قال مواطنون يعملون بشركات تأمين محلية وأجنبية، إن الوظائف التي يعملون بها في القطاع تنحصر في الوظائف الدنيا والبسيطة، مؤكدين أن هناك شعوراً عاماً لدى الموظفين المواطنين بأنهم باتوا يشكلون عبئاً على هذه الشركات لمجرد استيفاء النسب المحددة من قبل الجهات الرقابية، من دون أي فرص حقيقية في العمل والتدريب، ناهيك عن الترقي. وأشاروا إلى غياب الاهتمام بهم أو بتدريبهم، داعين الجهات المسؤولة إلى متابعة أحوالهم للتأكد من تلقيهم تدريباً جيداً، ومنحهم فرصاً حقيقية للعمل والتعلم والترقي. من جانبهم، قال مسؤولون وخبراء في شركات تأمين، إنه لا يوجد أطر أو كوادر مواطنة مؤهلة بالدرجة الكافية من الناحيتين المهنية والأكاديمية في قطاع التأمين، بسبب الاعتماد الكبير على الوافدين، مؤكدين أن الاهتمام بالتدريب ومنح المزيد من الحوافز وتوفير الإرادة الحقيقية لدى مسؤولي الشركات عوامل كفيلة بتغيير هذا الواقع، لافتين إلى أن مبادرة هيئة التأمين بإرسال طلبة للدراسة في لندن على نفقة صندوق دعم التوطين تمثل بادرة جدية بهذا الخصوص يجب التوسع فيها. وأكدوا أهمية مشاركة الهيئة عبر صندوق التوطين التابع لها في نسبة من راتب الموظف المواطن، وكذا ضرورة متابعة أحوال المواطنين وأدائهم لجعل القطاع جاذباً للكوادر المواطنة. يشار إلى أن نسبة التوطين في قطاع التأمين تصل إلى 7.7%، وفقاً لهيئة التأمين، فيما تستهدف الهيئة الوصول إلى 15% خلال السنوات الثلاث المقبلة. تضليل توطين صوري قال المدير العام لشركة تأمين وطنية، فضل عدم نشر اسمه، إن «هناك نماذج ممتازة من الشباب المواطنين الذين يعملون في قطاع التأمين، ويبدون دائماً رغبة في تقديم المزيد، لكن الكثير منهم حقوقهم منقوصة، ويحتاجون إلى من يتابعهم ويدربهم ويمنحهم فرصة حقيقية» . وأوضح أنه يعرف شخصياً نماذج مواطنة يمكنها شغل مناصب قيادية كبيرة في شركات التأمين، لكنها لا تأخذ فرصتها الكاملة. وأكد «وجود عمليات توطين صوري في بعض الشركات، إذ يتقاضى مواطنون رواتب شهرية، وتدرج أسماؤهم شكلاً في كشوف العمل بالشركة، لكنهم لا يذهبون إلى الشركات أصلاً ولا يداومون نهائياً»، مؤكداً أن «حجة هذه الشركات أن المواطن لا ينتج، أو يأتي متأخراً عن عمله». معهد للتأمين اتفقت جميع المصادر التي تحدثت «الإمارات اليوم» إليها على ضرورة تأسيس معهد أكاديمي لدراسة التأمين، يكون له مساقات تأمينية مستقلة، وذلك عن طريق صندوق دعم التوطين، لافتين إلى أن جامعة الإمارات كانت تدرس هذا التخصص، إلا أنه جرى إغلاقه لعدم إقبال الشباب المواطن عليه . وأكدوا أن المساقات الموجودة في معهد العلوم المصرفية، التي تدرس باللغة العربية عن التأمين، على الرغم من أهميتها، إلا أنها غير كافية، ولابد من إنشاء كيان مستقل لتدريس التأمين وفروعه وعلومه. رواتب أفادت معلومات جمعتها «الإمارات اليوم» بأن معدلات رواتب المواطنين في شركات التأمين تراوح بين 8000 و9000 درهم لخريجي الثانوية العامة، وتصل إلى ما يراوح بين 13 و14 ألف درهم لخريجي الجامعات . يشار إلى أن المدير العام لهيئة التأمين، إبراهيم الزعابي، أفاد في تصريحات سابقة بأن الهيئة بصدد دراسة المساهمة بنسبة من رواتب المواطنين العاملين بشركات التأمين عن طريق أموال صندوق دعم التوطين، الذي تشرف عليه