لا وفروا خدمات ولا حرروا صنعاء:    احتجاز عشرات الشاحنات في منفذ مستحدث جنوب غربي اليمن وفرض جبايات خيالية    رشاد كلفوت العليمي: أزمة أخلاق وكهرباء في عدن    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    قيادي انتقالي: الشعب الجنوبي يعيش واحدة من أسوأ مراحل تاريخه    وكالة أنباء عالمية تلتقط موجة الغضب الشعبي في عدن    عدن تشهد اضراب شامل وقطع للطرقات احتجاجًا على تردي خدمة الكهرباء    بناء مستشفى عالمي حديث في معاشيق خاص بالشرعية اليمنية    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    دموع ''صنعاء القديمة''    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    مارب.. الخدمة المدنية تدعو الراغبين في التوظيف للحضور إلى مكتبها .. وهذه الوثائق المطلوبة    أرتيتا لتوتنهام: الدوري الإنجليزي يتسم بالنزاهة    صحيفة لندنية تكشف عن حيلة حوثية للسطو على أموال المودعين وتصيب البنوك اليمنية في مقتل .. والحوثيون يوافقون على نقل البنوك إلى عدن بشرط واحد    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    تعيين الفريق محمود الصبيحي مستشارا لرئيس مجلس القيادة لشؤون الدفاع والامن    صورة حزينة .. شاهد الناجية الوحيدة من بنات الغرباني تودع أخواتها الأربع اللواتي غرقن بأحد السدود في إب    النفط يواصل التراجع وسط مؤشرات على ضعف الطلب    الحوثيون يبدؤون بمحاكمة العراسي بعد فتحه لملف إدخال المبيدات الإسرائيلية لليمن (وثيقة)    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    شاهد.. الملاكمة السعودية "هتان السيف" تزور منافستها المصرية ندى فهيم وتهديها باقة ورد    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    باريس يسقط في وداعية مبابي    دموع "صنعاء القديمة"    فساد قضائي حوثي يهدد تعز وصراع مسلح يلوح في الأفق!    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    منصات التواصل الاجتماعي تشتعل غضباً بعد اغتيال "باتيس"    هل تُصبح الحوالات الخارجية "مكسبًا" للحوثيين على حساب المواطنين؟ قرار جديد يُثير الجدل!    للتاريخ.. أسماء الدول التي امتنعت عن التصويت على انضمام فلسطين للأمم المتحدة    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    الأمم المتحدة تعلن فرار مئات الآلاف من رفح بعد أوامر إسرائيل بالتهجير    "أطباء بلا حدود" تنقل خدماتها الطبية للأمهات والأطفال إلى مستشفى المخا العام بتعز مميز    بمشاركة «كاك بنك» انطلاق الملتقى الأول للموارد البشرية والتدريب في العاصمة عدن    عدن.. ارتفاع ساعات انطفاء الكهرباء جراء نفاد الوقود    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    مصرع وإصابة 20 مسلحا حوثيا بكمين مسلح شرقي تعز    لو كان معه رجال!    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    بسمة ربانية تغادرنا    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح أسلوبية وموضوعية في ديوان "طقوس المرة الأولى" بقلم:فراس حج محمد
نشر في الجنوب ميديا يوم 25 - 12 - 2013

ملامح أسلوبية وموضوعية في ديوان "طقوس المرة الأولى"
فراس حج محمد/ فلسطين
يعدّ شعر المعتقلات ابنا شرعيا لشعر المقاومة في كل بلد ابتلي بالاحتلال والهيمنة، وفُرِض على أهله مقاومة المحتلين، بل إن هذا الشعر نبت أصيل من منابت الحرية في كل فكر يتوق أن يعانق شمس الحرية، ضمن هذه المعادلة الإنسانية المرهفة في إنسانيتها يبرز شعر الأسير "باسم خندقجي"* طقوس المرة الأولى، الصادر عام 2009 بطبعة أنيقة عن منشورات الاختلاف في الجزائر ودار العربية للعلوم ناشرون، ويقع الديوان في (156) صفحة من القطع المتوسط، يضم واحدة وثلاثين قصيدة، موزعة على أربعة منثورات.
يتصدر الديوان كلمة لرئيس دولة فلسطين محمود عباس في تحيته للأسير باسم وتأكيده بأن قضية الأسرى "هي قضيتنا الأولى وستظل كما كانت دوما في صلب اهتمامتنا وعلى رأس سلم أولوياتنا"، ومن ثّمَّ تقديم للإعلامي المشهور زاهي وهبي معترفا بتميز هذا الشعر الذي نجا من براثن المباشرة والخطابية، فتقرأ له قوله: "ويتقدم كشعر خالص نقّاه صاحبه من الخطابية والمباشرة والكليشيهات المألوفة في مثل هذه الحالات"/ ص9، لتجد صدى ما قاله وهبي صحيحا، فكأنك لا تقرأ لأسير يعاني من قبضة السجان، فالمفردات والجمل والتراكيب لها مزاج شعري خاص منفتح على كل ما هو إنساني مبتعدا عن التعلق الفظّ بقضية السجن واستدرار عطف القارئ!!
يختار الشاعر للديوان اسم القصيدة الأولى من المنثور الأولى الذي جاء بعنوان: "أزمة أرضية في جسد السماء"، ويضم هذا المنثور سبع قصائد أخرى، وتتوزع القصائد الأخرى على بقية المنثورات، وأما المنثور الثاني "في ظلال شجرة تمرد"، والثالث "محاولة للتعرف على إما و أو" والخامس وهو المنثور الأخير "من بقايا الأرجوحة والحياة"، فيضم كل منها ست قصائد ويشتمل المنثور الرابع "دروس في رسم، الآن" على خمس قصائد، ليحافظ الديوان بشكله وطبعته ومحتواه على نوع من التآلف في الشكل والمضمون.
يسيطر على الديوان بشكل عام سمات أسلوبية تطبع القصائد بطابعها لتعطيها دلالة مهمة، فقد اعتمدت القصائد في صياغتها على الأسلوب الهادئ الرزين غير المباشر المغلف بالغموض أحيانا في طرح المضامين الشعرية، متوسلا من أجل ذلك ضمير المخاطب في أحايين كثيرة، مع استحضار تقنية السرد بتوظيف الأفعال المستقبلية المبتعدة عن الدوران في أفق الماضي، فالشاعر ليس ماضويا متحسرا عن مجد تليد "عدّى وفات"، بل أنه متطلع بشوق لمعانقة أفق آخر للحرية بأنوار شمس هي بالتأكيد عنوان أمل قادم يطمح له كل إنسان فضلا عن كونه أسيرا على خلفية سياسية أو عسكرية تكسبه قناعة خاصة، وربما فخرا يتيه فيه مجدا، وربما كانت قصيدة "المهد والتمرد" واضحة في الدلالة على ذلك، الذي يبدؤها ساردا ومخاطبا الريح كي تروض عنفوانها، ليصل به النص الشعري إلى قوله:
أُشغل نيران التدفق الثائر
من لهب ذاتية الظلام العملاق
الذي يحاصر أجواء مصيره
انفجارا على مدى نور النقاء
وأصافح تمردي.. /ص31
ما على القارئ سوى أن يتأمل هذه اللوحة الشعرية المرسومة بكلمات ثائر ووجع إنسان، ليشعر كم كانت قوية ومتحدية حتى الظلام نفسه!
وعلى الرغم من هذه القوة إلا أن قصائد الديوان لم تخلُ من نزعة حزن شجي ناعم غير عنيف، من خلال موسيقى داخلية لألفاظ الغربة والشوق والحب والعناق، بلغة معجونة "بصلصال السماء" وصلصال الشعر الحيّ، ليظل محافظا على تلك المسافة الواعية بين الشعري واللاشعري، ولذلك تجد المعنى شفافا تحاول أن تلمسه، فتظن نفسك أنك قد اقتربت واستطعت أن تدخل عوالم المعنى، فإذا به يفرّ من جديد، فيربك فصاحتك ونشوتك العابرة لأفق النص، فينقلك بسلاسة عصيّة على التفسير نحو أفق آخر، لتتآلف الآفاق عبر فضاء لغوي وشعري سلس، فبعد أن قال: "ألم يحيط بكلمتي... كلمتك"/ ص49، يقول:
عانقيني ... عانقيني
وافتحي باب الاندثار
يا ثمرة الابتعاد عن وطأة الثبات
وشرف النار... /ص50
فبعد أن "يستحم بعرق الورد" لا بد له من أن يلبس ثوب الأرض ليعلن الثورة ضد سكون المصير، فيكون العناق وصالا طبيعيا لطقس ما، فيحوز شرف النار، وشرف الابتعاد عن وطأة ثباته، هذا الثبات الذي هو قرين الموت، لا صنو السكون فقط.
