– متابعات:مثلت الزيارة الأخيرة التي أداها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى دولة قطر، نهاية العام الماضي، فرصة لتقييم العلاقات بين البلدين الفاعلين إقليميا، بعد أن بدأت برامجهما في السياسة الخارجية تعكس توجهاتهما باطراد. كانت قطر قد شهدت إطلاق عدد من المبادرات المتعلقة بالسياسة الإقليمية لم تحقق أهدافها المنتظرة، وبعد تراجع نفوذها من المنطقة التي أصبحت ترتاب من مواقفها كثيرا، بات من الضروري على هذا البلد الخليجي التعامل مع ما جلبت له سياسته من توترات مع كل من السعودية وإيران في الوقت الذي شهد فيه التقارب مع تركيا أعلى مستوياته. في الجانب الآخر ترى أنقرة في علاقتها مع الدوحة بصيص أمل في السياسة الخارجية المضطربة للبلاد. وتعدّ قطر واحدة من الدول القليلة التي تواصل تركيا تعاونها معها بشكل وثيق في جميع القضايا التي تخص المنطقة تقريبا. ولكن لا يعرف حتى الآن ما إذا كانت العلاقة التركية القطرية قد بنيت لتصمد على المدى البعيد أم لا. أما العمود الفقري للعلاقة فيتلخص في جدول الأعمال الطموح لكلا البلدين في مسعى للتعامل مع الثورة السورية وإدارة انعكاساتها في ظل المحسوبية تجاه مجموعات المعارضة المرتبطة بالإخوان المسلمين بهدف ترسيخ مصالحهما. ويتمثل هدف الطرفين المشترك في إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية خدمة للإسلاميين الفاعلين سياسيا، وفي مسعى لتوحيد المنطقة إيمانا منهما أن ذلك يعدّ أفضل لشعوب شمال أفريقيا وبلاد الشام. وتعتقد أنقرة أن ذلك يمكن أن يتحقق عن طريق صندوق الاقتراع، في حين لا تهتم قطر كثيرا بفكرة نشر الديمقراطية مع تفضيلها لسياسات تسمح بالتعبير عن "إرادة الشعب" دون أن تحدد بدقة ماذا تعني بذلك. وبالنظر إلى حالة الغموض من جانب الدوحة يبدو من غير الواضح ما إذا كانت المصالح المشتركة الحالية لكلا الجانبين ستصمد بمرور الوقت إلى أبعد من مجال السياسات الحالية أم لا؟ عزز التقارب المتبادل بين البلدين من جهة والإخوان المسلمين من جهة ثانية من فرص تقديم الدعم المالي والسياسي للرئيس المصري السابق محمد مرسي في مصر. إلا أنه وبعد الانقلاب العسكري، عبر الطرفان عن استيائهما ولكن بطرق مختلفة. فقد اختارت الدوحة القبول في هدوء بالوضع الراهن على الرغم من معارضتها الشديدة في العلن. أما في تركيا، فقد سعى رئيس الوزراء أردوغان إلى استخدام الحدث لتحقيق مكاسب سياسية داخلية. لذلك حاول هذا الأخير إيجاد أوجه التشابه بين تركيا ومصر على الرغم من مناهضته الشديدة والعلنية للنظام العسكري مما دفع بمصر في نهاية المطاف إلى طرد السفير وخفض مستوى العلاقات بين البلدين. دعم الرهان الخاسر يؤكد هذا الاختلاف على أحد الفوارق الأساسية بين البلدين؛ فتركيا تمتلك تجربة ديمقراطية غير مكتملة على خلاف النظام الملكي في قطر الذي لم يبدأ بعد تجربته الخاصة مع الإصلاحات الديمقراطية. وتبرز الخلافات السياسية جنبا إلى جنب مع الاختلافات الثقافية والعرقية النابعة من الفجوة بين العرب والأتراك والتصورات المتباينة عن التاريخ العثماني في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من تقاسمهما المصالح المشتركة طويلة الأمد في مصر إلا أن الشأن السوري قد عزز من التقارب بين المصالح التركية والقطرية على نحو وثيق. وعبرت قيادة البلدين عن انزعاجها الشديد من التقارير التي تكشف عن معاناة السوريين مما دفع الدوحةوأنقرة إلى التأكيد على ضرورة الإطاحة ببشار الأسد، من خلال مزيج من الضغط العسكري يهدف إلى جعل الأسد يدرك أنه لا يمكنه الانتصار في البداية ثم القيام بالمبادرات الدبلوماسية لإجباره على التخلي عن السلطة. ومن المهم الإشارة كذلك إلى ما يحفّ بالمحور التركي القطري من صعوبات ومشاكل: على غرار الوسطاء الفاسدين والتغير السريع لأسس التحالفات داخل سوريا والبيانات الزائفة وغير الدقيقة والتي تفضي في كثير من الأحيان إلى وصول الأسلحة والمال إلى المجموعات الأخرى. وعلى الرغم من جميع جهود التنسيق مع القوى الغربية والدول العربية السنية، فقد انزلق مشروع تزويد الجماعات المتمردة بالمال والسلاح إلى مهزلة فوضوية من خلال إجراءات سرعان ما تنهار في ظل جماعات "معتدلة" تعوزها الأموال والأسلحة، وجماعات إسلامية أكثر تشددا تتلقى