أفق آخر باراك "وايتمان" ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 03/02/2014 لو كان خطاب أوباما عن حالة الاتحاد لهذا العام قد بُث عبر الإذاعة فقط ولم يكن متلفزاً لظنّ بعض السامعين أن من يتحدث إليهم هو الشاعر والت وايتمان المبشر الأكبر بالديمقراطية، وصاحب النزعة الإنسانية التي جعلته كما يقول في إحدى قصائده يطوف أزقة العالم وشوارعه عابراً القارات وهو ممدد على سريره في غرفة باردة . أوباما خطيب مُفوّه، تلك حقيقة يعترف بها حتى منافسوه، لكنه يضيف إلى ذلك وقفة مسرحية، لهذا كان التصفيق خلال الخطاب بعدد الجمل والفقرات، سواء ما تعلق منها بالتأمين الصحي، وهو هاجس يومي لدى معظم الأمريكيين، أو بالحد الأدنى من الأجور الذي أصبح في عهده يقل عما كان عليه في عهد الرئيس رونالد ريغان، وبالطبع تحظى القوات المسلحة في الخطاب الأمريكي بحصة الأسد من التصفيق، خصوصاً حين تتعلق مناسبته بجنرال أو ضابط أخطأه الموت، لكنه فقد شيئاً من جسده . ورغم أن أوباما لا يحلم بولاية ثالثة، لأن دسور بلاده لا يتيح ذلك، إلا أنه يحلم بمغادرة البيت الأبيض وقد ترك بصمات أصابعه السمراء على الجدار، ولأن الأمريكيين ليسوا شغوفين كشعوب العالم الثالث بالسياسة الدولية وشجونها، بأن ما يهمهم أولاً وربما أخيراً هو أحوالهم الاقتصادية، لهذا كان معظم العزف في الخطاب على هذا الوتر الحساس . ولم يشذ أوباما عن كل أسلافه ممن عاشوا في البيت الأبيض وودعوه حين ردد مقولات أصبحت من الثوابت في الثقافة الأمريكية، وهي النظر إلى الولاياتالمتحدة كمجال حيوي لاستثمار المواهب وقدرتها على التذويب والدمج، أو ما يسمى الأمركة، لهذا يستحضر أوباما أمثلة من رجال ونساء أبدعوا في بلاده، لأنهم وجدوا الحاضنة المناسبة . وكل هذه الإشارات عناصر تقليدية في أي خطاب قومي، لكن ما أضافه هو الوعد النهائي بإغلاق تلك القلعة السوداء المسماة "غوانتانامو"، رغم أن هذا الوعد كان في طليعة وعود حملته الانتخابية تحت شعار التغيير . لكن محلية هذا الخطاب التقليدي لم تَحُلْ من دون الإشارة بالدبلوماسية الأمريكية الفاعلة، كما قال أوباما على امتداد العالم، وهنا كان لا بد أن يأتي إلى بيت القصيد، وبمعنى أدق بيت الداء، فيتحدث عن دور الدبلوماسية الأمريكية في رعاية وإنجاح المفاوضات الفلسطينية - "الإسرائيلية"، وكانت هذه العبارة ستمر بهدوء وبلا تصفيق متصل لولا أنه أضاف الجملة التي تشبه تلك الآجرة في القصر الذي بناه سِنمار ثم دفع الثمن حياته . الجملة أو بمعنى أدق شبه الجملة هي الدولة اليهودية، وقد قالها الرئيس بإنجليزية ليست فصحى فقط، بل شكسبيرية! فأية مفاوضات وأية دبلوماسية ترعاها تلك التي تشترط دولة يهودية بدءاً من أول السطر؟ ولأسباب نعرفها جميعاً قوبلت هذه الجملة بتصفيق لا ينافسه غير تصفيق الدقائق الست في الكونغرس على خطاب شمعون بيريز قبل عدة أعوام . خطاب بليغ تبدو شحنته الأخلاقية مستعارة من والت وايتمان، بحيث اختلط الأمر علينا، وبات من الضروري فك الاشتباك بين والت أوباما وباراك وايتمان! الخليج الامارتية