مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    الإطاحة بوافد وثلاثة سعوديين وبحوزتهم 200 مليون ريال.. كيف اكتسبوها؟    - عاجل امر قهري لاحضار تاجر المبيدات المثير للراي العام دغسان غدا لمحكمة الاموال بصنعاء واغلاق شركته ومحالاته في حال لم يحضر    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    الهجري يترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للتحالف الوطني بعدن لمناقشة عدد من القضايا    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(عدن الغد) تفتح ملف ظاهرة تفشي المخدرات في عدن
نشر في الجنوب ميديا يوم 12 - 12 - 2012

لم أكن لأدرك أن سيارة الأجرة التي أوقفتها قبل أيام لتقلني من الشيخ عثمان إلى مسكني في المنصورة ستعرج بي قبل ذلك إلى غياهب عالم المخدرات الآخذ في التنامي مؤخرا بمدينة عدن.
فمنذ الوهلة الأولى لركوبي سيارة الأجرة أدركت أن سائقها الشاب في حالة انتشاء غير طبيعية، وبقليل من الكلمات المتبادلة فيما بيننا كشف لي بجرأة أدهشتني عن تعاطيه سيجارة حشيش وأعقبها بحبة من نوع جديد من الحبوب المخدرة انتشرت مؤخرا وأطلق عليها اسم (دموع باسندوة) ولها مفعول السحر، كما أخبرني ذلك الشاب الذي لم يتجاوز العشرين عاما.
ذلك الشاب مثله مثل الآلاف من شباب عدن وباقي المحافظات الجنوبية باتوا هدفا لهجمة شرسة تستخدم المخدرات لتدميرهم في ظل ما يعانونه من ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية قاسية بسبب حرمانهم من أبسط الحقوق المتمثلة بالعمل الكريم ما جعلهم لقمة سائغة لمن يقفون خلف هذا المخطط التدميري.
ومن أجلهم نقرع ناقوس الخطر بفتح ملف (المخدرات).
تحقيق/ محمد فضل مرشد:
طوال الطريق من الشيخ عثمان حتى المنصورة تحدث إلي سائق التاكسي الشاب عادل- الذي طلب مني مناداته ب(عدولي) كما يدعوه رفاقه- عن المخدرات المنتشرة بعدن معددا أنواعها وأسماءها وسعر كل نوع منها.
والغريب أنه كان يتحدث عن المخدرات دون خوف أو إحساس بالخطأ وكأنه يتحدث عن خضار أو فواكه، ولم يتوجس حتى من كونه يلتقي بي للوهلة الأولى، الأمر الذي استفزني ودفعني لسؤاله: ألا تخشى من هذا الحديث الذي قد يقودك إلى الوقوع بأيدي الأمن؟! ، واستفزني أكثر برده: "البلاد فالتو!".
جنة الشيطان
سألت عادل أو (عدولي): لماذا تتعاطى الحبوب المخدرة وسجائر الحشيش؟، فأجاب بسرعة: "أنا الآن بالجنة، وإذا تشتي أنت– يقصدني– باعطيلك حبة (دموع باسندوة) أو صاروخ بيخلوك في الجنة".
سألته مجددا: أيش حكاية (دموع باسندوة) وأيش الصاروخ؟، فرد: "الحبوب أنواع، وكل نوع يختلف مفعوله عن الثاني والنوع الجديد المنتشر الآن بين الشباب اسمه حبوب (دموع باسندوة) أما الصاروخ يعني سيجارة حشيش، وهذه الأيام الحشيش على كيف كيفك أحسن من زمان، أول كان يجيبوا حشيش أي كلام يا مغشوش أو تالف وغالي ما نقدرش نشتريه أما دحين يجيبوا أحسن الأنواع وبسعر رخيص".
صمت لثوان قليلة ثم استطرد قائلا وهو يشير بإصبعه السبابة: "صاروخين حشيش زي صبعي بألف ريال بس بتخليك تدخل الجنة على طوووول!!".
عالم المزاج
وصلت إلى وجهتي في المنصورة وأنا بعد لم أكتف من الحديث مع شاب في ربيع العمر يهوي بسرعة في غياهب عالم المخدرات، التي بدت آثارها المرضية تظهر بقوة على سلوكياته من خلال ارتعاش يديه واضطرابه وتلعثمه في الكلام وجحوظ عينيه.