وفي قصيدة "لملمة طفل من أجل العيد" يتوقف الشاعر عند ذلك الحدث الطفولي، إذ تتعلق فيه طائرة الطفل الورقية بأغصان الزيتون، ولكن الشاعر سرعان ما يترك هذا الحدث البسيط، ليسرح مع مخيلته نحو أفق آخر مختلف في الظاهر لكنه متصل بوشائج النفس الباحثة عن المختلف والمؤتلف في لحظة الشعر، فيتحدث عن دخول الطفل عوالم الكتابة وأخطار المقاومة، فيقول عن كلماته:
هي...
وطن
يقول لي:
"أنا أنثاك
روحك أنا
بي الأفق يمتد إلى اللامنتهي"/ ص66
وبالتقنية الشعرية ذاتها يتحدث في قصيدة "خدوش المجهول" عن الأرجوحة المنصوبة بغصن زيتونة، فيرتفع بتلك الأرجوحة عاليا ليصل إلى خلف الغيمة الأخيرة، فيخاطب نفسه قائلا:
وتمارس هوايتك الوحيدة..
تلقين الأقحوان حروف وطنك/ ص140
وتتميز الجملة الشعرية في ديوان "طقوس المرة الأولى" باكتنازها المعرفي، إذ تتحول الثقافة بمفهومها الإنساني الشامل إلى عجينة معرفية ولغوية يحسن تشكيلها في جسد القصيدة الناضر، فترى النصوص الدينية وقد تجاورت مع نصوص أدبية، وتعانقت وتعالقت مع نصوص الأدب العربي قديمه وحديثه، والأدب الغربي كذلك، فكما يتجلى محمود درويش تبزغ صوفية الحلاج، فتتناغم مع موسيقى سمفونية تتأتلق في غوايتها مع روميو وآيات من القرآن والإنجيل، ليصنع بذلك لغة هي شعر باسم خندقجي ليس إلا معلنا عن ولادة شعرية فريدة مفتوحة على أفق ثقافي إنساني غير محدد في زمان أو مكان!
هذه بعض ملامح من ديوان الشاعر "باسم خندقجي" بعيدا عن صفة الأسير، إلا أنه تجاوز الأسر بالشعر فكان كما قرر زاهي وهبي "يستطيع قارئ باسم الخندقجي القول إن الشاعر هزم السجان، والشعر هزم الشعار الآني"
وبعد،،
هل كان باسم يكتب في طقوسه لحبيبة من لحم ودم وهو يخاطب المؤنث المفرد؟ وهل يجب عليّ أسوة بقراءة النقد المتعارف عليها فلسطينيا وربما عربيا أن أرى فلسطين بكل أنثى يخاطبها الشاعر الفلسطيني، فتتطابق الصورتان؟ نعم لقد كتب باسم عن فلسطين، ولكن ألم يكتب عن الأنثى المجردة من وَهْمِ وهَمِّ الوطن؟ فماذا على الشاعر المقاوم النبيل لو التفت لشؤون قلبه في إنسانيته ورهافته؟ أليس الشاعر كتلة متحركة من مشاعر متحفزة؟ أليست تلك المشاعر هي التي جعلته مقاوما فأسيرا أو شهيدا خالدا، وماذا عليه لو جمع مع كل تلك الصفات صفة العاشق، فهل سيضيره ذلك، وليس بعيدا عن ذلك أن تكون كل الصفات في الشاعر باسم الخندقجي في "طقوس المرة الأولى".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.