رضي الله عن بلال بن رباح الصحابي الجليل، الذي اختاره النبي صلّى الله عليه وسلّم لأداء الأذان لنداوة وحلاوة صوته، وبقيت صورة المؤذن تعلو مع ارتفاع صوته وتمتد بامتداده في الآفاق مثلما تطول المآذن والأعناق، هكذا يمكن النظر إلى اختيار المؤذن بوصفه معينًا على الطاعة، جالبًا وجاذبًا للمسلمين إلى حضور الجماعة، من أجل هذا تفنن المؤذنون في الأداء، عسى أن يكون الواحد منهم مزمارًا من مزامير الجنة، وذهبوا فيها مذاهب متعددة كلها تتجه إلى التحسين والتجويد، والتأثير بالصوت على عواطف المسلمين ومشاعرهم وتعميق روحانية الدين، ومن أجل هذا كذلك ارتبط الأذان بطرق الأداء وإمكانات اللغة وقدراتها الكامنة في أصواتها بما فيها من حروف قوة وأصوات لين، وكيفيات لتآلف الحروف مع بعضها وتوزيعها وتشكيلها بطريقة تتجاوز التعبير لتجمع معه التأثير بإيحاء الصوت بما فيه من تردد وتموج، الأمر الذي جعل أحد مشاهير الفنانين يقول (إن هناك ارتباطًا قويًا بين تعلم المقامات الموسيقية والطريقة التي يؤدى بها الأذان) ذلك أنه وفي كل الأحوال لا يمكن تأدية الأذان خلوًا من التلحين والتنغيم، حتى لو كان شيئًا يسيرًا نلمسه في طريقة الأداء ورفع الصوت به حسب إمكانات المؤذن في التوصيل بصوت مرتفع، وقد تحدث بعضهم عن أن الأذان في الحرم المكي الشريف والأذان في مدينة مكة يغلب عليه مقام الحجاز حيث الرصانة وقوة النغم، وذكر بعضهم أن مقام البيات بنغمته الشجية وسلطنته هو الذي يؤدى عليه الأذان في المدينةالمنورة، وذكروا أن الأتراك قد اختاروا لكل أذان صلاة مقامًا معينًا، فمثلا يكون أذان الفجر على مقام الصبا بنغمته الحزينة في حين يختار مقام حجاز لأذان الظهر وأذان العصر، أما أذان العشاء فيؤدى في تركيا على مقام الراست والبياتي، وهناك من يؤدي الأذان على مقام الكورد أو مقام النهاوند، وفي كل الأحوال يتحقق السير على ضوابط وأنظمة صوتية ونغمات مؤثرة بوقار يناسب الأذان ويميزه عما يكون للشعر وكلمات الغناء، مما يتناسب مع مضامينها، وهي أحوال قد لا يدركها إلا العارفون في حين يبقى أثرها على السامع حتى لو لم يخطر بباله أن ثمة علاقة بين الأذان ومقامات الموسيقى، أما الأصوات الخشنة والنشاز وغير الجاذبة فما أكثرها، ولقد تشابكت مع أصوات بعض الأعاجم من العمالة الوافدة، التي يوكل إليها الأذان في عدد من مساجدنا هذه الأيام.