ترجلت من تاكسي (عدولي) وأنا أدرك أن مشواري في كشف خبايا عالم المزاج القاتل لشباب عدن بدأ للتو، فآخر ما أخبرني به ذلك الشاب هو عدد من أماكن بيع المخدرات، وبالتأكيد سيدفعني الفضول الصحفي للذهاب لواحد أو أكثر منها لرصد ما يجري.
مخدرات.. عيني عينك!
دخول عالم المخدرات لشخص أبعد ما يكون عنه دون شك يتطلب الاستعانة بدليل على دراية بالأمر، ويفضل أن يكون ذلك الدليل ممن سبق لهم دخول هذا العالم المظلم.
الشاب وائل– وأكتفي بذكر اسمه الأول مراعاة للجوانب الاجتماعية– كان الدليل الأمثل، فقد سبق لهذا الشاب تعاطي الحبوب المخدرة (حبوب الهلوسة) وتدخين سجائر الحشيش لفترة من الزمن قبل أن يقلع عنها نهائيا بعد إدراكه آثارها المدمرة على صحته وعلاقاته الاجتماعية.
وائل الذي يقطن في مديرية المنصورة بمدينة عدن قال إن تعاطي الشباب للمخدرات يبدأ على سبيل التجربة بإيعاز من شلة الأصدقاء، ويوما تلو آخر تتحول إلى إدمان يصعب التوقف عنه إلا بكثير من الإرادة وفي الغالب بمساعدة الأهل وطبيب مختص.
وعبارة (شلة الأصدقاء) دفعتني لسؤاله: هل تعاطي المخدرات لا يزال محصورا في أعداد قليلة من الشباب أم أنه أصبح ظاهرة متفشية؟ وأترككم مع الإجابة المفجعة التي باح بها هذا الشاب العشريني.
يقول الشاب وائل: "شوف قبل سنة كان عدد متعاطيي المخدرات قليلا، أما دحين فعدد اللي يتعاطوا المخدرات أكثر من اللي ما يتعاطوها".
وأضاف قائلا: "من قبل كان من الصعب الحصول على شريط ديزبام مش مخدرات، أما دحين أشكال وأنواع من المخدرات تباع في كل منطقة وفي الشوارع، والمروجين يبيعوها عيني عينك قدام كل الناس ومش خايفين من أي حد لأن معاهم من يحميهم ولأن الأمن مش موجود".
قاطعته متسائلا: لا يعقل أن ترويج المخدرات يتم علنا وعلى مرأى ومسمع من الجميع؟!.
فأجابني وائل مؤكدا كلامه: "إذا تشتي تشوف بعينك بوريك".
فأجبته: موافق.
حقيقة مفجعة
لم يحتج الشاب وائل إلى كثير من الجهد أو الوقت لإثبات صحة كلامه، وكل ما تطلبه الأمر هو الانتقال من المنصورة إلى الشيخ عثمان.
حال ترجلنا من الحافلة التي أقلتنا إلى الشيخ عثمان ظننت أننا سنتوجه إلى مناطق أو أحياء متطرفة خارج المدينة، وسبب هذا الظن يعود إلى ما ترسخ في أذهاننا من الأفلام المصرية التي تصور لنا أن تجار المخدرات دائما ما يزاولون نشاطهم في المناطق المتطرفة كالعشوائيات بما يضمن لها الاختفاء عن عيون رجال الأمن أو لأن سكان تلك المناطق من غير المتعلمين القادرين على مواجهة المروجين أو على الأقل توعية الشباب بمخاطر المخدرات، لكن وجهتنا التي عرفتها لاحقا لم تكن تبعد عن فرزة (الشيخ – المنصورة) بالشيخ عثمان سوى أمتار معدودة.
بلغنا وجهتنا، والتي كما قلت سلفا بأنها لا تبعد عن فرزة (الشيخ – المنصورة) سوى أمتار وتقع تحديدا في أحد الشوارع الداخلية المجاورة لها، ولوهلة من الزمن لم أصدق ما أراه.. لكنها كانت الحقيقة الماثلة للعيان على النحو التالي:
- بناصية الحارة يجلس شخصان أحدهما في أربعينيات العمر والآخر في منتصف العشرينيات يخزنان القات وبحوزتهما كمية متنوعة من المخدرات!!.