الدعم على حساب المجموعات الأخرى. وتهدف تركياوقطر من خلال تسليح المعارضة إلى تنسيق التحركات على الأرض علاوة على جهودهما السياسية الرامية إلى تنظيم المعارضة السورية. وتتمثل السياسة الأصلية في أن يقوم المتمرّدون في البداية بإسقاط نظام الأسد يتولى على إثر ذلك المجلس الوطني السوري المدعوم من قطروتركيا ملء الفراغ السياسي بسرعة. وقد اعتبر الطرفان أنه من الأفضل عدم المساس بالجزء الأكبر من مؤسسات الدولة السورية وذلك منعا لتكرار سياسة اجتثاث البعث في العراق بعد الحرب في بداية سنوات 2000. كما عمل الجانبان على تعزيز أواصر الروابط مع المعارضة السورية للاحتفاظ بنفوذ في الدولة السورية ما بعد فترة حكم الأسد. وهكذا، في حين كان الدافع الرئيسي للتدخل في الصراع السوري ناجما وبشكل كبير عن المخاوف من الأوضاع الإنسانية، فإنه سرعان ما اتخذت السياسة بعدا جيوسياسيا بعيدا عن الهدف الأول. وكان للبلدين حافز قوي لتعزيز العمل المشترك بينهما، فقطر في حاجة إلى تركيا للتدخل في سوريا عبر المناطق الحدودية التي يسهل اختراقها وأما تركيا فهي في حاجة إلى قطر بهدف تمويل المتمردين السوريين. وكان انحيازهما للإخوان المسلمين الذين ينشطون في سوريا تحت لواء المجلس الوطني السوري مجرد انعكاس لرغبتهما في إجراء انتقال سريع إلى حقبة ما بعد الأسد، كما أنهما يعتبران الإخوان المسلمين تنظيما سياسيا جديرا بالثقة ويمكن الاعتماد عليه لإدارة الدولة في حال تمت الإطاحة بالأسد من السلطة. غير أن قدرة تركياوقطر على إحداث تغيير شامل في مسار الأحداث على الأرض كان محدودا في أغلب الأحيان. وفي ظل غياب التدخل الأميركي الحاسم، واصل الجانبان العمل على مواصلة جهودهما من خلال وكلاء بالنيابة عنهما. وقد ساهمت هذه السياسة -بشكل غير مباشر- في تقويض جهودهما المشتركة لتنظيم المجلس الوطني السوري ودفعت تركياوقطر الآن إلى البدء في دعم الجهود السعودية في الفترة الأخيرة لتمويل وتسليح ودعم مجموعة متمردة تنشط تحت مظلة جديدة تعرف باسم الجبهة الإسلامية. انهيار الاستراتيجية الإقليمية أدرك الحليفان أن نتائج سياستهما لم تكن مرضية بالمقارنة مع كل الجهود والإصرار والمساعي الدبلوماسية الحثيثة والدعم المالي السخي. كما تحمل البلدان المخاطر المترتبة عن سياستهما بتجنب كل من إيران والمملكة العربية السعودية، وهما الآن بصدد القيام بخطوات لإعادة تلك العلاقات على أسس أكثر إيجابية. فلا قطر ولا تركيا تهتمان كثيرا بالمشاركة في حرب إقليمية باردة بين الرياض وطهران، لكن الوعي في المحور التركي – القطري كبير بأن التنافس السعودي الإيراني على بلاد الشام يكتسي عواقب وخيمة عند الحديث عن سياسة إقليمية محورها تنظيم الإخوان المسلمين، سعى الطرفان جاهدين إلى فرضها في جميع أنحاء المنطقة. ولكن الطموحات الإقليمية من أجل التغيير قد ذهبت أدراج الرياح وفشل معها مشروع الإخوان المسلمين. قطر في حاجة إلى تركيا للتدخل في سوريا عبر المناطق الحدودية التي يسهل اختراقها وحاولت كل من قطروتركيا كسب الأصدقاء في جميع أنحاء المنطقة مع تأمين حدود آمنة ووضع أقدام راسخة في جميع أنحاء المنطقة، ولكن أصبح من المؤكد استحالة المحافظة على التوازن في الصراع بين تكوين صداقات واسعة وتدخل شامل في منطقة الشرق الأوسط التي مزقتها الحرب. وتسعى تركيا الآن للعودة إلى المبادئ الأساسية لسياستها الخارجية "الخالية من المشاكل" والتقليل من شأن تأكيدها مؤخرا لمبدأ تعزيز الديمقراطية والبدء في إصلاح علاقاتها مع جيرانها. وفي الوقت نفسه تراجعت الدوحة مرة أخرى إلى حجمها الطبيعي معتمدة على أطراف إقليمية من جميع المشارب والألوان في محاولة لاستعادة صورة الدولة المسالمة وغير المنحازة كالتي كانت عليها في السابق. فهل كان الإعلان عن فقدان الثقة بداية النهاية للتحالف بين أنقرةوالدوحة؟ هذا غير مرجح. حيث لم يسع الطرفان إلى الانسحاب من المنطقة بين عشية وضحاها ولا يزالان يصران على ضرورة الإطاحة ببشار ولا تزال العلاقات متوترة مع إيران، وكلاهما في خلاف مع المملكة العربية السعودية بخصوص جماعة الإخوان المسلمين. والسياسة الراهنة لا تزال مناسبة للتعاون الوثيق بينهما، ومن المرجح أن تواصل تركياوقطر تعاونهما بشكل وثيق في مجموعة كاملة من القضايا الإقليمية. براقش نت