الهيئة. وفيما حاولت «الإمارات اليوم» الحصول على معلومات مفصلة عن حجم أموال الصندوق في الوقت الحالي، أو الجهود التي بذلتها الهيئة في مجال التدريب والتوطين اعتماداً على هذه الأموال، إلا أنها لم تتلق رداً من الهيئة. وبحسب جمعية الإمارات للتأمين، فإنه يجرى سنوياً ابتعاث ما بين 20 و25 مواطناً ومواطنة للدراسة في المعهد القانوني بلندن على نفقة الصندوق. وتفصيلاً، قال المواطن خالد المازني، موظف في شركة تأمين أجنبية، إنه عُيّن منذ عام ونصف تقريباً ضمن مجموعة من الشباب والفتيات المواطنين، قوامها نحو 50 موظفاً، تم توزيعهم على أماكن متفرقة بشكل عشوائي في الشركة، لكن جميعها في الوظائف الدنيا، مثل الاستقبال وخدمة المتعاملين والطباعة، وغيرها. وأضاف أن «أهم ما يلفت النظر أن العقود التي ترسل لوزارة العمل ويستخرج على أساسها بطاقة العمل يكتب فيها مسميات وظيفية أعلى»، موضحاً أن مسماه الوظيفي، على سبيل المثال، «مدير إدارة الجودة» طبقاً لعقد العمل، أما وظيفته الحقيقية في الشركة «مسؤول انضباط». وتابع المازني أنه «بعد التعيين واستيفاء النسبة المقررة من قبل هيئة التأمين وإرسال الكشوف لوزارة العمل، بدأت الشركة الاستغناء عن المواطنين تدريجياً، سواء بممارسة الضغوط عليهم، أو توجيه إنذارات بسبب التأخير أو أخذ إجازة من دون الإبلاغ المسبق عنها». وأكد أن «عدداً يراوح بين 15 و20 موظفاً مواطناً تم طردهم من الشركة التي جرى تكريمها في وقت سابق لاستيفائها نسبة توطين تبلغ 15%»، مشيراً إلى أن «واقع الحال يفيد بغير ذلك، فالأرقام المعلنة تخالف الواقع تماماً، في ظل غياب الرقابة والتفتيش الدائم من قبل هيئة التأمين». وأكد المازني، أن «هناك شعوراً عاماً لدى المواطنين بأنهم مضطهدون، ولا يريد أحد نقل خبراته لهم، إلى جانب تمييز المديرين الآسيويين الموظفين من جنسياتهم». عدم استقرار وقالت المواطنة (عواطف.ع)، إن هناك عدم استقرار في العمل بالشركة الوطنية التي تعمل بها، بسبب منح الأولوية في التدريب والترقي للجنسيات الأخرى، مؤكدة وجود ضغوط يومية للعمل تجعل بيئة العمل بشكل عام منفرة وطاردة للكفاءات المواطنة. وطالبت عواطف بفرص حقيقية وكاملة للمواطن، حتى يستقر في شركات التأمين، لافتة إلى أن كثيراً من الشباب لا يعرفون شيئاً عن العمل في مجال التأمين، ولم يدرسوا في جهة متخصصة تؤهلهم لذلك، ما يعني أن التدريب أهم عنصر يمكن أن يضمن استمراريتهم في القطاع. ثقة وقال المواطن (علي.س)، إنه ترك العمل في شركة التأمين بسبب عدم ثقة مديريه في أدائه، مؤكداً أن «هذه الحالة تمثل ثقافة عامة لدى إدارات الشركات عن المواطن مهما كانت كفاءته، ما يشكل تحطيماً مستمراً لمعنويات الموظف يجبره في النهاية على ترك العمل». وأضاف أنه داوم عاماً وتسعة أشهر، لم يكلف خلالها إلا بالمهام البسيطة، على الرغم من أنه يحمل شهادة جامعية، مؤكداً أنه وجد فرص الترقي مستحيلة، إلى جانب تركيز الموظفين من الجنسيات الأخرى عليه، ونقل أخباره أولاً بأول بصورة تظهره بالمقصر أو غير المنتج، وتساءل: «هل يعقل أن كل الشباب المواطن كسول أو غير منتج؟». بدورها، أفادت المواطنة (إيمان.