- شباب يتوجهون إلى بائعي المخدرات بشكل علني، ويعاينون البضاعة (حبوب أو حشيش) أيضا بشكل علني، يفاصلون في السعر المطلوب ويدفعون النقود وينصرفون.. أكرر (بشكل علني) بناصية الشارع وعلى مرأى ومسمع وبعلم بذلك كل من يقطنون ذلك الحي أو يمرون عبره.
- مروجا المخدرات لم يكونا محروسين بمسلحين أو بلطجية لتحذيرهم من رجال الأمن أو لمنع القاطنين في الحي من الاعتراض على ما يقومان به بل كانا يبيعان ويروجان المخدرات بمفردهما دون خوف أو وجل على الإطلاق، الأمر الذي يرسم علامة (؟) كبيرة.
- مروجا المخدرات لم يكونا مجهولا الهوية بل يعرفهم كل من في الحي.
- قسم الشرطة القديم في الشيخ عثمان يقع على مقربة من ذلك الحي الذي يتخذه مروجا المخدرات مقرا لنشاطهم منذ فترة طويلة.
شوارع تغزوها المخدرات
شكرت وائل وقفلت راجعا لوحدي من الشيخ عثمان إلى المنصورة سيرا على الأقدام، وفي الطريق ضربت لي الصدفة لقاء مع صديق لي يدعى أمجد عبدالواحد، من أبناء الشيخ عثمان، وفي خضم حديثنا أخبرته بسبب قدومي إلى الشيخ عثمان فضحك للحظة، ثم طلب مني مرافقته ليريني الأسوأ مما سبق وشاهدته.
وهذه المرة لم تكن الوجهة شارعا داخليا أو حيا خلفيا بل كان الشارع الرئيسي المؤدي إلى الشيخ عثمان وتحديدا (جولة القاهرة).. فهل تتصوروا أن موقعا مكشوفا كهذا قد يتم فيه ترويج المخدرات؟!.
نعم.. هي الإجابة التي رأيتها على أرض الواقع، فعلى رصيف الشارع المحاذي للجولة كان مروج المخدرات الذي يبدو في مطلع الثلاثينيات من العمر يجلس براحة واضحة وبحوزته كيس بلاستيكي، ولم تمض سوى دقائق حتى جلس إلى جانبه شاب آخر وناوله النقود فناوله المروج المخدرات فيما عشرات من المارة كانوا يعبرون الشارع ذاته حينها.. لماذا يحدث ذلك؟ لماذا لا يضبط؟ والسؤال الأهم: لماذا يجلس مروج المخدرات بأمان فيما نحن المواطنين افتقدنا إلى الأمان؟!.
مافيا المخدرات
ودعت صديقي وواصلت طريقي ليس إلى المنصورة وحسب بل وإلى مزيد مما بات يعتمل في مدينتنا الحبيبة عدن من تدمير للشباب بأشد أنواع الأسلحة فتكا (المخدرات).
وهو ما كشفت عنه الأيام القليلة التي تلت ذلك، فمن لقاء شاب إلى لقاء آخر، والتوجه مع هذا إلى وجهة في إحدى مناطق عدن والتوجه مع ذاك إلى وجهة أخرى، اتضحت صورة غاية في البشاعة مع ما تحمله من حقيقة أن ترويج المخدرات بات منتشرا على نطاق واسع في مختلف مناطق عدن، وأن الحصول على المخدرات بأنواعها المختلفة أصبح بسهولة الذهاب إلى المخبز وشراء رغيف الخبز، وأن هناك فئة جديدة آخذة في الظهور في مدن عدن أشبه ما تكون بمافيا وتتمثل في مروجي المخدرات، الذين باتوا ما بين ليلة وضحاها يمتلكون السيارات الفارهة والأموال الطائلة وبنادق الكلاشينكوف والمرافقين بدون وجود مصدر معروف لهذه الثروة التي هبطت عليهم من السماء!!.
حقائق نكشفها
تحقيقنا لم ينته بعد، فالحلقة الثانية من ملف تفشي المخدرات في عدن ومحافظات الجنوب بشكل عام ستقف على حقائق ووقائع ورؤى ناشطين شباب ومبدعين من أبناء عدن رصدوا جوانب هذه الظاهرة القاتلة، والبعض منهم سبر غورها بل وشارك بجهود أهلية في ضبط مروجين للمخدرات وكشف جانب من الأسرار الخفية لهذا العالم المظلم الذي يراد الزج بنا في غياهبه.
لا شك في أن ظاهرة انتشار المخدرات في عدن وباقي المحافظات الجنوبية قد باتت هما يؤرق المواطنين، ويدفعهم إلى التساؤل المشروع حول كيفية وصول الكميات الكبيرة من مختلف أنواع المخدرات وترويجها بين أوساط المراهقين والشباب بأسعار زهيدة؟ ومن يقف وراء تجار ومروجي المخدرات ويسهل لهم تنفيذ هذه الجريمة البشعة؟ ولماذا لا تنفذ حملات أمنية لضبط أولئك المجرمين وكف أذاهم عن المجتمع؟!.
أسئلة تمتد لتطال كافة الجهات ذات العلاقة بإدارة وتسيير شؤون المحافظات الجنوبية وتضعها في دائرة الاتهام طالما أنها تغض الطرف وتلزم الصمت إزاء هذه الحملة التدميرية لشباب الجنوب بسلاح المخدرات الفتاك.
وفي ما يلي نستعرض في الحلقة الثانية من التحقيق آراء وتقييم ناشطين شباب ومبدعين حول هذه القضية الخطيرة.
مخطط تدميري
يؤكد الناشط الجنوبي محمد العبادي أن ظاهرة انتشار وترويج المخدرات في عدن خاصة والمحافظات الجنوبية عامة مخطط منظم تشرف عليه جهات ذات نفوذ كبير.
قال الناشط العبادي: "برزت في الأشهر الأخيرة ظاهرة ترويج المخدرات بمختلف أنواعها في عدن والمحافظات الجنوبية، ومن خلال متابعتنا لهذه الظاهرة الخطيرة انطلاقا من مسؤوليتنا كناشطين جنوبيين نرفض كافة الظواهر السلبية التي تصدر إلى عدن وأبناء الجنوب كافة بهدف الإضرار بهم، فقد تأكد لنا بأن ما يحدث هو مخطط منظم لتدمير شباب الجنوب بالمخدرات التي تضخ بكميات كبيرة وتروج بأسعار متدنية بين أوساط الشباب".
وأضاف العبادي: "تفاقم ظاهرة المخدرات في عدن مؤخرا دون شك تقف خلفه جهات وشخصيات ذات نفوذ كبير وإلا لما وصلت كل هذه الأنواع من المخدرات بهذه السهولة والأسعار المتدنية ولما تجرأ المروجين على تسويقها في المدن والأحياء والشوارع دون خوف من حسيب أو رقيب وكأنهم يحضون بحماية تحول بينهم وبين الوقوع في قبضة القانون".
وأكد أن "غياب الدور الأمني إزاء ظاهرة انتشار المخدرات قد دفع باللجان الأمنية الشبابية في عدن إلى التصدي إلى مروجي المخدرات وضبط عدد منهم وكميات من المخدرات التي كانت بحوزتهم وتسليمهم إلى الجهات الأمنية، والتي كان واجبا عليها الاضطلاع بهذه المهمة كونها مسؤولة عن ضبط المجرمين فما بالنا بمروجي المخدرات الذين يهدمون مجتمعا ويقضون على جيل بأكمله".
ودعا الناشط محمد العبادي كافة أبناء عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى إلى الوعي بخطورة المخدرات وضررها المذمر عليهم، ووجوب التصدي لكل من يروج المخدرات بكافة أنواعها وسرعة الإبلاغ عنه.
نافذون فوق القانون
من جانبه كشف الإعلامي والناشط الجنوبي لطفي محمد عبدربه عن وقائع تؤكد فداحة مخطط استهداف أبناء عدن والمحافظات الجنوبية بشكل عام بالمخدرات.
وأوضح الناشط لطفي قائلا: "انتشار ترويج المخدرات في عدن ومحافظات جنوبية أخرى ليس عملا فرديا يقوم به عدد من تجار المخدرات وهدفهم الأول والأخير هو جني الأموال الطائلة التي تذرها هذه التجارة أو بالأحرى الجريمة القذرة لارتفاع أسعار المخدرات إلى حد خيالي، وهذا ما هو موجود في دول أخرى تعاني من آفة المخدرات، لكن ما يحدث حاليا في عدن ومنذ عام تقريبا هو مخطط تنفذه جهات تمتلك القوة والنفوذ بما يمكنها من جلب كميات ضخمة من المخدرات بمختلف الأصناف وإدخالها إلى الجنوب وترويجها بشكل واسع بأسعار أقل بكثير من قيمتها كونها لا تبحث عن ربح مادي بل تنفذ مخطط لتدمير أبناء الجنوب والزج بهم في غياهب الضياع، وما يؤكد هذه الحقيقة هو الصمت المطبق من قبل المسؤولين اليمنيين تجاه تفشي ظاهرة ترويج المخدرات في الجنوب على الرغم من أنها أصبحت ظاهرة مكشوفة للقاصي والداني".
