ليس كل الطلبة الأمريكان عباقرة ومبدعين، ولا كل الإنجليز ولا حتى اليابانيين. وبالمقارنة بالعالم العربي، فإن هناك إجماعاً على أن البيئة التعليمية التي يعيش فيها مواطنو تلك الدول، ومنذ مرحلة ما قبل الابتدائية، تشجع وتنمي الشخصية والمهارات الفردية والإبداعية. نعم، المخترعون والفلاسفة والمبدعون أكثرهم من الدول الغربية، لكن هذا لا يعني أن كل من التحق بالتعليم الجامعي منهم يتخرج وقد حصل على براءة اختراع أو حاز أمراً لا يستطيعه العربي! بل إن من الطلبة الأجانب نسبة كبيرة تتفوق على أبناء تلك البلدان، ويحصدون أعلى الدرجات التي قد لا يستطيعها حتى مواطنو تلك الدول. تبتعث وزارة التعليم العالي، من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين، كل عام ما يقارب عشرة آلاف مبتعث ومبتعثة لدول مختلفة. هؤلاء المبتعثون هم كغيرهم من الشباب، منهم من لديه من القدرة والإبداع والتميز ما يستطيع أن ينافس به الآخرين، وفي المقابل منهم من لا يمتلك الإمكانيات والمهارات ولا الظروف التي تساعده على أن يكمل حتى الدراسة الجامعية، أو تجاوز تحدياتها. لكن النسبة الغالبة هم من الفئة التي بين تلك الفئتين؛ إذ إنهم يدرسون ويبذلون وينجحون بمعدلات ليست بالضعيفة، وليست بالمتميزة جداً، وهذا أمر طبيعي في كل البلدان. البعض يأمل بأن يعود جميع المبتعثين وقد حصلوا على براءات اختراع، أو حصدوا أعلى الدرجات، وهذه أمنية من المستحيل تحقيقها. البعض الآخر يوصم جميع المبتعثين بالفاشلين، وأنهم من أصحاب المعدلات المنخفضة، وهذا تجنٍّ لا يقبله مُنصف. الاختراعات والتميز الذي حازته الدول المتقدمة كان من خلال عدد محدود من أبناء تلك البلدان؛ ولذلك فإن تميز عدد بسيط من المبتعثين وحصولهم على براءات اختراع أو تفوق في مجال دراساتهم أمرٌ يحق لنا أن نفخر به، وندعمه، ونركز عليه، لا أن ننظر للطرف الآخر، ونبدأ في كيل التهم لجميع المبتعثين، ونكون نحن وظروف الغربة وتحديات الدراسة عليهم، فنأخذ المحسن بجريرة المسيء. كما أنه ليس من العدل استنقاص برنامج الابتعاث كاملاً، وكأن لا فائدة منه البتة، فقط لأن فئة بسيطة ممن ابتُعثوا لم يحققوا الهدف من الابتعاث. لو حصدنا من برنامج الابتعاث مئة مخترع ومتميز "فقط " كل عام فإننا - بإذن الله - على مشارف مستقبل مبهر.