في إحدى دوراتي التدريبية حضرت سيدة من سيدات المجتمع بعد انقضاء نصف الوقت، واعتذرت بأنها كانت في اجتماع في غاية الأهمية، رحبتُ بها وجلستْ بين المتدربات، وبعد نصف ساعة فقط اعتذرتْ بالانصراف؛ لأنها ستذهب إلى اجتماع في غاية الأهمية!! مثل هؤلاء الذين يشعرون أنهم "مديرو العالم"، وأن العالم سيضطرب وينتهي إذا لم تتم متابعتهم المباشرة والشخصية، أين أرواحهم في سلم اهتمامهم؟ يعيش العالم اليوم ثورة "الروحانية" وانسحاب المادية، والهروب من المدن إلى الأرياف؛ لأن الأرواح جربت الماديات فلم تسعدها. هل تستطيع أن تغادر بيتك تاركاً كل أغراضك الشخصية وممتلكاتك "ومادياتك" خلفك؟ يبدأ الإنسان منذ ولادته أو حتى قبلها وهو جنين بالشعور بالروحانية، لذا نجد الاهتمام الإسلامي بتنمية هذا الذكاء منذ الولادة بالأذان ثم الأذكار مع الطفل، بل وربطه بالروحانيات قبل سن التكليف بالأمر بالصلاة، وكلما زاد عمر الإنسان أصبح أكثر وعياً بخياره لزيادة ذكائه الروحاني. اكتُشف الذكاء الروحاني في القرن 21، واصطُلح على تسميته ب"الذكاء النهائي"؛ لأنه أهم ذكاء يوصل الإنسان إلى الراحة والسعادة الحقيقية. في دراسة حديثة استعرضت أبرز سمات الأشخاص الأذكياء روحياً بأنهم: لديهم قدرة على الخشوع والتأمل لفترات طويلة، كما أنهم يتميزون بالتسامي عن الأنانية والنظر للحياة بكلية، ولديهم إجلال لكل الناس، وهم دائماً في غاية التواضع والعطف والامتنان لمن حولهم، والصفة الأهم: أنهم ينظرون للمشاكل الحياتية بالنظر لنهائيات الحياة (الحياة فانية) فلا يعطونها إلا حجمها المناسب لها!! يُحكى كثيراً عن ملياردير "سعودي" يستقبل الضيوف في مزرعته على "حصير"؛ ويفسر اجتماعياً بأنه رجل "بخيل"، في حين أنه إذا كنت تعج بالماديات؛ فلن تستطيع أن تقيِّم الآخرين إلا وفقاً لها! لو قلنا: هناك سلم من 1- 100 كَمْ تساوي روحك بالنظر لكمية الصفات والأعمال الروحانية التي تقوم بها؟ كان هناك طفل فقد أمه حديثاً يلعب في منزل العائلة مع أقرانه، أخذت فتاة لعبته، ثم أخذ فتى لعبته الأخرى، وترك كل ألعابه وذهب، فافتقده أفراد العائلة، وبعد البحث عنه وجدوه وحيداً في حديقة المنزل، وحين سألوه: أين كنت؟ قال: خذوا كل ألعابي أنا لا أحتاجها؛ لأني ذاهب إلى أمي! مثل هذا الطفل بروحانيته العالية وسموه وتواضعه وعطفه.. وجد الحقيقة النهائية للحياة، في حين أن هناك مثلاً بالغين يتقاتلان حول كلمة تافهة قالها عابر سبيل!! وكما أن لكل الماديات متاجر، فإن للأرواح "المهملة" متاجر؛ فاحذر أن تبيع روحك لمن لا يستحق!