العُقُوم -جمع عَقْم- مصطلح شائع بين ممتهني حرفة الزراعة، والعَقْم حاجز ترابي يوضع في بطون الأودية بشكل عَرَضي؛ بهدف اعتراض سيل الوادي وتحويل جزء منه لري المزارع والحقول. ومعلوم أن السيول لا تأتي إلا بعد هطول الأمطار الغزيرة، غير أنَّ هذه السيول لا يمكن أن تتشكل ومن ثم تتابع جريانها وذلك في الأراضي السهلية المنبسطة؛ ويعود ذلك لعوامل عدة يأتي في مقدمتها أن الأرض المنبسطة تتشرب الكثير من مياه الأمطار، كذلك فمياه الأمطار عندما تنزل على أرض منبسطة فإن ذلك يؤدي حتمًا إلى ضياعها نتيجة تفرُّقها في اتجاهات شتى، خلاف نزولها في أماكن جبلية صخرية ذات مضائق تؤدي إلى حشرها في حيِّز ضيق وبالتالي تتشكل نواة السيل الذي يتعاظم حجمه كلما تقدم في سيره صوب البحر عبر ما يُعرف بالأودية التي تتفاوت في أحجامها وأطوالها بحسب بعدها أو قربها من البحر، وبحسب ضخامة أو صغر المناطق الجبلية التي تتشكل فيها الأودية التي قامت على ضفافها وعند مصباتها تجمعات بشرية وحضارات، واستمرت لقرون عديدة؛ بفعل استمرارية تدفق (سر الحياة) ممثلاً في مياه السيول التي تتشكل منها الينابيع والغدران ومياه الآبار. فما إن تهطل (أمطار الخير) على أعالي الجبال وأصدارها إلا وتنحدر كميات (ضخمة) من المياه آخذة مسارها الطبيعي لتصل إلى الأكباد الظمأى والأراضي اليباب بدءًا من أصدار الجبال وانتهاءً بالسهول الساحلية قرب مصبات الأودية في البحار. المفارقة تظهر في التباين الكبير بين عقوم الأمس وعقوم اليوم؛ فعقوم الأمس كانت تتلقف (أمطار الخير) ممثلة في السيول لكن بحسب احتياج المزارع التي تخدمها، ولذلك نجد السيول مهما كانت كمياتها قليلة إلا أنها تصل للجميع من مَنشئها حتى مصبها، بل إن نفعها يظهر بجلاء في ارتواء الأراضي وامتلاء الآبار وانتشار الزراعة وحصول الخيرات ممثلة في المحصولات الزراعية بمختلف ألوانها ومسمياتها، أما عقوم اليوم فهي بمثابة (سدود) تعترض مسار السيل لتحظى بأكبر قدر منه. ومن المفارقات أيضًا أن القائمين على تلك العقوم كانوا في الماضي لا يأخذون من السيل إلا بقدر حاجتهم، بل إنهم كانوا يُقيمون ما يُسمى ب(المَغِيْض) وهو جزء منخفض في الطرف الأخير للمزرعة يُعتبر بمثابة متنفس لتفريغ المياه الزائدة عن حاجة المزرعة لتعود مرة أخرى إلى الوادي وتختلط بمياه السيل الكبير لتذهب لمن ينتفع بها بامتداد الوادي. (أمطار الخير) لم تعد سيولها تحتل حيِّزًا كبيرًا من اهتمامات الناس لأسباب منها: أولاً- إن هذه السيول لم تعد تصل للتجمعات البشرية التي تقع نهاية الوادي؛ وذلك بسبب تكاثر العقوم في الآونة الأخيرة وتزاحمها على الأودية وخاصة في أعاليها وهو المكان الذي تهطل فيه أمطار الخير ومن ثَمَّ يبدأ تكوُّن مياه السيل بكميات ضخمة. ثانيًا- إن هذه العقوم من الضخامة والمنَعَة ما يجعلها تأخذ فوق احتياج المزارع التي ترويها مما يقلل من كميات المياه الذاهبة لمصب الوادي. ثالثًا- حتى وإن أخذت هذه العقوم كميات ضخمة من مياه السيل وبالتالي فالمُفترَض أن يكون أثرها ونفعها على المزرعة ملموسًا إلا أنها -أي مياه السيل- لا يعقبها نفعا محسوسا أو أثرا ملموسا، اللهم إلا ما يتداوله الناس من أحاديث عن (ضخامة) المياه التي حظيت بها مزرعة فلان بعد تنافس (غير شريف) مع جيرانه على سيول أمطار الخير. وبعد.. فيجب أن ندرك أن تكاثر العقوم ومنَعَتها يعني انتفاء الجدوى من (الخير) وذهاب بركته، وبالتالي فلا نفع يُرتجى منه ولا أثر يعقبه. [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (52) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة