عاش العالم في عام 2013 حالة من السيولة السياسية، التي تدعو الإنسان إلى التأمل والتفكير فيما يمكن أن يسفر عنه عام صعب قادم، وما بين حالات التفاؤل والتشاؤم أصبح من المستحيل الجزم بما يمكن أن تنتهي إليه الأوضاع الملتهبة في أكثر من مكان حول العالم.. وحتى المحللين السياسيين ربما لم يجدوا أصعب من هذه الفترة لبرهنة فرضياتهم والبناء على المنطق وأحكام القوة والمصلحة، فكما تفرض السيولة في حالة انتقالها من مرحلة الصلابة واقعا مختلفا في علم الفيزياء، بدا أن هذا الواقع في طريقه للتشكل سياسيا في عام 2013. بيد أن درجات الحرارة، التي تدفع باتجاه السيولة الفيزيائية يمكن متابعتها والتعامل معها علميا، بينما الظروف السياسية والمصالح وسلوك النظم والشعوب على حدّ سواء، والتي تتحكم في المناخ السياسي تخرج تباعا عن الإطار الفلسفي المعروف لتصيب المتابعين بالذهول والحيرة.. وبينما أشار البعض إلى دخول الممارسة السياسية إلى خانة اللامعقول، اكتفى الآخر بأن يلقي بكل أحداث العالم السائلة في إطار أوسع من المرونة التي كفلتها السياسة استنادا إلى تلك السطوة، التي مارسها ولايزال يمارسها عامل المصلحة.. ولكننا لا نريد أن نرد كل شيء إلى منطق المرونة وفرضيات التكتيك السياسي، لأننا بذلك نعود لمرحلة جامدة قد لا تعطي التفسيرات المطلوبة لنظريات وأفكار سياسية في طريقها حاليًا للتشكل والتكون، وقد لا تقدم تفسيرًا مقنعًا لتغيّرات ملحوظة في السلوك البشري، ولهذا أرى أننا لابد أن نغرق في التفاصيل رغمًا عنا، وألا نمنح الفرصة للتهوين أو الاستخفاف بعامل مهما كان ضئيلا، فهذه التفاصيل هي الخصائص الجديدة، التي سنعيش معها وتعيش معها الأجيال القادمة لسنوات كثيرة قادمة، بغض النظر عن الآمال والطموحات والأحلام. في حالات السيولة السياسية تكون أهم الخصائص الجديدة للمشهد السياسي في العالم تابعة لمنطق تغيّر الانحياز Political Realignment، وهو المنطق الذي يعاد فيه تشكيل الرؤى والاستراتجيات بما يتواءم مع تغيّر الظروف الدولية ويستجلب مرونة اضطرارية مؤقتة قد تغذى شعور الغير بالتناقض.. فالولايات المتحدة التي بدأت العام، وهي تهدد إيران وتتوعدها بأقسى أنواع العقاب ينتهي العام وهي تفتح ذراعيها لاحتضان طهران باتفاق مبدئي تقدر قيمته بنحو سبعة مليارات دولار لتقييد برنامج إيران النووي أنهى سنوات من الجمود الدبلوماسي والتصعيد بين إيران والدول الغربية، وبريطانيا وفرنسا اللتين هددتا النظام السوري بحرب لا هوادة فيها في بداية العام ينتهي العام وهما يثمّنان إجراءات قام بها النظام من تفكيك للسلاح الكيماوي وغيره على الرغم من تواصل أعمال القتل واستهداف المدنيين في دمشق وحلب وغيرهما من المدن السورية. وتعد موافقة النظام السورى على تفكيك ترسانته من الأسلحة الكيمياوية من الأمور التي أثّرت كثيرا على التوازنات الإستراتيجية في المنطقة. وتستدعي حالة السيولة السياسية أيضًا تزايد الفوران أو الغضب.. وقد شهد العام 2013 تصاعدًا لغضب الأنظمة ممثلة في نشوب الحروب، فلم يكد شهر يناير يبدأ حتى بدأت فرنسا في الثاني عشر منه تدخلا عسكريا في مالي بدأ بقصف مواقع حركة أنصار الدين