وأضاف: "نحن كأبناء لهذا المجتمع وكناشطين جنوبيين قمنا خلال الأشهر الماضية بتكليف اللجان الأمنية الشبابية برصد ظاهرة المخدرات في مدينة عدن، وقد أفضى ذلك عن ضبط مروجي مخدرات وهم متلبسين بتوزيع كميات من المخدرات وأخرها ضبط مروجي مخدرات الشهر الماضي في مديرية المنصورة وبحوزتهم كمية كبيرة من مخدر الحشيش، وكل هذه الجهود التي نفذها الشباب بجهود ذاتية كشفت عن وقائع خطيرة تؤكد بأن ما يحدث هو مخطط لتدمير شبابنا، فالجهات التي تقف وراء هذا المخطط القذر لم تكتفي بتسويق المخدرات بأسعار منخفضة جدا بل قامت أيضا باستقطاب عدد كبير ممن باعوا أنفسهم للشيطان وتحويلهم إلى مروجين للمخدرات بعد أن منحتهم السيارات الجديدة والأموال الطائلة ونشرتهم في الأحياء والشوارع لتضمن نجاح مساعيها في تدمير أكبر عدد من شباب عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى".
واختتم الإعلامي والناشط الجنوبي لطفي محمد عبدربه بقوله: "نثق في أن الأخلاق والقيم الحميدة التي تربى عليها أبناء عدن ستمكنهم من إفشال هذا المخطط والتصدي لمروجي المخدرات وفضح من يقفون ورائهم".
مخدرات شبه مجانية!؟
مخدرات بمائتي ريال لا غير أليس أمرا مريبا؟! سؤال استهل به الناشط الشبابي نبيل أبوبكر محفوظ حديثه.
يقول الناشط نبيل: "عندما يصبح سعر المخدرات مساويا بل وأقل من سعر علبة السجائر يبات جليا بأن شباب الجنوب يتعرضون لهجمة شرسة باستخدام المخدرات".
وأضاف قائلا: "يتم حاليا في عدن وباقي المحافظات الجنوبية ترويج واسع للمخدرات، وما نتحدث عنه في هذه الفترة ليس الحبوب المنومة كالفاليوم والديزبام التي كانت تروج من سابق بل تعداه إلى أخطر أنواع المخدرات المعروفة في العالم وهي حبوب الهلوسة، والتي لا تلبث أن تدمر من يتعاطها خلال زمن قصير وتدفعه إلى السلوك العدواني والإجرامي أو تحوله إلى مختل عقليا".
واستطرد نبيل قائلا: "وما يؤكد أن ما يتعرض له شبابنا مخطط إجرامي هو ترويج الحبوب المخدرة بأنواع وأصناف مختلفة بأسعار متدنية للغاية مقارنة مع أسعارها الباهظة في دول على مقربة منا، وقد بلغ سعر أنواع خطيرة من تلك المخدرات مائتين ريال فقط للحبة الواحدة، الأمر الذي يكشف عن الوجه البشع لهذا المخطط الذي يستهدف أبناءنا وأخوتنا والمجتمع بشكل عام حتى لا تقوم لنا قائمة".
الناشط الجنوبي نبيل أبوبكر محفوظ اختتم حديثه بنداء وجهه إلى كافة أولياء الأمور في عدن والمحافظات الجنوب لمزيد من اليقظة والرعاية لأبنائهم حتى لا يقعوا فريسة لمروجي المخدرات.
أموال طائلة وسيارات فارهة
القيادي في الحراك الجنوبي أديب محمد العيسي كشف بدوره عن أبعاد القضية قائلا: "لقد قام شباب عدن خلال الفترة الماضية بعدة حملات على مروجي المخدرات، والذين بعد ضبطهم ومعرفة هوياتهم وإفاداتهم تبين أن الغالبية العظمى منهم من خارج عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، كما تبين أن من قام بتزويدهم بالمخدرات والسيارات والأموال هم شخصيات نافذة بهدف تدمير شباب الجنوب".
