خلف قرار الإتحاد البرازيلي لكرة القدم بإقالة مدرب المنتخب الأول مانيو مينيزيس من منصبه بعد ساعات فقط من تتويج بكاس السوبر أمام نظيره و غريمه الأرجنتيني خلف ردود أفعال واسعة محلياً و دولياً رغم أن القرار كان منتظر منذ خسارته لنهائي الألعاب الأولمبية لندن 2012 أمام المكسيك. ديدا ميلود - إيلاف : فمباشرة بعد صدور القرار بدا الوسط الرياضي بكل فئاته داخل و خارج البرازيل يتساءل عن هوية المدرب الجديد الذي ستوكل إليه مهمة الإبقاء على كأس العالم 2014 في البرازيل للمرة السادسة في تاريخها. و على عكس ما كان كانت تخلفه قرارات مماثلة في السابق تتعلق بمنصب المدير الفني الجديد للسيليساو حيث كان الجدال ينصب حول أسم خليفة المستقيل أو المقال و ليس حول جنسيته لأن جميع البرازيليين و معهم العالم بأسره متأكدين بأن المدرب سيكون برازيلياً ، و هو أمر اعتاد عليه المنتخب منذ حوالي قرن أي منذ 1914 عندما تولى سيلفيو لاقريكا المنصب و لغاية مانيو مينيزيس في 2010 عندما خلف كارلوس دونغا مرورا بأكثر من أربعين مدرباً أخر بعضهم تولى الأمر لأكثر من مرة . فالمنتخب البرازيلي يعد من المنتخبات العالمية القليلة التي لم يشرف على تدبير شؤونها الفنية تقني أجنبي بالنظر الى ثراء البلد بالكفاءات ، و في وقت سابق كان الإتحاد يجد صعوبة كبيرة في اختيار صاحب هذا المنصب لان قائمة المرشحين تكون طويلة بأسماء فنيين كلهم يتوفرون على المعايير المعتمدة. اليوم الأمر يختلف كثيراً عما سبق ، فللمرة الأولى في تاريخ المنتخب البرازيلي يتم ترشيح مدرب غير برازيلي لتولى إدارته التقنية و لقيادته لبطولة راسخة في وجدان أبناء السامبا ممثلا في الإسباني جوزيف غوارديولا مدرب نادي برشلونة و احد صانعي أمجاده ، و لم يكن ترشيحه عادياً بل من قبل صحف محلية مقربة من مسؤولي الاتحاد و رئيسه ، ترشيحات ذهبت إلى حد التأكيد بأن الأمور حسمت حتى قبل إقالة مينيزيس ، و سيباشر غوارديولا عمله بشكل رسمي في يناير المقبل ، و للمرة الأولى يتم تهميش أسماء المدربين المحليين و أفضلهم حظاً ووضعوا خلف الإسباني على غرار فليبي سكولاري الذي قاد السامبا لأخر انجازاتها العالمية عندما توج معه بمونديال 2002 بكوريا و اليابان ، و مع ذلك لم يشفع له لخلافة مينيزيس مباشرة . غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح لدى الوسط الرياضي الرسمي هو .. هل يقبل الشارع الرياضي غير الرسمي باختيار مدرب أجنبي و أوروبي بالذات لتدريب المنتخب الوطني البرازيلي ؟ الواقع أن الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بعواطف عشاق السيليساو من جهة و من جهة أخرى بالمعطيات و الظروف الفنية التي يمر بها المنتخب . فإذا أخذنا بعين الاعتبار الجانب المعنوي العاطفي فانه يستحيل على مدرب غير برازيلي حتى الترشح لتدريب السامبا فما بالك بشغل هذا المنصب ويرفضون حتى التفكير في هذا الأمر لأنه مساأة غير قابلة للمناقشة و الأمر فيها بث فيه بشكل مطلق منذ زمن المدربين الكبار فيسنتي فيولا و ايموري موريرا و جواو سالدانها صانعي أمجاد البرازيل في نهائيات كأس العالم و بعدهم تيلي سانتانا و ماريو زاغالو و كارلوس باريرا ، و الشارع البرازيلي يجد نفسه في حيرة من أمره فكيف لبلد يعتبر أكبر مصدر للاعبين نحو القارات الخمس و منها قارة أوروبا ، و الأندية و المنتخبات تتهافت على المدربين البرازيليين لا يستطيع إنجاب مدرب كفؤ لمنتخبه ، و يرى أيضا بأن المنتخب البرازيلي يجب أن يبقى الاستثناء الايجابي في كل شيء بما في ذلك وفائه لأبن البلد مهماً ، و برأي البرازيليين فان الاتحاد لو نقب جيداً