(مجانين في زمن عاقل) لمرمر القاسم ____________________________ ابراهيم جوهر – القدس في روايتها (مجانين في زمن عاقل) تبني الكاتبة (مرمر القاسم) عالما متوازيا بدءا من عنوان روايتها الذي أشار إلى هذا التوازي؛ الجنون في موازاة العقل، والمجانين في مقابل العقلاء، والوطن كما تراه بعين فؤادها مقابل الوطن المجزّأ المحكوم بالجدر الاسمنتية والنفسية والثقافية. ورغم ما في العنوان من غرابة التوصيف التي جاءت مقلوبة على طريقة (التشبيه المقلوب) فإن شخصيات الرواية عاقلة في (جنونها) الذي أضحى جنونا مطلوبا لأنه يعشق الوطن والأرض والناس والحياة. التشبيه المقلوب يغاير السائد المألوف ( نحن نشبّه الطفل بالوردة، ووجهه بالقمر، لكننا نقلب التشبيه حين نشبّه الوردة بالطفل، والقمر بوجهه). الجنون قائم في الزمن وفي الإصرار على ممارسة عشق الوطن والإنسان، والتعقل كائن في شخصيات الرواية. لكن أيّ عقل هذا الذي يقود عاشقا من (ضفّة) ليواصل عشقه معشوقته الكائنة في (ضفّة) أخرى مجاورة! بلغتها الساخرة الجريئة استعرضت (مرمر القاسم) جنون التسميات لوطن واحد بات مجنونا في تقسيمه. الوطن الواحد صار ضفافا وثقافات...وهي تنتصر للإنسان الذي تعكس مسلكياته ثقافته وهو يمثل ناس (ضفّته). جاءت لغة الكاتبة من ذاك النوع المعتمد على التشبيه والاستعارات ومحاولة إيجاد (لغة) تعبير قادرة على حمل الفكرة الجديدة. (محمد) و (ليالي) شخصيتان مركزيتان قام على العلاقة بينهما العمل الروائي، ويضاف إليهما (الجدّة) الحاضرة بروحها وحكمتها لا بشخصها، و (الوطن) دائم الحضور والاستحضار إذ لم يغب لحظة عن الحركة والعلاقة بين (محمد وليالي) اللذين صارا وكأنهما في (وطنين) بينهما جدار من اسمنت، ومن إدراك، وثقافة. والكاتبة تقدّم في (مجانين) رؤية ورؤيا؛ ترى الوطن واحدا مكتملا وتنتقد التقسيم الخارجي المفروض بقوة الاحتلال وذاك التقسيم القابل لما يريده الاحتلال في الثقافة، لتخلص في النهاية إلى أن جدار الفصل القائم مجرد وهم يصنعه المنسجمون معه المستسلمون لذيوله فيكون مجرد " مسافة إدراك." في لغة الكاتبة بحث عن لغة جديدة قادرة على التعبير عن (جنون) المرحلة والجغرافيا. تقول في صفحة 34 : " بعض الشوق لا دواء له... كلمات الحب الركيكة المعتادة العادية الباهتة لا تفضّ اشتباك الشوق والحنين بين الضلوع، مما ألزم اللسان أن يختلق لغة أخرى أكثر عمقا وأكبر وسعا، أعنف شراسة..." وقد سعت الكاتبة للوفاء بهذا (الإلزام) الذي أشارت إليه، فكانت لغتها جارحة بلا مواربة، ولا مجاملة. لم تراع ولم تخجل ولم تضعف، فحين كان يجب المواجهة واجهت، وحين لزم القول قالت؛ أشارت إلى سلبيات، ولم تنس الإيجابيات. وبقي الوطن مجالا واسعا للتحديد والتعريف والعشق والفهم. فما الوطن عند الكاتبة في (مجانين في زمن عاقل)؟ إنه الوطن الحزين المنسي المهمل المضيّع يشبه رؤوس أصابع بائع العربة في سوق الخضار ، تلك المهترئة بألم وتشويه. أيوجد أقسى من هذا التوصيف؟!! وهي تشبّه عينيّ الشاب (محمد) ابن السابعة والعشرين بالوطن؛ " ...قمحي البشرة، ملامحه حادة ناعمة ورمشه طويل، عينان واسعتان مثل وطن..." (صفحة 45). لماذا يحضر الوطن في تشبيهات الكاتبة؟ يحضر عينا، ويحضر أصابع مهترئة!!ويحضر غريبا قلقا خائبا غير مكتمل الصورة والملامح ؛ " تقول :" في آخر الليل يكتمل الوجع لا فواصل بين أنّاتهما إلا في الأسى المكدس وهو يومض كل خيبة واعدة في أفق صباح النفير وأحاجي الليل المرير وهما يتشكّلان التفاتة حلم يسمّى زورا –وطن-" صفحة 52 . الوطن ضفاف ؛ ضفّة 1967، وضفة 1948... " صرنا أربعة شعوب نعيش فوارق وحواجز كثيرة كبيرة الأحجام ..." (صفحة 66)."...ثمة أمور عديدة خلقت هذه الفروق وجعلت شروخا عظيمة بين الضفاف..."(صفحة 72). والوطن صار"... (ثلاجة مشروبات غازية) لكثرة ألوان الشعارات والمخلوقات الغريبة المعلّبة المحفوظة فيه."(صفحة 84). والجدار الوحيد بين الناس في الوطن المجزّأ هو " مسافة إدراك" كما جاء في الجملة الأخيرة من الرواية (صفحة154). اعتمدت الكاتبة في لغتها على (تشخيص المشاعر) لتقريبها من ذهن القارئ والتعبير عن قوتها، فالقلق "كائن يملك قدرة الولوج من كل نافذة" صفحة 40. واعتمدت الكاتبة أسلوب (تداخل الرواة) كما يبرز في (ص 47) فالرواة تتداخل أدوارهم ومداخلاتهم وإسهامهم في حركة الرواية وفي رسم معالمها ومسيرتها. أحيانا يجد القارئ أن الراوية نفسها هي التي تروي ، ثم ينتقل الروي إلى شخصية أخرى...تتداخل (أنا) الراوي هنا وكأن الكاتبة تود الإشارة إلى تداخل الحياة والهموم ووحدة الواقع رغم اختلاف الشخصيات والمواقع. قدّمت الكاتبة (مرمر القاسم) روايتها على شكل لوحات ونبضات وأحيانا لجأت إلى المقالة المتسائلة عن شخصيات تاريخية لما تفتقده من وضوح في ضباب الواقع ، كما جاء في تساؤلها عن (أبي جهاد، وغسان كنفاني) مثلا في صفحة83.وفي الصفحة الأولى من الرواية التي تستعرض واقع الحب في فلسطين. رواية مرمر القاسم هنا تفتح المجال لمواصلة الأسئلة للوقوف على ما من شأنه إعادة التثقيف والتوحيد والجبر. إنها رواية فكرة الوطن الواحد. صدرت الرواية عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في طبعتها الأولى عام 2013م. وتقع في 154 صفحة. متصفحك لا يدعم الجافاسكربت أو أنها غير مفعلة ، لذا لن تتمكن من استخدام التعليقات وبعض الخيارات الأخرى ما لم تقم بتفعيله. ما هذا ؟ Bookmarks هي طريقة لتخزين وتنظيم وادارة مفضلتك الشخصية من مواقع الانترنت .. هذه بعض اشهر المواقع التي تقدم لك هذه الخدمة ، والتي تمكنك من حفظ مفضلتك الشخصية والوصول اليها في اي وقت ومن اي مكان يتصل بالانترنت للمزيد من المعلومات مفضلة اجتماعية دنيا الوطن