يقول الدكتور أحمد العيسى في مقدمة كتابه المثير (إصلاح التعليم في السعودية.. بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية): "إن نظام التعليم في السعودية العربية السعودية يصلح لتخريج كَتَبة للمستوى الخامس في الوظيفة الحكومية، أما من شب على الطوق وأصبح من قادة المستقبل، من العلماء والأدباء والمفكرين.. ومن اللاعبين الكبار في ساحة التنافسية الدولية، فهم استثناء، وصلوا بطرق استثنائية، بجهد ذاتي، أو دعم اجتماعي، أو بتعليم حر في مكان ما من العالم، لكنهم – بالتأكيد - لم يكونوا ثمرة نظام تعليمي متخلف، لا يزال يجبر التلميذ الصغير على حمل حقيبة ثقيلة على ظهره كل صباح، ويعود بها بعد الظهر". عليك اليوم أن تطلب من خريج إحدى المدارس الثانوية، تحرير خطاب بسيط لطلب وظيفة (كاتب)، فضلاً عن أن يصبح موظفاً رسمياً بالمرتبة الخامسة في وظيفة حكومية، وهذا محال؛ ما يعني أن النظام التعليمي فشل حتى في تحقيقه المستوى الأدنى من المهارات والمعارف، الواجب توافرها في طالب أفنى اثني عشر عاماً من عمره في (مبنى) مدرسي، فكيف إذاً ننتظر من هذا النظام أن يؤهل عملاءه لعصر المعرفة والاقتصاد الحديث، وتطويع التقنية والتكنولوجيا، وقبل ذلك والأهم هو إبداء رأيه بصراحة، وإطلاق حريته الشخصية؟ لقد دعا العيسى صراحة في كتابه إلى إصلاح التعليم، وليس تطويره فقط، كما يحدث الآن من ترقيع، وقرارات مزدوجة، وتراجعات مستمرة.. وألمح إلى ضرورة تغيير فلسفة التربية المثالية الحالية إلى فلسفة براغماتية نفعية، لكن باعتقادي أن الأجدى هو صوغ فلسفة جديدة للتربية الإسلامية، تصطفي الأفكار التربوية لأبي حامد الغزالي وابن رجب وابن رشد، الذين قامت على أيديهم نهضتنا القديمة، وتطعيمها بتربويين معاصرين غربيين، مثل جون ديوي وباولو فريري. للصديق سالم الزبيدي رأيٌ جدير بالقراءة حول هذه الأزمة؛ إذ يرى أن تعليمنا في السابق كان أفضل منه الآن، ويدلل على ذلك بأن المفتشين التربويين في إدارات التعليم، كانوا قلّة، ومع ذلك فإن جهودهم فاعلة باتجاه الطالب والمدرسة، لكن حين توسعت الوزارة في استحداث العديد من الأقسام في إداراتها، وغصت بالمشرفين، أصبح كل قسم يدور حول نفسه، فضاع المحور الرئيسي في أعمال هامشية لا قيمة لها. بصراحة، أزمة التربية اليوم في (المعاني) وليس المباني، وفي (السياسات) وليس المناهج، وفي (القيادات) وليس الميزانيات، وأي تفكير خارج هذه الأقواس سيجعل وزارة التربية – كما أطلق عليها الكاتب عيسى الحليّان - وزارة تسيير أعمال، وستظل تدور حول نفسها كبعير المعصرة، وسيظل الشعب كلّه أيضاً يطالب بإصلاح النظام التعليمي دهوراً كثيرة.