المتشددة في إقليم ازواد على جبهة التماس مع الجيش المالي لتعطيل تقدّمها نحو الجنوب واقترابها من العاصمة المالية باماكو.. وعلى إثر ذلك دعت حركات جهادية في غرب القارة الإفريقية مثل حركة التوحيد والجهاد إلى الجهاد ضد الحكومة المالية، التي تحالفت مع الفرنسيين، وإلى المواجهة العسكرية مع من أسمتهم جيوش الغزاة الكفرة.. وتمثل غضب الأنظمة السياسية أيضًا في تهديدات الحرب، والتي بلغت أوجها في احتمالات المواجهة النووية بين كوريا الشماليةوالولايات المتحدة في الربع الأول من العام.. وقد بدأت الأزمة مع إطلاق كوريا الشمالية فجأة ومن دون سابق صاروخًا بعيد المدى في خطوة أدانتها الأمم المتحدة وواشنطن، وفى الثاني والعشرين من يناير مرر مجلس الأمن قرارا يدين إطلاق الصاروخ ويشدد العقوبات المفروضة على بيونج يانج.. وقد استفز هذا الأمر الكوريين، فأعلنت مفوضية الدفاع الوطني بكوريا الشمالية بعد ذلك بيومين أنها ستمضي قدمًا في تجربة نووية عالية المستوى، وبإجراءات « مادية» ضد جارتها الجنوبية، وبالفعل شرعت كوريا الشمالية في إجراء تجربة نووية تحت الأرض في 12 من فبراير، فردّت واشنطن وسول بتدشين مناورات عسكرية مشتركة في الأول من مارس، فهدد الزعيم الكوري الشمالي الشاب كيم جونغ بضربة نووية «استباقية» ضد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية قبل أن يصوّت مجلس الأمن مرة أخرى على تشديد العقوبات المفروضة على بيونج يانج بسبب تجاربها النووية في 7 مارس.. وألغت بيونج يانج في 8 مارس اتفاقات بعدم الاعتداء مع جارتها الجنوبية قبل أن تحلّق مقاتلات أمريكية من طراز B-52 في أجواء شبه الجزيرة الكورية، كما أرسلت في 28 من مارس قاذفتين نوويتين في مهمتي ردع عقب إصدار جونغ أوامر لوحدات صاروخية بأن تبقى مستعدة لضرب أراض أمريكية وقواعد في المحيط الهادي.. وهدأت الأزمة تدريجيًا بمرور الوقت واعتبر محللون المواجهة بأنها كانت محاولة من جانب كوريا الشمالية للحصول على امتيازات سياسية مقابل التخلي عن شن هجمات. وتمثل غضب الأنظمة وسط حالة الفوران السياسي في عام 2013 في التوترات الإقليمية في علاقات الدول مثل علاقات تركيا وقطر وتونس مع مصر على خلفية الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين من حكم مصر في منتصف العام، وفى استمرار التهديدات، التي يطلقها نظام الأسد للدول المجاورة وفى الضبابية التي تحكمت بالمشهد السياسي في لبنان، وانتهت في منتصف العام إلى انفراط العقد الحكومي وهزال التمثيل النيابي وخاصة مع ثقل التداعيات السلبية والخطيرة وإضرام نار الصراع في الجوار السوري في الهشيم اللبناني وانخراط حزب الله بصورة علنية وواضحة في الصراع لصالح قوات الأسد. وإذا كانت الثورة السورية قد خلفت مئات الآلاف من القتلى في داخل سوريا، فإنها أيضا قد أضرّت بلبنان سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا مع وجود كارثة إنسانية تمثلت بنزوح نحو مليون لاجئ سوري إلى داخل الحدود اللبنانية في هذا العام، ومع استمرار مسلسل الصراعات السياسية في لبنان، والتي أظهرت آخر حلقاتها قبيل نهاية العام باغتيال محمد شطح المستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق، سعد الحريري، وأحد الأعمدة الرئيسية لقوى الرابع عشر من آذار بسيارة مفخخة في قلب بيروت. وفى حالة الفوران تنتقل مظاهر غضب الأنظمة بين الدول والجماعات والأحزاب، وتتراوح شدتها من مكان لآخر، ولكنها في النهاية تتسم بقوة الرد، ونكاد نرى ذلك ممثلا في التوترات، التي أحدثتها حركة حماس الفلسطينية مع مصر بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، بعد اتهامات للحركة بأنها تتعاون مع حركات جهادية لإحداث فوضى في سيناء، ونرى ذلك أيضا ممثلا في التوترات التي أحدثها حزب الله مع الدول العربية ودول الخليج خاصة مع استمرار دعمه لقوات الأسد في استهدافها للمدنيين.. وقد ينتقل غضب الأنظمة إلى مواجهات مع قوى داخلية، مثلما تفعل الحكومة المصرية مع جماعة الإخوان المسلمين، والتي اعتبرتها الدولة تنظيما إرهابيا في شهر ديسمبر بعد أن لاحقت قياداتها وصادرت أموالهم عقب أحكام قضائية في الربع الأخير من العام، ومثلما تفعل الحكومة في تونس بملاحقة واعتقال قيادات حركة أنصار الشريعة المتشددة، التي اعتبرها حزب النهضة الإسلامي الحاكم مسؤولة عن مقتل معارضين بارزين هما شكري بلعيد في فبراير ومحمد البراهمي في يوليو، ومثلما تفعل أيضًا الحكومة النيجيرية مع جماعة «بوكو حرام»، التي يطلق عليها أيضًا اسم «طالبان نيجيريا»، والتي تسعى بشكل مسلح إلى منع التعليم الغربي والثقافة الغربية عمومًا بحجة أنها تفسد «المعتقدات الإسلامية». وإذا كان غضب الأنظمة في حالة السيولة السياسية، التي مر بها عام 2013 يقاس بتصاعد المواجهات فإن غضب الشعوب يقاس بنفس الوسيلة، فقد استمرت الانتفاضات والثورات والاحتجاجات الشعبية في أماكن عدة في العالم في هذا العام أثرت جميعها على المشهد السياسي.. فقد تسبب مشروع إزالة حديقة في تقسيم بوسط العاصمة التركية إسطنبول وإقامة مركز ثقافي وتجاري بدلا منه إلى إحداث حركة احتجاج سياسي عنيفة هزت حكومة رئيس الوزراء طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية في شهر يونيو الماضي، وبينما ملأ مئات الآلاف من الأتراك ساحات ميدان تقسيم أصر أردوغان على موقفه، وبينما ظن البعض ان الأمور في طريقها للتسوية اهتز حكم أردوغان مجددا قبيل نهاية العام على خلفية فساد مالي تورط فيها عدد من أبناء وزرائه، وخرجت مظاهرات في اسطنبول وأنقرة وازمير تطالب بمحاربة الفساد واستغلال النفوذ ورحيل أردوغان وحكومته في وقت أكد فيها الجيش معقل العلمانية التركية أنه لا يريد التدخل في الجدل السياسي الدائر في البلاد.. والسيولة في المشهد الداخلي التركي تنذر بإعادة توازنات إقليمية مهمة، تصب معظمها في صالح إسرائيل وإيران في ظل عدم استقرار الوضع العربي.. ففي المنطقة العربية بدا أن ثورات الربيع العربي التي اندلعت قبل ثلاثة أعوام لا تزال هي أيضا في مرحلة التشكل مع تزايد السخط الشعبي على أداء الأنظمة واندلاع حركات احتجاجية عنيفة في مصر وتونس واليمن وليبيا.. ففي مصر أطاح الشعب بدعم من الجيش بحكم الرئيس السابق محمد مرسي بعد أول تجربة ديمقراطية حقيقية في البلاد على خلفية تصاعد الاحتجاج الشعبي جراء