مقالات مواجهة الإيديولوجية المتطرفة ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 10/03/2014 انطلقت أمس في أبوظبي أعمال المنتدى العالمي "تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، بمشاركة ما يزيد على 250 عالماً ومفكراً إسلامياً من مختلف أنحاء العالم، ومن المقرر أن يواصل العلماء بحث المحاور اليوم، للخروج بتصورات وقرارات تسهم في نزع فتيل التطرف الذي يجتاح المجتمعات الإسلامية ويهدد بانفجارها . والمنتدى مساهمة جليلة من دولة الإمارات العربية المتحدة لمواجهة العنف غير المبرر الذي تنتهجه الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تريد العودة بالمجتمعات إلى عصور الفتنة والطائفية والمذهبية، وتتركه نهباً للفوضى والتناحر، كما يحدث حالياً في سوريا، من نزاعات بين الجماعات الإسلامية المسلحة تشحنها فتاوى التكفير لبعضهم بعضاً، ما يؤذن بالمزيد من هدر دماء المسلمين لتحقيق أغراض بعيدة عن روح الإسلام السامية . سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية دولة الإمارات قال في تصريحات نشرت الشهر الماضي "إن منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة دعوة صادقة من أجل النقاش الجاد والبحث عن حلول لما تواجهه الأمة من مشاكل مستمرة وصلت إلى درجة غاية في الخطورة يدفعها فكر متطرف لا يراعي حرمة الدماء، ومواجهة ذلك لا تتم إلا بفكر معتدل من خلال التعاون مع علماء المسلمين ومفكريهم وحكمائهم ليكون المنتدى نقطة الانطلاق لتضافر الجهود وتدارك تفاقم الأوضاع وحصار الأفكار المظلمة"، وكشف أن "هذا المنتدى سيكون خطوة أولى من جملة خطوات مقبلة ستقوم بها دولة الإمارات لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في المنطقة خاصة والعالم عامة" . ويتضح من خلال المحاور التي يناقشها المنتدى حالياً جدية ترسيخ الاعتدال وتأكيد حقوق الإنسان ونشر قيم التسامح والتعايش، إذ يناقش المحور الأول وفق بيانات المنتدى "موضوعات القيم الإنسانية الكبرى كالحق في الحياة وكرامة الإنسان والحرية والمساواة والعدل، وضرورة احترام هذه الحقوق ومراعاة ثقافة الاختلاف وترسيخ أهميتها وإقامة الجسور بين مختلف الشعوب والأمم للعودة إلى قيمة الإنسان بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو الدين" . بينما يناقش المحور الثاني "أهمية وضرورة تصحيح المصطلحات والمفاهيم التي أصبحت بعض طوائف الأمة تتذرع بها إلى إثارة الفتن واستحلال الدماء المعصومة والأموال المصونة، مما يلزم العلماء وأهل الفكر والسياسة في المجتمعات المسلمة اليوم العكوف على دراسة هذه المفاهيم وتمييز الفهم الأصيل المنبثق من مقاصد الشريعة وقواعدها الكبرى وتجربة الأمة الإسلامية في أفضل أجيالها"، ويناقش المحور الثالث، "المخاطر والآثار الناجمة عن انحراف الفتوى عن مقاصدها ووظائفها في المجتمعات والتجمعات الإسلامية، خاصة في زمن الفتنة وغموض الرؤية والتباس الحق بالباطل، وبيان المسؤولية الشرعية وتضمين المفتين عن فتاويهم أو الدعاة الذين قد يسهمون في نشر عدد من الفتاوى يقتنعون بها ويتبنونها" . أما المحور الرابع فينظر في كيفية إسهام الإسلام والمسلمين في تحقيق السلم العالمي، "ذلك أن رسالة الإسلام في الأساس قدمت للإنسانية قيما نبيلة ومبادئ سامية في خدمة السلم بين الدول والشعوب حتى في الأزمنة التي كانت الحروب والصراعات تكاد تكون فيها هي القاعدة في العلاقات الدولية" . وفي تصريحات أخرى نشرت في السادس من مارس/ أذار الحالي، قال سمو وزير خارجية الإمارات، راعي المنتدى: "إنه ومن خلال الدراسات الإسلامية السليمة والمبنية على مبادئ وقيم صحيحة متعارف عليها سيبين أن الإيديولوجيات المتطرفة أشعلت الصراع الطائفي، وتسببت في تصاعد الإرهاب