وأضاف أديب العيسي قائلا: "إن هذا المخطط ينفذ من قبل جهات وشخصيات نافذة في النظام اليمني في ضل صراعها المحموم مع جهات وقوى أخرى في نظام صنعاء على السلطة، ونحن كأبناء الجنوب قد عانينا ومانزال نعاني من النظام الغاصب لكل حقوقنا المشروعة، والذي فرض علينا تحت مسمى الوحدة الحكم العسكري والمسؤولين عن هذا الحكم هم من يتحملوا مسؤولية ما يتعرض له الآن شباب الجنوب من مخطط تدميرهم بالمخدرات".
وأختتم القيادي في الحراك الجنوبي أديب محمد العيسي بالقول: "مهما بلغت شراسة هذه الهجمة من قبل المتنفذين في صنعاء فنحن نعول على قيم وثقافة وأخلاق أبناء الجنوب كافة وعدن خاصة في إفشال هذا المخطط كما تصدوا للمخططات السابقة وأفشلوها بدءا من مخطط وصمهم بالإرهاب وحتى مخطط اتهامهم بالعصابات المسلحة، وعدن حاضرة الجنوب وعاصمته الأزلية كانت وستظل منارة تشرق بالحضارة والمدنية والثقافة والتسامح على العالم أجمع رغم الحاقدين، والذين نقول لهم:
عدن وإن عبث بها الدهر .. عصية أبية لن تنحني".
الإبداع في مواجهة الهدم
آخر من التقينا بهم في هذا التحقيق عن ظاهرة المخدرات في عدن ومحافظات الجنوب هو فنان ومبدع من أبناء عدن كرس جل جهده ووقته لانتشال النشء والشباب من براثن الظواهر السلبية التي تصدر إلى عدن عن سابق إصرار وتعمد.
يقول لبيب توفيق عبدالسلام، مدير مركز عدن للفنون: "يؤسفنا جدا ما يتعرض له أبناءنا وشبابنا في مدينة عدن والجنوب كافة من هجمة مدمرة تتمثل في ترويج عير مسبوق للمخدرات بأنواع هي الأشد تدميرا وفتكا بالشباب وبأسعار منخفضة تجعلها في متناول حتى الأطفال في ضل انتشار المروجين في كل حدب وصوب دون حسيب أو رقيب من قبل الأجهزة الرسمية ذات العلاقة، وبدلا من تقديم الرعاية للنشء يقدم لهم الدمار".
وأضاف هذا الفنان والمبدع، الذي سخر نفسه لرعاية مواهب النشء وتنميتها دون مقابل يذكر، قائلا: "ما يتعرض له شباب عدن وأطفالها يضع الجميع في هذه المدينة وكذلك الأمر في المحافظات الجنوبية الأخرى أمام مسؤولية كبيرة وأمانة ملقاة على عاتقهم بالمبادرة كل حسب موقعه وعمله إلى توعية النشء بمخاطر المخدرات القاتلة وإرشادهم بسبل تجنبها وتجنب كل من يروجون لها وأخبار الأهل بهم، وعلى الأسرة أيضا القيام بدورها في رعاية أبناءهم على النحو الأمثل، ومراقبة الأصدقاء المحيطين بهم لتجنيبهم أصدقاء السوء، وعدم إغفال الطرف عنهم".
وعن دور مركز عدن للفنون قال: "يهدف المركز إلى انتشال الأطفال والشباب من البؤر الفاسدة التي أوجدها عدم توفر المنشآت الترفيهية الصحية، ونقوم في المركز باكتشاف المواهب الفنية والإبداعية لدى النشء وتنميتها وصقلها من خلال التعليم والتدريب مما يحولهم إلى مبدعين سيقدموا في المستقبل الكثير من العطاء لمجتمع، كما أن شغل وقت فراغهم بتنمية مواهبهم يكفل تجنيبهم من الظواهر السلبية التي تتربص بهم في الشوارع والأحياء وأخطرها ظاهرة ترويج المخدرات، ونؤكد بأن الباب مفتوح أمام كل من يرغب في مشاركتنا هذا المشروع الهادف لتوسيع شبكة المستفيدين منه من أبناءنا في عدن الحبيبة".
رسالة مفتوحة..
انتهى حديثنا، لكن العمل قد بدأ للتصدي لهذه الهجمة الشرسة.. للتصدي لمروجي المخدرات ومن يقفون ورائهم، فأبناءنا أغلى ما نملك وحتما جميعنا مسؤولين عن حمايتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.