اتخاذ النظام سياسات إقصائية وغير متوازنة وإخفاق في التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، وكان من نتيجة هذا الإخفاق أن خرجت الملايين في محافظات مصر المختلفة في الثلاثين من يونيو تطالب برحيل مرسي بعدما رفض الأخير فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة، وأعلن الجيش، في وجود الأزهر والكنيسة وممثلي حزب النور السلفي والتيار الليبرالي وحركات ثورية شبابية، في الثالث من يوليو عزل مرسي، وتولى رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور مؤقتًا منصب الرئيس وتنفيذ خارطة طريق تبدأ بتعديل الدستور، الذي كتبه تيار الإسلام السياسي منفردا وتنتهي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل صيف 2014. وتجرى عملية الاستفتاء على الدستور الجديد في الرابع عشر والخامس عشر من يناير القادم وسط تأييد التيارات المدنية لمواد الدستور وتهديدات الإسلاميين بالرفض والمقاطعة.. ولم يكن طريق السلطة الجديدة في مصر سهلا في تهيئة الواقع الجديد أمام غضب أنصار الرئيس السابق وجماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية المتحالفة معها، وقد أفضى غضب هؤلاء الأنصار، الذين دائما ما كان لهم تأثير شعبي بسبب خطابهم الديني إلى إحداث حالة من العنف غير المسبوق في الشارع المصري، واستمرت المواجهات بين قوات الأمن وجماعة الإخوان حتى بعد أن اعتقل معظم قادتها الرئيسيين وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع وأحيلوا جميعا لمحاكم جنائية بما فيهم الرئيس السابق، وبينما ردت حكومة حازم الببلاوي بقسوة على اعتصامات مؤيدي مرسي وقتل الأمن مئات منهم في أغسطس الماضي في محيط ميدان رابعة العدوية، مما اضطر نائب الرئيس المصري محمد البرادعي إلى الاستقالة، استهدفت عمليات انتقامية على الجانب الآخر رجال الجيش والشرطة، وتدخل فيها جماعات جهادية في سيناء، وانفجرت عبوات ناسفة في عدد من الأقسام منها مديرية أمن الدقهلية، التي قتل فيها 14 ضابطًا، وأصيب عشرات آخرون في أواخر ديسمبر، وحاولت جماعات متشددة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم في أكتوبر، ولكن المحاولة باءت بالفشل، ومع اتهام الرئيس السابق بالتخابر وقتل المتظاهرين أمام الاتحادية نهاية العام الماضي ووقوفه خلف القضبان ومع إعلان الحكومة الإخوان جماعة إرهابية، بدا أن فكرة توافق القوى السياسية المختلفة أو «المصالحة» مع جماعة الإخوان قد أصبحت شيئا من الماضي.. وفي تونس عانى حزب النهضة الإسلامي الحاكم طويلا مع المعارضة التي دفعت مئات الآلاف إلى الخروج للشوارع، مطالبين بتحسين أوضاع المعيشة وتحقيق أهداف الثورة، وتزايد الضغط الشعبي بعد اغتيال بالعيد والبرهامي، وواجه النهضة تحديا آخر من جانب المتشددين، الذين استهدفوا رجال الأمن في أكثر من مناسبة، وقد أدى كل ذلك إلى مطالبة الحكومة بالاستقالة لعجزها عن أحكام قبضتها الأمنية على البلاد، وشهدت العاصمة تونس ومدينة سيدي بوزيد مهد الثورات العربية تظاهرات متفرقة أدت لأن يتدخل الاتحاد العام للشغل، القوة ذات الشعبية الضاغطة في تونس، ويطلب بوضوح استقالة حكومة على