والتحريض المتزايد على العنف، كما تسببت في استقطاب العالم الإسلامي وزعزعت الاستقرار فيه وشوهت صورة الإسلام" . وهناك اتفاق عالمي على أن التطرف وصل إلى مرحلة الاستفحال، وبات يهدد سلم المجتمعات العربية والأجنبية، نظراً لعودة المتطرفين إلى بلادهم أو أماكن إقامتهم، وإعلانهم تهديدات للقيام بعمليات تخريبية تستهدف المواقع الحساسة والتجمعات البشرية، فأطلقت دول عربية وأجنبية تصريحات واتخذت مواقف بشأن هؤلاء، فمنها من هدد بسجن المتورطين، ومنها من هدد بسحب الجنسيات . ويبدو أن الحرب الدائرة في سوريا، التي جذبت آلاف المتشددين من غير السوريين هي التي دقت ناقوس الخطر في المجتمع العالمي أجمع، وفي تصريحات لوليام بيرنز، نائب وزير الخارجية الأمريكي، نشرتها وسائل الإعلام الأسبوع الماضي قال إن الحرب الدائرة في سوريا منذ ثلاث سنوات أصبحت جاذبة للمحاربين الأجانب، الأمر الذي يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي، وإن الحرب السورية التي تسببت في مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص تجر المنطقة إلى الفوضى العارمة . إن مواجهة الإرهاب والتطرف يمكن أن تكون بالتصريحات والمؤتمرات والمنتديات وترسيخ الفكر الداعي إلى محاربة التشدد وتشجيع الوسطية واحترام ثقافات ومعتقدات الآخرين، لكنها ليست كافية، بل لا بد من تجفيف منابع التمويل وتصدير الأسلحة وملاحقة المتورطين في تجنيد الأشخاص للقتال في سوريا وغير سوريا، فقد سكت العالمان العربي والأجنبي على مدى ثلاث سنوات عن تدفق المقاتلين المتشددين إلى سوريا، ولكنه الآن يستيقظ دفعة واحدة لاكتشافه أن هؤلاء لا يمكن أن يحملوا قيم الديمقراطية وثقافة السلام والاعتراف بالأعراق والديانات الأخرى، ولا تزال عقولهم أسيرة لماضٍ بعيدٍ يختلف في تكوينه وحيثياته عن الحاضر، بل إنه الماضي أو السلف . الذين يستأنسون به لم يمارسوا ما يفعله المتطرفون اليوم، ولهذا، فإن المواجهة يجب أن تكون فكرية لوقف استقطاب المزيد من الشباب للقتال والانضمام إلى الجماعات المتطرفة، وتنظيم المزيد من المؤتمرات لمواجهة السلفية الجهادية خاصة التكفيرية، التي تريد (تصحيح مسار الإسلام) استناداً إلى مفاهيمها التي تخلق النزاعات بين الطوائف والمذاهب والأديان، وتقسّم المجتمعات وتنشر الكراهية ولغة الدم بين أبناء المجتمع الواحد . إن على وسائل الإعلام تحمّل مسؤولياتها بجدية، وأن تنضم إلى الجهود الرامية إلى مواجهة الفكر التكفيري، من خلال تكثيف البرامج المبنية على المنطق وليس على اللغة الإنشائية، وأن تسلط الضوء على قيم التعايش والتسامح، والابتعاد عن الترويج للتفاهة وبرامج العري والسطحية، لأنها تلعب دوراً في تكوين التطرف رفضاً للتجاوزات الكثيرة التي تعج بها وسائل الإعلام، فمواجهة الفكر التكفيري لا يكون باستبداله ببرامج إباحية وسطحية تهدف إلى تمييع الشباب وتحطيم البنى المجتمعية، ولهذا، لا بد من إعادة هيكلة الأفكار والاستراتيجيات وتحديد أولويات جديدة تختلف اختلافاً كبيراً عما يبثه العديد من الفضائيات، إضافة إلى ذلك، لا بد من إعادة النظر بالفضائيات المتطرفة التي تنتشر بكثرة في الفضاء المفتوح، ولا ضرر من إقفالها ومحاسبتها بتهمة تهديد السلم المجتمعي، لما تبثه من أفكار تشحن البسطاء وتؤلبهم على إخوتهم في الدين والوطن واللغة . إن المنتدى الذي ينتهي اليوم في أبوظبي خطوة أولى ستتبعها خطوات أخرى، كما أشار سمو وزير خارجية الإمارات، ومن الضرورة بمكان ترجمة القرارات والتوصيات إلى واقع ملموس، لأن التطرف أصبح واقعاً ولم يعد مجرد فكر يتحرك في الخفاء، بل انتقل من السر إلى العلن، يحمل سلاحاً فتاكاً، وخطره أصبح أشد وأكبر في هذه المرحلة، وأكثر من أية مرحلة أخرى . د . عبدالله السويجي الخليج الامارتية