هناك هوة سحيقة بين تفسير الجمهورية الإسلامية ومجموعة الدول الست لفقرات الملف النووي المطروح على طاولة المحادثات، بما في ذلك مستوى التخصيب ومستقبل موقع فردو ومفاعل أراك وقرارات مجلس الأمن الدولي ضد طهران. طهران (فارس) بعد أن تحقق اتفاق بين الجمهورية الإسلامية ومجموعة الستة حول الملف النووي بدأت مرحلة شاملة جديدة من المحادثات لضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني - حسب زعم الغرب - وكذلك لأجل تحقيق اتفاق حول تخصيب اليورانيوم ورفع الحظر المفروض حسب رغبة طهران. إذن مداولات فيينا قد وضعت إطاراً عاماً للمحادثات المقبلة وهي خطوة أولى لاستئناف مفاوضات نووية شاملة ونظراً لكثرة المواضيع المطروحة فيها وتعقيدها وجراء الخلافات بين الجانبين فليس من المتوقع أن تكون خطوة نهائية. وما يحظى بأهمية بالغة بالنسبة للغرب بشكل عام والولاياتالمتحدة بالتحديد هو تحديد نطاق تخصيب اليورانيوم والتقليل من قدرات طهران النووية حيث ينتابهم الشك في مدى سلمية هذا البرنامج دون أي مبرر لذا ينبغي للجمهورية الإسلامية قبول قيود عديدة بما فيها الإشراف الدولي لأجل خلق الثقة لدى الطرف المقابل ولكن الهوة بين توجهات طرفي الحوار سحيقة للغاية فعلى سبيل المثال هما غير متفقين على مستقبل منشأة فردو ومفاعل أراك للمياه الثقيلة. فالجمهورية الإسلامية قد أنفقت الكثير على هذه المشاريع العملاقة لذلك ليس من السهل لها التخلي عنها لأن ذلك يعني إهدار للثروة الوطنية. فضلاً عن ذلك هناك اختلاف حاد بين طهرانوواشنطن على مستوى العلاقات الثنائية والأحداث الإقليمية والدولية بحيث يفوق نطاق الخلاف النووي ويمكن القول إن الخلاف النووي هو من الأساس وليد لهذه الخلافات المتجذرة والعكس ليس بصحيح. وعلى الرغم من أن الدكتور جواد ظريف قد صرح بأن الجمهورية الإسلامية لا ترغب في أن تتجاوز المحادثات النووية النهائية حدودها ولا تشمل ملفات أخرى لكن البيت الأبيض أفحم قضية الصواريخ البالستية في أروقة الحوار وطالب بدرجه على قائمة المحادثات إضافة إلى أنه طالب بإقحام الملف السوري وحزب الله وحماس لتصوير إيران بأنها داعمة للإرهاب - حسب زعمهم - وعلى هذا الأساس فإن مستقبل هذه المحادثات مبهم وهناك مراحل شاقة لا يمكن تجاوزها بسهولة. أما أهم المواضيع المطروحة على طاولة المباحثات فهي عبارة عن: 1) تضييق نطاق تخصيب اليورانيوم هذه المسألة تعد من أهم المسائل المطروحة على طاولة المباحثات وقد أصبحت ذريعة للغرب للتهجم على الجمهورية الإسلامية وهي مسألة حساسة للغاية وقد تجعل الطريق مظلماً في المحادثات المقبلة لأن طهران جعلت خطوطاً حمراء في هذا الصدد بما في ذلك التخصيب بنسبة لا تقل عن 5 بالمائة وعدم تعطيل مفاعل فردو بإشراف منظمة الطاقة الدولية بينما الجانب الآخر يصر على تقليل عدد أجهزة الطرد المركزي وتحديد تخصيب اليورانيوم بنسبة 5 بالمائة والتقليل من كفاءة أجهزة الطرد المركزي لذا يمكن القول إن أكبر تحدٍّ في المرحلة المقبلة هو طرح وجهات نظر متشابهة للتخصيب. 