوشك هؤلاء المتظاهرون ان يعودوا الى الميدان بعد ثلاثة اسابيع في 12/12. فكثيرون منهم لم يُحسنوا حالهم منذ كانت المظاهرات السابقة، ومن المؤكد أنهم يخططون لمحاسبة الرئيس الذي تولى الحكم على أثرها. يعلم مرسي ان كثيرا منهم يُعادون اسرائيل وهكذا فان الصور مع هنية كانت ترمي الى التكيف معهم. يعتقد العجمي ان مرسي في الحاصل العام يلتزم بتوجه متوازن. 'ان رئيس مصر يعاملكم بصورة موضوعية'، يقول، 'وهو لا يتابع نهج مبارك الذي أصر على الزعم طوال السنين ان 'قلوبنا مع الفلسطينيين'. لا يعني هذا انه ينتظركم شهر عسل أو تحول للعلاقات بمصر، لكن مرسي يجد مصالح مشتركة معكم'. يقترح العجمي على اسرائيل عدم محادثة حماس علنا. 'حادثوا حماس فقط اذا وجب عليكم ذلك من تحت المائدة فقط مستعينين بوسطاء فقط. وحاولوا الاعتماد على مرسي ودعوه يقوم بالعمل'. وليس هو الوحيد الذي يوصي بذلك. ان خبيرا كبيرا في معهد ابحاث استراتيجية في القاهرة يتابع الدعوات في البلاد الى فتح قناة تحادث مع حماس ويعتقد ان ليس من الجيد فعل ذلك ويقول: 'لا تحادثوا حماس. أُبذلوا جهدكم بدل ذلك سرا في بناء محور ثقة مع مرسي. فليست حماس شريكة لاسرائيل، أما مرسي في المقابل فليس عدوا. أُدرسوه وادرسوا سلوكه وستجدون ان له جانبا معلنا متشددا وقتاليا، لكن توجد قنوات سرية ايضا. لا تهاجموه ولا تضغطوا عليه'. سمدار بيري يديعوت 23/11/2012