العريض، ومن ثم اتفق الفرقاء على تنفيذ خارطة طريق تنجز الدستور وتشكل حكومة تكنوقراط تشرف على الانتخابات في وقت لاحق من العام 2014، وبالفعل استقالت حكومة العريض، وتم البدء في حوار وطني عانى صعوبات جمة وتوقف مرات عديدة قبل أن يعلن عن تولي وزير الصناعة السابق، مهدى جمعة، رئاسة الحكومة لتهدأ الأوضاع نسبيا وتتأجل المواجهات السياسية بين الإسلاميين والقوى الليبرالية في البلاد إلى العام الجديد.. وامتدت حالة الفوران الشعبي إلى ليبيا التي عانت تدهورا أمنيا غير مسبوق خلال عام 2013، حيث اُختطف رئيس الوزراء علي زيدان من قبل إحدى المجموعات المسلحة، التي استمرت في مجموعها تشكل أكبر تحدٍ لبناء الدولة ومؤسساتها. وانعكس حصار الميليشات وجماعات ضغط أخرى تطالب بحصص أكبر في عائدات النفط أو الانفصال لمنشآت وموانئ تصدير النفط على الحياة واقتصاد البلاد، فخسرت ليبيا الغنية بالنفط منذ شهر يوليو فقط ما يقرب من سبعة مليارات دولار، مما أثقل كاهل الحكومة وسط دعوات غير مجدية لوقف حصار منشات النفط، الأمر الذي ينذر بالخطر وسط استعدادات وحدات أمنية للتوجه إلى بنغازي وغيرها لوقف المليشيات المسلحة.. وتتأجل المواجهة أيضا إلى مطلع العام الجديد.. ولم تكن اليمن استثناء.. وبدا واضحا أن الثورة اليمنية لم تعرف طريقا بعد لتحسين أحوال الناس، وخاصة مع تصاعد الاحتجاجات على تدني مستويات المعيشة ومع معاودة النبرة الحادة في والحراك الجنوبي، الذي يضم القوى والحركات والشخصيات اليمنية في جنوب البلاد للمطالبة بالانفصال عن الشمال وعودة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت قائمة قبل الإعلان عن توحيد شطري اليمن في مايو عام 1990. وزاد الأمر سوءا باستهداف طائرات أمريكية لمواقع متشددين وتوعد الجماعات المسلحة بالانتقام من الحكومة.. وتسارعت قبيل نهاية العام الاشتباكات في صعدة بسبب نزاع القبائل المسلحة، رغم الجهود التي تبذلها اللجنة الرئاسية المكلفة بإنهاء التوتر ومحاولات إنجاح اتفاقات للهدنة ونشر قوات عسكرية في مناطق النزاع.. مع اقتراب العام من نهايته تزايد الفوران في جنوب السودان، الذى دخل في حرب أهلية مفاجئة في أعقاب محاولة انقلاب فاشلة على الرئيس سيلفا كير.. ولم يكن الشمال أكثر استقرارا، وشهدت الخرطوم احتجاجات شعبية على رفع أسعار المحروقات تطورت إلى اشتباكات مع قوات الأمن وراح ضحيتها العشرات، بينما أجرى الرئيس السوداني عمر البشير تغييرات واسعة في هيكل النظام والحكومة لامتصاص الغضب الشعبي. وبينما تصاعد الفوران في مناطق ثورات الربيع العربي كانت هناك تقلبات أقل حدة في الجزائر والمغرب وربما رحلت القضايا الساخنة التي نتجت عن ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية رابعة رغم المرض أو تراجع هيمنة حكومة الإسلاميين في المغرب بعد التغيير الوزاري الأخير إلى عام 2014، الذي ستتضح فيه قدرة الطرفين على الاستجابة لمطالب شعبية واسعة باتخاذ خطوات إصلاحية أوسع وأسرع. وبينما كان الشرق الأوسط يغلي، لم تكن نقاط أخرى في العالم مثل أوكرانيا وتايلاند أقل هدوءا، ففي كييف تشتعل المظاهرات في شهور العام الأخيرة احتجاجًا على