ع)، بأنها تعمل في شركة تأمين وطنية، وأنها مرتاحة في وظيفتها وأجواء العمل، لكن لا توجد أي آمال في الترقي، إذ تعمل في السكرتارية منذ ثلاث سنوات، إضافة إلى عدم منح شركات التأمين إجازة للوضع سوى 45 يوماً، مقارنة بشهرين تمنحهما الجهات الحكومية، ما يجعلها تفضل البحث عن عمل لدى جهة حكومية يكون لها فيها مستقبل أفضل. تقصير من جانبه، قال الخبير في مجال التأمين، شكيب أبوزيد، إن «قطاع التأمين المحلي اعتمد تاريخياً على جلب الموظفين من الهند أو من الدول العربية، لذا لا يوجد أطر أو كوادر مواطنة مؤهلة بالدرجة الكافية من الناحيتين المهنية والأكاديمية، بسبب الاعتماد شبه الكامل على الوافدين»، مضيفاً أنه «لتغيير هذا الوضع يجب تكاتف الجهود عن طريق الاهتمام بالتدريب، ومنح المواطنين المزيد من الحوافز، وتوفير إرادة حقيقية يتبناها مسؤولو الشركات». وأكد أن «هناك تقصيراً على مستوى إدارات الشركات في بذل الجهد الكافي لتحفيز التوطين». التدريب بدوره، قال الأمين العام لجمعية الإمارات للتأمين، فريد لطفي، إن «التعليم الأكاديمي والتدريب هما أهم عنصرين لزيادة نسب التوطين في قطاع التأمين»، موضحاً أن «مبادرة هيئة التأمين بإرسال طلبة للدراسة في لندن على نفقة صندوق دعم التوطين كانت فكرة جدية ويجب التوسع فيها، إلى جانب حث مديري الشركات وأعضاء مجالس الإدارة على توفير بيئة جاذبة للشباب المواطن من خلال حوافز الرواتب والفرص التدريبية المتواصلة على جميع منتجات التأمين». وأكد أن «شباباً مواطنين كثر أجبروا على ترك وظائفهم في شركات تأمين، وهم الآن يبحثون عن أخرى بديلة في القطاع ذاته، لأنهم أحبوا العمل وأجادوه»، لافتاً إلى أن «هناك تجارب ناجحة لدول الخليج المجاورة في عمان والكويت في توطين القطاع، وصلت معها نسب التوطين إلى 65%، وهنا لابد من توفير الإرادة الحقيقية والجادة لجذب الشباب المواطن للعمل في هذا القطاع المهم». رفع نسبة التوطين إلى ذلك، قال المدير العام لشركة العين الأهلية للتأمين، رئيس لجنة السيارات والشؤون القانونية في جمعية الإمارات للتأمين، محمد مظهر حمادة، إن «هناك أمرين لابد من معالجتهما في قضية رفع نسبة التوطين بالشركات، الأول المساهمة في نسبة من الراتب، ولتكن 50%، والثاني متابعة أحوال المواطنين وأدائهم من قبل الجهات الرقابية، ممثلة في هيئة التأمين بالتعاون مع جمعية الإمارات للتأمين». وأوضح أن «هناك صندوقاً أسس منذ عام 1997 لدعم التوطين والتدريب، رأسماله 0.1% من قيمة الأقساط المكتتبة سنوياً، وتقارب قيمته حالياً 100 مليون درهم، وتشرف عليه هيئة التأمين». واستطرد: «من المفيد أن يسهم الصندوق في نسبة 50% من راتب المواطن، فيما تتحمل الشركات نسبة ال50% المتبقية، خصوصاً أنها من تدفع للصندوق»، منوهاً بأن «الدعم المادي من شأنه أن يسهم في جذب الشباب لهذا القطاع الحيوي». وتابع حمادة: «توجد كثير من الفعاليات والمعارض الخاصة بالتوطين في قطاع التأمين، والشركات بدورها تعين مواطنين عن طريقها، لكن لا أحد يتابع أحوالهم ليقف بحيادية على طبيعة الظروف التي يعملون فيها»، مشيراً إلى أن «هيئة التأمين باعتبارها الجهة الرقابية في القطاع، فإنه من الضروري أن تتابع ذلك، بالتعاون مع جمعية الإمارات للتأمين، بحيث يضمن توافر فرص حقيقية أمام المواطن، تشمل التدريب والتطوير والترقي، إلى جانب التأكد من أداء المواطن مهامه الوظيفية بجدية». الامارات اليوم