صراع الخميس والجمعة بين القصر والميدانفي إعادة لمشهد الخميس وجُمع الانتظار بين مبارك والميدان، أطل الرئيس المصري محمد مرسي يوم الخميس في حوار مع التليفزيون الرسمي، ليقول إنه لن يتراجع عن الإعلان الذي يركز كل السلطات في يده ويمنح لجنة الدستور المعيبة ومجلس الشورى حصانة لا يستحقانها، وفي الصباح كانت 'جمعة الشهيد' هي رد الميادين على هذا العناد. المواجهة ذاتها بين الميدان والقصر، مع اختلافات في التفاصيل التي ستحدد نتيجة هذا الصراع. في القصر: هناك رجل يستخدم خطابًا إنشائيًا مليئًا بعبارات الود رافضًا لأي تنازل، مع وجود انطباع بأنه لا يتكلم بلسان نفسه. وفي الاختلافات كان مبارك مترنحًا بأقل صوره هندامًا في نهاية مسيرة طويلة، بينما بدا مرسي في أثمن بدلة ارتداها في حياته، يتحدث بثقة وبسرعة إلقاء لم يعهدها المشاهد من قبل مع ميل أقل لفكه عند الكلام. لا بد أنه تدرب على هذه الصورة وهذا الصوت اللذين يوحيان بأن هذا الرجل العنيد مقتنع بأن مشواره يبدأ الآن. في الميادين: القوى التي قامت بالثورة، قوى الشباب الليبرالي والاشتراكي مع نخبة من السياسيين زادت أهميتهم الرمزية خلال عامي الصراع مع المجلس العسكري وتجربة الانتخابات الرئاسية، وخارج الميدان هناك القضاة وأعداد أخرى من المصريين الصامتين الذين لم يروا اختلافًا بين الإخوان والحزب الوطني. وأهم ما يميز الميدان الآن أنه أصبح أكثر تدريبًا ولديه خطوات واضحة للتصعيد، بعكس ما كان عليه الحال عشية الثورة، عندما تصاعدت المطالب تلقائيًا من الإصلاح إلى رحيل النظام. مخصوم من المشهد حاليًا قوة الجيش، وقد بدأ انحيازه لعزل مبارك بعد أن تأكد من قوة الاحتجاجات، لكنه لم يحدد موقفه من الصراع الحالي. مخصوم كذلك ثلاثة أرباع قوة الشرطة التي لم تستعد لياقتها بعد، وأما القوى الدينية التي انضمت للثورة متأخرة فهي الآن خصم الميدان، وليست مخصومة منه فحسب. وبين الطرفين هناك بقايا نظام مبارك وأمريكا. وسيلتان للتنابذ الإعلامي. الإخوان الذين يقدرون بعشرين بالمئة من قوة التصويت وصلوا إلى الحكم بترتيبات واضحة مع عسكر مبارك وفي أحدث وزاراتهم عشرة من بقايا حكمه، ومع ذلك يعتبرون أن ظهور شخصيات مماثلة بين القوى المدنية مطعنًا، رغم أن المحتجين لا يستطيعون منع غيرهم من الاحتجاج بينما اختارهم الإخوان للشراكة في الحكم!الجدل عبثي، لكنه لا يؤثر كثيرًا في موازين القوة. اليد الأمريكية في الربيع المصري مثلها مثل أتباع مبارك مجال للتجاذب والاتهامات المتبادلة، ومثلما اتهم مبارك الثوار في البداية بالتبعية لأمريكا التي تطعمهم من مطعم كنتاكي القائم بالميدان يشيرالحكام الجدد إلى المطعم ذاته، بينما كان مبارك هو التابع، وبينما تكشف الترتيبات التي أعقبت الثورة تبعية الحكام الجدد. التفاهمات واللقاءات معلنة، تم إسباغ الشرعية على جماعة الإخوان التي أسست حزبًا دون أن تنحل فيه، بل احتفظت بالكيانين معًا، وتم ترتيب المرحلة الانتقالية على عكس المنطق وصولاً إلى ترسيمة الانتخابات التي أتت بمرسي، والآن يتم دعمه بالقروض ومحاولة منحه كاريزما غير موجودة من خلال أدوار إقليمية رمزية، مثل دوره في أزمة غزة التي لم تتجاوز دور مبارك باستثناء زيارة رئيس الوزراء المصري وبعض العداء في خطاب إنشائي ضد إسرائيل، وهذه مساحة مسموح بها لتمويه كل التحالفات الخطرة وغير المنطقية. من الواضح تمامًا أن الأمريكيين أرادوا توريط المنطقة في قوة غير ديمقراطية جديدة تعيش العمر الذي عاشته الديكتاتورية العسكرية، وبنوا انحيازهم على معطيات الصورة القديمة للمجتمعات العربية. ومن الواضح أنهم مستريحون حتى الآن إلى وهمهم المستند إلى جهل كسول ومتكبر، بينما يعطي المشهد على ما فيه من ألم الشواهد على أن القوى العربية الجديدة المؤمنة بحرية الإنسان ستسترد ربيعها بأسرع مما يتصور القدامى وحليفهم الأمريكي. في جمعة 'حلم الشهيد' أمس مطلب القوى الديمقراطية حاسم وواضح: تراجع الرئيس عن إجراءات الاستحواز من الإعلان الدستوري إلى التسريع المريب في إعداد الدستور، والخطوة التالية في حالة عدم الاستجابة هي العصيان المدني، وبعد ذلك سيكون المطلب عزل الرئيس. المطروح في الجهة الأخرى هو ذاته خطاب مبارك الأبوي مغلفًا بصبغة دينية عن الراعي والرعية وحديث عن الأهل والعشيرة لا تعرفه مصر منذ القرن التاسع عشر، وهناك التلويح بحشود الجماعة. وهذه مخاطرة تنذر بسفك دماء جديدة وتهدد مستقبل البلاد بضرر بالغ، لكنها في المقابل ستجهز سريعًا على مستقبل الإسلام السياسي. ويبدو أن الإعلان المتكرر عن مظاهرات إخوانية وإلغائها يرجع إلى حسابات منها قياس حجم الجماعة بحجم حركة الاحتجاج، فالهزيمة مثل الحصانة التي أسبغها الرئيس على نفسه ستسري بأثر رجعي وستثبت أن وجود هذه القوى غير المؤمنة بالديمقراطية لم يكن ضروريًا في الثورة من الأساس. وإذا تراجع الرئيس وجماعته عن القرارات سيوفرون فرصة لتحول طبيعي في مصر، وفي الوقت نفسه سيمدون في عمر جماعتهم، سواء جاء التعقل من الجماعة نفسها أو من الراعي الأمريكي الذي فبرك هذا المشهد البائس لمصر وغيرها من بلاد الربيع العربي.