امتناع الرئيس فيكتور يانوكوفيتش عن توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوربي من شأنه أن يفتح الحدود أمام البضائع وتخفيف قيود السفر. وفي بانكوك تواصل الضغط على رئيسة الوزراء ينغلوك شيناوترا في مواجهة تعبئة شعبية متنامية تقدر ب150 ألف متظاهر يوميا رغم فترة تهدئة مرتقبة لمناسبة أعياد رأس السنة.. ويطالب المتظاهرون بإبدال الحكومة بمجلس شعبي غير منتخب خلال 18 شهرا قبل إجراء انتخابات جديدة.. وبالرغم من سرعة وتلاحق الأحداث في هذا العام الذي شهد سيولة سياسية غير مسبوقة كانت الأمور في الصين هادئة على السطح، بعدما اكتملت في شهر مارس عملية انتقال السلطة في الصين بفوز شي جين بينغ برئاسة الحزب الشيوعي الصيني خلفا لجين تاو ليصبح بذلك رئيسا للبلاد ليكتمل بذلك تغيير لقيادة تنتقل فيها السلطة من جيل لآخر في ثاني أكبر قوة اقتصادية عالمية في العالم. ونفس الهدوء تميزت به الأحداث في فنزويلا عقب انتخاب وزير الخارجية نيكولاس مادورو رئيسا للبلاد في ابريل بعد وفاة الزعيم التاريخي لفنزويلا هوجو تشافيز لتبقى سياسة العداء للولايات المتحدة الخط الرئيسي المستمر في ادارة البلاد. واذا كان العام 2013 قد شكل انزعاجا للسياسيين وللشعوب فان ذات القدر من الانزعاج اصاب المسؤولين الأمنيين في الولايات المتحدة على وجه الخصوص بعد اعتراف ادوارد جوزيف سنودن عميل السي أي ايه في يونيو بكشف معلومات سرية جدا للصحافة عن برامج تجسس غربية، وكذلك بعد الحكم بالسجن على الجندى الأمريكي برادلي مانتيغ لتسريبه مئات الالاف من الوثائق العسكرية الامريكية لموقع ويكيليكس. واذا كانت حالة السيولة التى كان عليها العالم في عام 2013 توافق هوى البعض في فرض واقع جديد في العام المقبل وما بعده فان الكثير من السياسيين قد يعتبرونه الأسوأ في فترات حكمهم، وربما شعر بذلك الرئيس الأمريكي باراك اوباما الذى أدى في العشرين من يناير اليمين الدستورية لفترة رئاسية ثانية. ويعتقد الكثير من المحللين ان سياسات اوباما وخاصة في منطقة الشرق الأوسط قد أصابها الهزال الشديد وفضلت القيادة من المقعد الخلفي، مما أتاح الفرصة لأدوار روسية أوسع خاصة في مصر، وأدوار أوروبية أكبر في منطقة الخليج، وأدوار ايرانية أعمق في سوريا ولبنان. واقتصاديا لا يبدو الامر مريحا بالنسبة لاوباما وادارته حتى مع توقيعه قبل ايام ميزانية توفيقية مدتها عامان بهدف تقليل خطر توقف آخر لعمليات الحكومة الاتحادية، فالاتفاق يؤجل ولا ينهي المشاحنات العنيفة بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن الانفاق والضرائب وقانون أوباما للرعاية الصحية، والتي دفعت البلاد مرتين إلى حافة العجز عن سداد ديونها. كما تظهر مشكلات أخرى تتمثل في عدم تمديد إعانات البطالة وزيادة في سقف الدين الاتحادي.. وفي النهاية لا يمكن التكهن بمصير المشهد الحالي في العام الجديد، فهل ستمتد الأحزان التي عاشها العالم في هذا العام مع رحيل نيلسون مانديلا في آخر 2013 إلى العام الجديد أم تنتهي حالة الفوران إلى استقرار سياسي واجتماعي يساعد على التنمية والبناء؟ لننتظر ونرى ونتابع ولكن بتفاؤل حذر. المزيد من الصور :