لوجد بدل المدرب عشرات المدربين ممن يتمتعون بقدرات عالية تمكنهم من تكرار إنجازات الأسماء المذكورة سلفا لكنه يريد وضع الكرة البرازيلية تحت تصرف الأجانب تماماً مثلما وضعت بقية المجالات الاقتصادية تحت هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات. و من المنطلق العاطفي أيضا فإن الوسط الرياضي في البرازيل يعتقد بأن إسناد مهمة تدريب زملاء باتو للمدرب الإسباني ما هو في حقيقة الأمر سوى فتح الباب على مصراعيه أمام أجانب آخرون للإشراف عليه مستقبلاً ، وربما سيأتي اليوم الذي يرى فيه البرازيليون مدرباً من الغريم اللدود الأرجنتين يدرب السيليساو و هو اليوم الذي لا يتمنى أن يعيشه أي برازيلي بداية برئيسهم الحالي الذي قال مداعبا رجال الإعلام بأن سيمنع تتويج الأرجنتين بمونديال 2014 لكنها دعابة فيها الكثير من الجدية ، جدية تؤكد بأن البرازيليين يفضلون كلما ما هو برازيلي خالص ، بدليل أنهم لا يزالون يحنون لأيام سنتانا و خط الوسط السحري الذي كان يحوز عليه منتخب الثمانينات رغم انه لم ينل كأس العالم ، و كيف لعشاق السيليساو أن يتجرعوا هذا الأمر و هم لا يتجرعون حتى انتداب أنديتهم للاعبين أجانب إلا في حدود ضيقة. غير أن الظروف التي يمر بها المنتخب البرازيلي منذ إخفاقه في نهائيات مونديال 2010 تحت قيادة كارلوس دونغا و قبله في 2006 تحت إمرة باريرا رغم انه كان المرشح الأقوى للتتويج ، أصبحت تفرض على الإتحاد إعادة النظر في المعايير المعتمدة لاختيار خليفة منيزيس بغض النظر عن الجوانب العاطفية التي لا يمكن الرهان عليها لإحراز لقب 2014 الذي يمثل التحدي الأكبر ، و برأي العديد من المتابعين لهذا الموضوع فان الإتحاد البرازيلي و بعدما فشل في إيجاد مدرب برازيلي بمواصفات تقنية و تكتيكية أوروبية قادر على زرع ثقافته في اللاعبين تمكن أخيراً من إيجاد مدرب أوروبي بمواصفات برازيلية ممثلاً في غوارديولا الذي يمتلك جميع صفات و مميزات الكرة البرازيلية و هو ما انعكس على طريقة لعب ناي برشلونة على مدار الأربع سنوات التي قضاها معه حيث اللعب السهل الممتنع الذي ظل السيليساو يمتاز به و به سحر الجميع بما فيهم الأوروبيين. و يؤكدون مراقبون بأن غورديولا ربما هو المدرب الوحيد الذي بإمكانه تلبية رغبة عشاق السامبا في نهائيات كأس العالم المقبلة و تحت أنظارهم أي تقديم أداء فني راقي تصحبه نتائج ايجابية لأنه مدرب من الطراز الرفيع و أي منتخب أو ناد في العالم يتمناه و المشكلة ليس في كونه أجنبي أو محلي بقدر ما هو في مدى قبوله بالعرض . أما بخصوص استحالة تجرعهم لإختيار أجنبي على رأس منتخب بلادهم فيرون بأن الأمر يمكن تجاوزه مع مرور الوقت تماماً مثلما حدث في العام 2001 مع المنتخب الإنكليزي عندما تعاقد مع السويدي زفن غوران اريكسون رغم غنى بلاد مخترعي الكرة بالكفاءات و بعدها الإيطالي فابيو كابيلو ، أو منتخب روسيا مع الهولندي ديك ادفوكات و بعده كابيلو. وبالتأكيد فأن فتح نقاش عبر وسائل الإعلام المحلية كفيل بتسهيل المهمة على الإتحاد الذي فضل تأجيل الإعلان عن خليفة منيزيس لغاية كانون الثاني و ربما يدخل هذا التأجيل في إطار إعطاء فرصة للبرازيليين لقبول الفكرة و استيعابها . و يراهن المؤيدون للمدرب الأجنبي على النجوم القدامى على غرار روماريو و رونالدو لانصاع الجماهير بحتمية هذا الاختيار. و مما يزيد من قناعة أصحاب هذا الطرح هو أن المنتخب البرازيلي أصلاً أصبح يتشكل في معظمه من لاعبين أوربيين قلباً و قالباً و لا يحملون من البرازيل سوى الاسم ، و بالتالي فان إسناد مهمة الإشراف عليهم لمدرب أجنبي هو مجرد تحصيل حاصل ليس إلا.