في الوقت الذي باتت فيه الهدنة مع إسرائيل أكثر هشاشة، تستعد المجموعات المسلحة في قطاع غزة لأخذ زمام المبادرة. ويبدو عناصر لجان المقاومة الشعبية غير مهتمين بما يقوله السياسيون، بما في ذلك ما صرح به، أخيرا، وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ما يخص عملية السلام. وقتلت القوات الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، فلسطينياً وجرحت آخر في المنطقة العازلة بالقرب من السور الحدودي. وردت كتائب صلاح الدين على ذلك، بإطلاق صاروخين من طراز «غراد» على الأراضي الإسرائيلية. وبعد ثلاثة أيام تمكنت وحدات إسرائيلية من تفكيك قنبلة بالقرب من خان يونس. ويقول (أبوسعد)، الذي ينتمي إلى لجان المقاومة، إن المسلحين دائما على أتم الاستعداد، لشن هجمات على العدو. في المقابل، لاتزال حركة المقاومة حماس ملتزمة بتعهداتها، والاتفاقية التي أنهت الهجوم الإسرائيلي الواسع على القطاع أواخر 2012. ويقول نائب وزير خارجية حكومة «حماس» في غزة، غازي حمد «تتبنى إسرائيل سياسة العقاب الجماعي، لكننا نركز على المحافظة على الهدوء، وأن تبقى الأمور تحت السيطرة»، مضيفا «لا نريد أي نوع من المواجهة، لكن إذا لم نتمكن من السيطرة على مجريات الأمور، فستكون هناك صواريخ كثيرة أخرى». وفي حين تلتزم كتائب الجهاد الإسلامي بوقف إطلاق النار، وتأكيد تل أبيب التزامها بذلك، يقول فلسطينيون وغيرهم، إن إسرائيل لم تخفف القيود بشكل فعال، على الحركة والوصول إلى القطاع، كما أنها تقوم بطلعات جوية من حين إلى آخر، حسب رغبتها. وفي هذا السياق، يوضح (أبوسعد)، إننا «نلتزم بالهدنة ما دام الاحتلال يفعل الشيء نفسه»، مضيفا «لكن (حماس) هي الحكومة ومصالحها ليست مثل مصالحنا.. هل علينا أن نطلب الإذن منها للهجوم في حال خرقت تل أبيب الاتفاق؟». البطالة إلى 38.5% ذكر المكتب المركزي الفلسطيني للإحصاء أن معدلات البطالة في قطاع غزة قفزت من 32% بالربع الثالث من العام الماضي إلى 38.5% نهاية عام 2013. وقد أدت الاضطرابات الاقتصادية التي يشهدها القطاع إلى وضع «حماس» - التي ينظر إليها العديد من الدول الغربية أنها منظمة إرهابية - في مأزق مالي وسياسي. عسكريا، الصراع غير متكافئ، فإسرائيل تسيطر على ما يقرب من جميع حدود غزة البرية، والمجال الجوي والساحل، والهجمات بالطائرات من دون طيار، بدعم من المتعاونين على الأرض، قتلت المئات من الفلسطينيين. الهدف الأخير كان عبدالله خرطي الذي أصيب بينما كان يستقل دراجة نارية، وعلى ما يبدو بقي على قيد الحياة فقط، لأنه لم يكن يحمل الهاتف النقال الذي من شأنه أن يقدم إشارة لتوجيه الصواريخ. ووصف خرطي من قبل الجيش الإسرائيلي بأنه ناشط في «الجهاد العالمي». ويقول (أبوسعد) بغضب «هذه ببساطة دعاية من قبل الاحتلال، إنهم يحاولون الإضرار بالقضية الفلسطينية». إذا كان التوازن العسكري هو بالتأكيد لمصلحة إسرائيل، فإن القليل من المراقبين يتوقعون تغييراً سياسياً وشيكاً أو في أي وقت قريب. وعلى أية حال فإن محادثات كيري الأخيرة لم تتطرق إلى قطاع غزة، الذي كثيراً ما يوصف بأنه «فيل في غرفة، وتعارض (حماس) المفاوضات التي يجريها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكن لهجتها تبدو لينة بشكل يدعو للاستغراب». ويقول أحمد يوسف، الذي يدير مركز أبحاث بيت الحكم، إنه من المفيد أن نعطي فرصة للرئيس الفلسطيني، واصفاً إياه بأنه «داهية سياسي». الآن «حماس» في وضع سيئ، وإسرائيل تصر على ممارسة الضغوط عليها من خلال الحصار. وقد تم قطع شريان الحياة لغزة من مصر، منذ الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي يوليو الماضي. ويعترف قيادي في الحركة بأن النتيجة كارثية، وقد أدى إغلاق الأنفاق تحت الحدود بالقرب من رفح إلى نقص في الأسلحة، والأهم من ذلك المال والسلع. في هذه الأثناء، ينتظر نحو 40 ألف موظف حكومي رواتبهم، التي لم تدفع بعد. ويعاني الكثير من سكان القطاع البالغ عددهم 1.8 مليون شخص ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانقطاع الكهرباء، التي لا تتوافر إلا لبضع ساعات في اليوم. ويتعرض قطاع البناء للشلل بسبب عدم وجود المواد الخام، في حين ارتفعت نسبة البطالة إلى 38٪، وكثرت الجريمة وانتشر التسول. وبات من الصعب مغادرة القطاع عقب إغلاق آخر معبر «إيريز» الحدودي وفتح معبر رفح لبضعة أيام فقط في الشهر. ويقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي نافذ عزام «إنها محاولة متعمدة، لإجبارنا على الاستسلام». أما أحمد يوسف، فيرى أن «الإسرائيليين يسمحون بمرور بعض الأشياء إلى القطاع لأغراض إعلامية، إنهم يرغمون الناس على اتباع حمية غذائية!». ويضيف المحلل السياسي «لن يصبح القطاع مثل الصومال، لكن سيعملون على إبقائنا نفكر دائماً في الطعام والكهرباء والمجاري وندرة السلع، وحتى لا نفكر في المسار السياسي والصراع مع إسرائيل أو اللاجئين وأهدافنا بعيدة المدى». في سياق آخر، لم تحقق جهود المصالحة بين «حماس» و«فتح»، التي يتزعمها عباس الكثير، بسبب معارضتها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. وتعتقد العضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، أن «حماس» «يجب أن تكون جزءا من النظام السياسي الفلسطيني»، لكنها تنحي باللائمة على تل أبيب والقاهرة اللتين حالتا دون حدوث تقارب. وقد يجبر انهيار الجهود الدبلوماسية الأميركية الحالية الأطراف الفلسطينية المتناحرة على دفن خلافاتها. يقول غازي حمد إن «عباس قطع على نفسه عهدا بأن يرجع لجميع الفصائل الفلسطينية، وأنا أتوقع أنه لن تكون هناك صفقة»، موضحا أن «كيري سيفشل عاجلا أم آجلا، إلا إذا أخذ في اعتباره جذور الصراع». تريد «حماس» وإسرائيل - على حد سواء - تجنب التصعيد، «لا يوجد لدى (حماس) أوهام»، كما يقول مسؤول إسرائيلي كبير «إنهم يفهمون أن هناك قواعد للعبة، وأن هناك عدم تسامح مطلقاً مع أي خرق لوقف إطلاق النار». لكن (أبوسعد) ورجاله لاعبون أيضا، وقد يكون هؤلاء أقل قلقاً بشأن العواقب. الامارات اليوم