ابتكر الطب جهازا الكترونيا يزرع في أسفل الرأس من شانه معالجة الصداع النصفي أو ما يعرف بداء الشقيقة. يشكي أكثر من 10 في المائة من سكان العالم "حسب الاحصائيات العالمية" من وجع الرأس النصفي او ما يسمى بالشقيقة. ويعتبره بعض الأطباء مرضا مع انه لا يكون نتيجة إصابة عضو معين في الجسم بخلل في وظيفته، الا انه يحول حياة المصاب به الى جحيم لا يطاق. حتى ان البعض لا يعد يتحمل ضوء النهار عندما يصاب بالشقيقة فيتوقف عن العمل ويصبح كتلة من العصب المتوتر، ويصيب النساء ثلاثة مرات أكثر من الرجال. ويقول أطباء بان الشقيقة تكون ناتجة عن تضيق في الأوعية الدموية الموجود في فروة الرأس وهذا بدوره يضغط على النهايات العصبية المحيطة بالأوعية الدموية فيتسبب في الآلام القوية. ومع ان الطب عجز حتى الآن عن شفاء المريض كليا من الصداع النصفي ويجب عليه تناول المهدئات التي يزيد عيارها مع الوقت، أجرى الدكتور منذر صباريني المتخصص بالجراحة العصبية والانزلاقات في العامود الفقري في مستشفى ابن سيناء ببرلين عملية زرع جهاز تكللت بالنجاح خففت كثيرا من آلام المريض ومكنته من العودة الى عمله وحياته العادية. وكان ل "إيلاف" لقاءً مع الدكتور صباريني تحدث فيه عن مرض الشقيقة والعلاج الذي اتبعه وهذا مضمونه. كيف تفسرون مرض الشقيقة وما هي مسبباته؟ يعاني حوالي خمسة في المائة من سكان المانيا من آلام الرأس بشكل مستمر وهذه الآلام لها أشكال مختلفة بما فيها الشقيقة. فهناك آلام الصداع وآلام أسفل الرقبة وآلام الرأس التي تأتي نتيجة مرض آخر كالالتهاب او ورم في الدماغ او كسر او لمشاكل في العامود الفقري، لكن توجد حالات لآلام الرأس لا علاقة لها بكل هذه المسببات. بالطبع عند وجود ورم او التهاب يخضع المريض للعلاج او تتم إزالة الغضروف المسبب للآلام، اما الشقيقة التي قد يكون سببها اضطرابات نفسية واحيانا بسبب نوعية الحياة، فعلاجها صعب بالعقاقير. وهناك تحليلات تقول ان الأوعية الدموية تصاب بانكماش بسيط في الغشاء الدماغي وبالنتيجة فان هذا الانكماش او تغييرات في ضغط الدم، ارتفاعه او انخفاضه، يمكن ان يسبب هذه الآلام. ويمكن تسمية الحالة "الشقيقة " عندما ترافق الآلام أعراض مثل التقئ وإصابة العينين بالغباش وعندما تاتي الحالة مرة في الشهر او كل يومين، هنا نجري للمريض تحاليل طبية معينة مثل الرنان المغناطيسي للرأس والرقبة. وبعد التأكيد من الاصابة بالشقيقة يتم تحديد العلاج، ويكون عادة أدوية خفيفة، واذا لم يهدأ الوجع نعطيه أدوية قوية مثل الفالورون وغيره مع تمارين رياضية معينة وعلاجات طبيعية وعلاجات بالابر الصينية. بعض المرضى يطرأ على وضعهم تحسن، لكن قسم منهم تزيد معاناته من الآلام المبرحة، لذا يأتي العلاج الجراحي وهذا ما اجريته لمريض عانى سنوات من الشقيقة. هل لجأ الطب الى العلاج الجراحي بعد ان فشل العلاج بالادوية؟ في الحقيقة هناك مرحلة معينة في المرض لا تساعد فيها الأدوية او ان يصبح لها تأثيرات جانبية لانها تكون قوية جدا، وعلاج الآلام بشكل عام عن طريق التحفيز العصبي او ما يسمى نويو ستيموليشن نستخدمه منذ سنوات في حالات ليس لها حل آخر، كالآلام التي تصيب مريضا اجريت له خمس او ست عمليات انزلاق غضروفي في الظهر ولم تتحسن أوضاعه، وبدلا من ان يعيش على الأدوية القوية نزرع له هذا الجهاز. والخبرة التي اكتسبناها من خلال زرع الكثير من هذه الاجهزة لمعالجة ىلام اخرى دفعتني لتجربتها على المصابين بالشقيقة، وفي الحقيقة تمت التجربة بنجاح مع نتائج جيدة. هل لكم ان تحدثونا عن عملية زرع الجهاز؟ العملية تكون على مرحلتين: في المرحلة الاولى يتم عبر فتحة صغيرة جدا ادخال سلك الكتروني اسمه الكترود في اسفل الرأس، اي في أعلى منطقة في الرقبة حيث يوجد عصب يقوم بتوصيل الألم الى الرأس. وتوصيل آلالام الى الرأس هي عبارة عن وصلات كهربائية، وما نقوم به هنا هو تغير تأثير هذه الوصلات الكهربائية الموجود في العصب عن طريق وخزات كهربائية نعطيها عبر هذا السلك الالكتروني. ما يعني ان هذا التيار الكهربائي يغير طبيعة الألم الناتج عن الشقيقة وبالتالي يصل الألم الى الدماغ لينقل بعد ذلك كألم بسيط وليس كألم قوي. بعدها نترك الجهاز في أسفل رقبة المريض لمدة أسبوع او اسبوعين كي نجرب كيفية تعامل جسم المريض معه مع ابقاء المريض تحت المراقبة، فاذا طرأ تحسن كبير في وضعه بعد اسبوعين وانخفض الالم بشكل ملحوظ ، اي انه كان 80 في المائة واصبح الان 20 في المائة ولم يعد المريض يتناول أدوية كثيرة لتهدئة الآلام وانما عقاقير بسيطة وينام أفضل، عندها نتأكد من نجاح اول خطوة فننتقل الى المرحلة الثانية وهي زرع الجهاز الرئيسي تحت الجلد، وهو مثل البيس ميكر للقلب وحجمه اقل من 2 X 5 سنتم. وهذا الجهاز يرسل اشارات كهربائية عن طريق الالكترود الى الدماغ ليغير نوع الالم الذي يصل الى العصب في الدماغ. وتتم عملية الزرع تحت التخدير الموضعي، اي ان المريض يبقى بوعيه، بعدها نحدث فتحة صغير في اسفل الرأس او في المنطقة العلوية للرقبة، وتحت الجلد ندخل الشريط الالكتروني ونربطه بالجهاز الرئيسي الذي نزرعه ايضا تحت الجلد وفي المكان الذي يناسب المريض، ان فوق الكتف ليكون قريبا من الشريط او عند البطن او في الظهر. وبواسطة جهاز موجه سهل الاستعمال شبيه بالهاتف المحمول يتم التحكم بعمل الجهاز الرئيسي. فعندما يحدث الم يضغط المريض على زر لكي يبدء التيار الكهربائي عمله والسيطرة عن قوته. وفي الفترة الاولى نراقب حالة المريض مع وضع برنامج نغيير او نضبط من خلاله تحفيز العصب عن طريق الشريط الالكتروني الى ان يشعر المريض بتحسن ويعتاد عليه. وحسنات الجهاز انه يسهل حياة المريض الذي يمكنه ان يستحم ويمارس اي نوع من الرياضة او القيام بانشطة عادية دون عوائق، وهو كما سبق وقلت مثل البيس ميكر للقلب. اي عصب تختار في الرقبة من اجل وضع السلك الالكتروني؟ هناك عصب اسمه nervus occipitalis major اي العصب القذالي الرئيسي ويوجد في اسفل الرأس مع انتشاره حول العينين ومروره احيانا فوق الاذنين وكل المنطقة تتغذى من هذا العصب، ولذلك فاننا نضع السلك اللالكتروني تحت الجلد فوق هذا العصب. العملية التي اجريتها اخر مرة هل كانت لرجل أم إمراة؟ كانت لرجل عمره 56 سنة وكان يعاني لمدة 15 سنة في الام الشقيقة وتمت معالجته بعدة طرق دون نجاح واجريت له عمليات جراحية صغيرة على العصب لكنها لم تنفع وزاد من تناوله الادوية المهدئة القوية جدا. وكثرة الالام افقدته عمله وعندما اتي الي عرضت عليه فكرة العلاج الجراحي باللاكترود فوافق وبعد ايام اجريت العملية له واليوم هو اسعد انسان كما يقول لانه لم يعد مضطرا الى تناول المهدئات القوية حتى انه يقول انه لا يشعر بالم الشقيقة . هل تجرى هذه العملية لاول مرة في المانيا؟ انها الاولى في المانيا واوروبا حتى اليوم، لكن لا اعرف اذا كانت الاولى في العالم. وما اعرفه ان اطباء في الولاياتالمتحدة الاميركية قاموا بتجارب عليها. وبعد نجاحها بدأ اطباء يرسلون الي مرضى يشكون من الشقيقة كي اجري لهم نفس العملية، مع ذلك اقول ليس كل مريض يمكنه ان يستفيد منها فالاختيار دقيق جدا من اجل الحصول على نتائج جيدة. أي المرضى يمكن إخضاعهم اذا لهذا العملية؟ يجب ان يعاني المريض من الالام المبرحة في طرفين الراس او في طرف واحد وان تكون الالام مدتها عشرة ايام على الاقل في الشهر، ويجب ان يكون قد جرب الكثير من الأدوية وخضع لعلاجات طبيعية ولم تنجح. ولحسن الحظ فان هذه الطريقة يمكن ان يسبقها اختبار لتحديد امكانية الفائدة او عدم الفائدة منها بترك المريض مع اللالكترود لمدة معينة. واذا ما اعطت نتائج ايجابية نزرع بعدها الجهاز. والمصابون بالسكري او امراض القلب او ضغط الدم المرتفع فلا خوف من زرع هذا الجهاز لهم. كم هي مدة عمل هذا الجهاز؟ هناك اجهزة مختلفة يمكنها ان تعمل لخمس سنوات او لسبع سنوات او ل 25 سنة، فهذا حسب نوع الجهاز وتختلف ايضا تكاليف زرعه كلما كانت مدة استعماله اطول. لكن المريض يعوض ثمن الجهاز حتى ولو كان عاليا اذا ما حسب المبالغ التي دفعها ثمن الادوية والعلاجات والالام التي عاني منها. هل يؤثر العمر على العملية؟ على الرغم من وجود اولاد صغار يشكون من الشقيقة لكنني شخصيا افضل ان لا اجري هذ العملية لمن دون ال25 سنة. متى يمكنك ان تقول ان عملية زرع الجهاز نجحت مائة في المائة ؟ بالدرجة الاولى بناء على شدة الوجع، فاذا وصل شعور المريض بالالم بعد العلمية الى 20 او 30 في المائة فهذا يعني نتيجة جيدة والنقطة الثانية هل خفف المريض كمية الادوية التي يتناولها من اجل الالام. فالمريض الذي أجريت له العملية كان ياخذ مورفين عيارات عالية واليوم يتناول أدوية خفيفة. بالاضافة الى ذلك نراقب تصرفات كل مريض زرع له الجهاز، مثلا هل يقوم بواجباته بشكل عادي وطبيعي عندها نقرر اذا ما نجحت العملية ام لم تنجح.