"سور مجرى العيون" و"زقاق السلطان" و"الحارة الكبيرة" كلها أسماء لأماكن دباغة الجلود في منطقة مصر القديمة بقلب مدينة القاهرة، التي اشتهرت بهذه المهنة منذ ما يزيد على ألف سنة، وأصبحت في السنوات الأخيرة واحدة من أبرز الأماكن التي يحرص السياح على زيارتها للاستمتاع بمشاهدة حرفة يدوية لا تزال تمارس بالأساليب القديمة ذاتها. ورغم ما يعانيه الدباغون من مشكلات صحية تتعلق بطبيعة المهنة إلا أنهم ماضون على طريق الآباء والأجداد في ممارستها وصناعة الجلود منها. (القاهرة) - تضم منطقة المدابغ في منطقة مصر القديمة نحو خمسة آلاف عامل يتوزعون على 540 ورشة ومصنعا صغيرا، يعملون يوميا على استلام جلود الحيوانات بمجرد ذبحها وسلخها عن اللحم وتحويلها إلى منتجات من الجلد الطبيعي بين حقائب ومعاطف وأحذية وحافظة نقود وأحزمة. وهناك منتجات تتم صناعتها خصيصا وفقا لرغبات الزبائن حيث يحرص بعضهم على أن تحمل بعض المنتجات الجلدية رموزا تراثية وتاريخية من مراحل الحضارة الفرعونية والإسلامية والرومانية في مصر، ويتفنن الصناع بنقشها على الجلود لتحاكي ذلك الإرث التاريخي. مواسم الانتعاش حول مواسم انتعاش الدباغة، يشير مجاهد عبدالرحمن، الذي ورث مهنة الدباغة عن والده، ويعمل بها منذ كان طفلا في التاسعة من العمر، إلى أن عملية دباغة الجلود تتواصل على مدار العام حيث تعتمد غالبية المدابغ على ما يأتي من السلخانات والجزارين بعد ذبح الأبقار والجاموس، ولكن هناك موسما سنويا ينتظره أصحاب المدابغ وهو عيد الأضحى من كل عام حيث تكثر الذبائح ومعها تكثر جلود الحيوانات ما يهبط بأسعارها إلى النصف تقريبا لكثرة المعروض. ويوضح "في الأيام العادية نشتري جلد البقر والجاموس من السلخانة بأسعار جيدة ولكن تلك الأسعار تنخفض إلى النصف تقريبا في فترة عيد الأضحى ولمدة شهرين أو ثلاثة بعده لكثرة المعروض". ويؤكد سعد أبوزيد أن الدباغة صعبة ولا يتقن أسرارها إلا من التحق بها في سن صغيرة، ولذا فغالبية العاملين بها توارثوها عن آبائهم وأجدادهم. وهي تحتاج إلى أن يتمتع العامل بالصبر وقوة الملاحظة وحسن التصرف في المواقف الصعبة من واقع الخبرات التي تعلمها واكتسبها ممن سبقوه وأسرار المهنة كثيرة، وكل "دباغ" حريص على ألا تخرج أسرار ورشته بعيدا عن أفراد أسرته، ولا يأتمن إلا أبناءه وأقاربه عليها فيعلمهم ويعهد لهم دوما بإنجاز الأعمال المختلفة من تنظيف الجلد ودباغته وتفصيله. ... المزيد