GMT 0:04 2013 الثلائاء 26 نوفمبر GMT 1:44 2013 الثلائاء 26 نوفمبر :آخر تحديث عبد الوهاب بدرخان سواء استهدف الارهاب أفراداً أبرياء، أو مسؤولين سياسيين، أو مؤسسات أو سفارات، وسواء حقق مصلحةً لجهة وخسارةً لجهة مقابلة، أو حرّك قضيةً ما وحتى لو ساهم في لفت الأنظار الى انتهاك أو ظلم، يبقى الارهاب عملاً مرفوضاً ولا يقرّه دين ولا عقيدة مهما حاولت الاجتهادات تبريره. يصحّ ذلك على استهداف السفارة الايرانية في بيروت، كما يصحّ على التفجيرات في طرابلس وضاحية بيروت، وعلى هجمات شبه يومية في العراقواليمن وسيناء المصرية أو على اعتداءات في القاهرةوطرابلس الغرب، كما في باكستان وكينيا ومالي. والأسوأ ارهاب الدولة كما تمارسه اسرائيل لإدامة احتلالها أرض فلسطين، وكما برهنه النظام السوري قبل الانتفاضة الشعبية ضدّه وفي بداياتها دافعاً مناوئيه الى التعسكر والمواجهة الى قتال يدمّر المدن والبلدات ويمزّق المجتمع. الإرهاب قديم قدم البشرية، لكنه انحسر في المجتمعات التي تصالحت مكوّناتها وتوافقت على حكم يوجهه دستور وقوانين. لم يولد الارهاب مع تنظيم "القاعدة"، وإنْ أصبح هذا الأخير رمزه الراهن الذي لا يزال يستقطب شباناً من مختلف الأصقاع، وهؤلاء لا يُقبلون عليه بدوافع دينية وإيمانية، وإنما يدفعهم إليه تهميشهم وبطالتهم وانسداد آفاق المستقبل أمامهم، فضلاً عن ممارسات سلطوية غاشمة شحنتهم بالنقمة والضغينة والثأرية. والأخطر في هذه الظاهرة هو وضوح الرموز والأهداف، سواء في العناوين ك "إعلاء شأن الاسلام والمسلمين" و "الموت لأميركا" و"محاربة الطواغيت"، أو في تبسيط وسائل العنف التي لا تحترم حرمة الدم والروح ولا أياً من قيم الإنسانية، ما لا يقرّه أي دين أو عقيدة. لكن ذروة الخطورة تكمن في تواطؤ ارهاب التنظيمات المتفلّتة مع ارهاب الدولة الممأسس، ويبدو أننا شهدنا ونشهد شيئاً من ذلك في العراق كما الصراع الدائر داخل سوريا وفي انتقاله إلى لبنان، وقد يتمدّد الى بلدان أبعد استناداً إلى ما نراه في اليمن وإلى بعض المؤشرات هنا وهناك. فمن أخطاء التخلّي الأميركي عن أفغانستان و"مجاهديها" مطلع التسعينيات إلى أخطاء "الحرب (الاميركية) على الارهاب" مطلع العقد الماضي الى أخطاء التعامل (الأميركي - الغربي) مع التحوّلات في مصر وتونس وليبيا وسوريا مطلع هذا العقد، فضلاً عن أخطاء الانقلاب (الإسرائيلي- الأميركي) على "عملية السلام" طوال العقدين الماضيين حتى الآن، يرتسم خط مستقيم لا ينفكّ يدفع إلى الغليان ويفاقم ظواهر التطرّف التي تجد من يستغلّها لتحقيق مصالحه. وعلى ذلك فإن "القاعدة" لم يعد سوى مجرد اسم أو عنوان ل "قاعدات" أو "قواعد" لاعلاقة لها بالتنظيم نفسه الذي تشظّى، وأصبح تحت رحمة من يؤويه ليستخدمه، إلاأنها تسترشد خصوصاً اجرامه متغطّية بشعاراته المضللة لتحقيق أهداف تحددها أجهزة وحكومات. حصل ويحصل في باكستان ما هو حاصل حالياً في سوريا وما كانت الولاياتالمتحدة جرّبته واستهانت به الى أن ضرب في نيويورك ثم استوردته إلى العراق. فالارهاب لا يمكن ضبطه وابقاؤه تحت السيطرة، ومتى استفحل لابد أن يرتد على من زرعه أو تركه ينمو ويعتمل. ف "طالبان باكستان" التي تؤرّق اسلام أباد اليوم هي ارتداد "طالبان" التي وفّرت لها بالأمس كل متطلّبات السيطرة على افغانستان. أما "دولة العراق الاسلامية" فكانت نتاج الممرات التي فتحت ل "القاعديين" عبر حدود سوريا وايران، وما "داعش" (الدولة الاسلامية في العراق والشام) سوى جزء مستعاد لاختراق مناطق المعارضة السورية ورفد النظامين السوري والايراني و"حزب الله" وميليشيا "أبو فضل العباس" العراقية في معركة انهاء الانتفاضة الشعبية واستعادة السيطرة والحكم لنظام بشار الاسد. غير أن "قاعدة" اخرى فاجأت الاسبوع الماضي السفارة الايرانية في بيروت، ما يثبت استحالة التحكّم بهذه الظاهرة واحتكار توجيهها، خصوصاً أن العبث بصيغة التعايش اللبناني واخضاعه للصراعات الاقليمية ولّد الكثير من الأحقاد والإحتقانات المذهبية. من الواضح أن الأمر الواقع الفارض نفسه لا يشير الى أي محاربة فاعلة لظاهرة الارهاب، ولا الى معالج طويلة المدى لها. على العكس، هناك ما يغذّيها ويفتح أمامها أبواباً جديدة لإثبات أنها خيار ممكن، فآفاق التفاؤل بانحسارها بعد الانتفاضات الشعبية انهارت كلياً مع وصول الاسلاميين الموصوفين ب"الاعتدال" (وتأهبهم للوصول) الى الحكم في مصر وتونس وليبيا واليمن، إذ إنهم أتاحوا لتيارات الارهاب الدخول في نسيج المجتمع. ثم إن فشلهم المدوّي في الحكم يترافق مع تصاعد خطر الارهاب، وقد أصبح وباءً داخلياً بعدما كان يوصم بأنه "غريب" عن المجتمعات وقيمها الإسلامية المسالمة.