2) مفاعل أراك للمياه الثقيلة رغم أن الغرب قد ركز اهتمامه منذ البداية على نشاطات تخصيب اليورانيوم وتخزينه في داخل إيران إلا أن تطور مفاعل أراك النووي قد دخل على الخط وأثار سخطهم حيث ترى الولاياتالمتحدة أن تعطيل هذا المفاعل لا بد وأن يكون من البديهيات فضلاً عن تعطيل موقع فردو بالكامل إلا أن الجمهورية الإسلامية لا ترضى بهذه الشروط وتصر على مواصلة برامجها تحت إشراف دولي وبنطاق يتم الاتفاق عليه وقد صرح رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي بأن طهران قد تغير تصميم مفاعل أراك النووي لرفع القلق الدولي بشأنه لذا من الممكن استخدامه مستقبلاً لأغراض أخرى، وهذا المقترح يحظى بأهمية بالغة في المحادثات المقبلة. 3) إلغاء الحظر المفروض بكل تأكيد فإن أهم ما تطالب به الجمهورية الإسلامية اليوم هو رفع الحظر الجائر المفروض عليها سواء الدولي أم الأمريكي فهي تدعو إلى إلغائه بالكامل في البيان النهائي للمحادثات وبما في ذلك الحظر النووي الذي فرضه مجلس الأمن الدولي واسترجاع أموالها المجمدة في الخارج والتي تبلغ 100 مليار دولار في مختلف البنوك الدولية لذا يجب أن تتمخض المحادثات عن اتفاق مشترك وشامل. وبالتأكيد فإن إلغاء الحظر الغربي الأمريكي الجائر من شأنه إقناع طهران بتقديم تسهيلات في محادثاتها ومرونة أكثر لكونها لا تقبل بتقديم تنازلات دون مقابل رغم أنها لم تنقض أي قانون دولي ولم تتعد على أية معاهدة. 5) إعادة النظر في قرار مجلس الأمن الدولي لقد أصدر مجلس الأمن الدولي لحد الآن خمسة قرارات ملزمة ضد الجمهورية الإسلامية تحت مظلة الفصل السابع وذلك حول البرنامج النووي المختلف عليه وهي القرارات المرقمة: 1737، 1747، 1803 ، 1835 ، 1929 ويرى الغرب أن هذه القرارات ملزمة لكن طهران تؤكد على أنها ليست قانونية وتتعارض مع القوانين الدولية لأنها تجيز استخدام القوة العسكرية ضدها دون أي مبرر شرعي وهذا الأمر قد استغلته الأوساط الأمريكية لتهديدها. فواشنطن تزعم أن النشاطات العسكرية الإيرانية في صناعة الصواريخ البالستية التي القدرة على حمل رؤوس نووية لذلك تطالب بإقحام هذا الملف ضمن المحادثات حول الملف النووي وتضيف إلى ذلك ملفات سوريا وحزب الله وحماس بذريعة دعم الإرهاب. 5) البرنامج الصاروخي الإيراني هناك خلافات عميقة بين واشنطنوطهران في مجال العلاقات الثنائية على ثلاثة مستويات هي العلاقات الثنائية والمصالح الإقليمية والأسس المتبناة بحيث لا يمكن القول إن الخلاف يتمحور حول الملف النووي. والواقع أن الخلاف النووي ناشئ من تلك الخلافات القديمة مما يؤدي إلى استمرار التضاد بين الجانبين لمدة أطول لأن الجمهورية الإسلامية تتبنى أسس أخلاقية مثالية ولا ترضى بالظلم والجور لأي شعب أو بلد في العالم وهذا ما لا يرضي واشنطن وحلفاءها لأنهم الرواد في ساحة الظلم الدولي والعدو اللدود للمقاومة النزيهة والحركات التحررية. إذن، يمكن القول إن أهم إنجازات تم تحقيقها في محادثات فيينا هو الاتفاق على برنامج شامل لتعيين الإطار العام للمحادثات لأن تعيين نطاق محدد يعتبر الخطورة الأولى للتوصل إلى حل نهائي ودرج الأولويات على القائمة المطروحة على طاولة المحادثات على أساس المصالح المتبادلة وبالطبع هناك مواضيع عديدة يختلف تفسيرها من قبل الجمهورية الإسلامية ومجموعة الستة والتي قد تطيل زمان الحوار المتبادل ولربما تعتبر العائق الأساسي لحل الملف نهائياً لذا يجب على الشعب الإيراني دعم فريقه المفاوض كي يحفظ مصالحه الوطنية. بقلم الباحث: عبد الله مرادي وكالة انباء فارس