علي الرشيد رغم تصريحاته الإعلامية المستنكرة لجرائم النظام السوري فإن الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي لم يقم بأي أمر جديّ لثني هذا النظام عن جرائمه المتواصلة منذ أكثر من عشرين شهرا، كما لم يقدم أي دعم ذي بال للحراك الثوري السوري، بما في ذلك الأسلحة النوعية، التي هي أضعف الإيمان، بينما كان النظام الأسدي ولا يزال يحظى بكافة أشكال الدعم من حلفائه خصوصا الروس والإيرانيون، والأحزاب التي تدور في فلك الأخيرين، بما في ذلك الدعم بالسلاح والعتاد والمقاتلين. التقاعس الغربي الذي اكتفى بدور المتفرج على ما يحدث في سوريا من جرائم بشعة وانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان، وإحجام عن دعم الثورة السورية يقف وراءه جملة أمور لعل من أهمها: الخشية من انتصار وسيطرة ما يسمونها بالجماعات الجهادية المنضوية في إطار الحراك الثوري، والمتطرفين الإسلاميين على سوريا المستقبل، حيث جرى التخويف والتحذير منها ومن نشطائها بصورة مباشرة وغير مباشرة، وصولا إلى السعي للتفكير بإدراج جبهة النصرة على لائحة المنظمات الإرهابية أو الداعمة للإرهاب. استقرار المنطقة وادعاء الخوف من انزلاق سوريا إلى حرب طائفية أو حرب أهلية، أو انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية. لكن هذه الخشية تخفي وراءها أمرين مهمين للغرب هما: أمن إسرائيل الذي يعد أحد الثوابت المهمة في السياسة الخارجية الأمريكية، وإصرارها في نفس الإطار على إيجاد تسوية للأزمة، وفق منطق 'لا غالب ولا مغلوب'. لأن الغرب يبدو أنه لا يقبل أبدا بالانتصار الكامل للثورة السورية في وجه خصمها الذي بات أمر رحيله وشيكا. أي يريد إنهاك الطرفين (النظام والمعارضة) لإيصالهم إلى ذلك. ويبدو أن التحركات السياسية الدولية متجهة لرسم التسوية في هذا الاتجاه على أكثر من مستوى، فيما لو سارت الأمور وفق ما يشتهون. وتتضح ميوعة الموقف الغربي، والاكتفاء بدعم محدود للمعارضة السورية، والهروب من دعم جدي لمواجهة النظام الأسدي وممارساته، من بعض الإشارات الأخيرة والحجج الواهية التي يسِّوقها ومنها على سبيل المثال لا الحصر: عدم اعتراف الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية كممثل شرعي وحيد للشعب السوري حتى الآن، رغم وعودهما بذلك، وضغوطهم لإحلاله مكان المجلس الوطني السوري. عدم قيام الاتحاد الأوروبي حتى الآن برفع جزئي لتزويد المعارضة السورية بالسلاح وفق الاجتماع الأخير الذي عقده قبل عدة أيام، وما قرره فقط هو إرجاء البحث في مسألة تخفيف حظر السلاح لمساعدة مقاتلي المعارضة إلى لقاءات مقبلة. علما أن مطالب المعارضة السورية تقتصر على إمدادها بالأسلحة خاصة مضادات الدبابات والطائرات، دون حاجتها لتدخل عسكري مباشر، ومثل هذه الأسلحة كفيلة بقلب الموازين على الأرض سريعا، وتعجيل سقوط النظام السوري، لأنها ستحيّد منظومة طيرانه وتشلّ ما بقي من قوته. إعلان حلف الناتو أن بطاريات صواريخ الباتريوت، التي ستقدمها الولاياتالمتحدة وألمانيا وهولندا والتي وافق عليها الحلف مؤخرا. ستُنشر بعمق يفوق عشرة كيلومترات داخل تركيا، وليس على الحدود السورية التركية مباشرة، وذلك لتبديد ما وصف بالقلق الروسي، علما أن البطاريات التي تقرر نشرها لا تغطّي أكثر من خمسين بالمائة مما تحتاجه الحدود المشتركة الطويلة مع سوريا. ومعروف أن الروس قد دخلوا في لعبة التسوية مع قرب سقوط النظام أو بعد أن تأكد لهم أن سقوطه بات مسألة وقت قصير. اعتزام الولايات إدراج جبهة النصرة، التي تقاتل في سورية والمتهمة بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، على قائمتها السوداء للإرهاب، علما أنها تسكت فعليا عن إرهاب النظام وأفعاله الوحشية، ولا تضع قياداته العسكرية والأمنية ورموزه على هذه اللائحة، وتسكت عن مقاتلي الجماعات الموالية لإيران وميلشياتها التي تقاتل إلى جانب الأسد، ولم تقم بوضعهم على هذه اللائحة، مع التأكيد على أن جبهة النصرة لا تشكل حجما كبيرا في مشهد الثورة السورية بشقيه السلمي والعسكري بالنظر إلى ضخامة تشكيلات هذا الحراك. كما أن تقاعس المجتمع الدولي عن قيامه بواجباته لمدة تزيد عن ستة أو عشرة أشهر، هو ما دفع بالشعب السوري لاعتماد الخيار العسكري للدفاع عن نفسه وعرضه، وهو ما دفع أيضا بعض المقاتلين العرب والمسلمين في الانخراط إلى جانب ثورة مشروعة لإخوة لهم في العروبة والدين والنسب ضد الإجرام الأسدي ومن يدعمه. علينا أن نتذكر ونؤكد على أن ما وراء الموقف الغربي المتسم بالنفاق تجاه مأساة الشعب السوري هو الشبكة الواسعة من العلاقات والمصالح والتحالفات، التي نسجها النظام السوري على مدى عقود طويلة على المستويات الإقليمية والدولية بما فيها تفاهماته مع الكيان الصهيوني وحماية أمنه وحدوه، ومحاربته للتوجه الإسلامي وتجفيف منابعه، والتقاؤه في ذلك مع رغبة الغرب في الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، وادعاء الخشية من الجماعات الجهادية وفوبيا تنظيم القاعدة، ورغبة الغرب الضمنية تبعا لذلك بتدمير البنية التحتية لسوريا وتقويض اقتصادها، قبل أن يتدخل لتكون التسوية بعد ذلك على قاعدة " لا غالب ولا مغلوب"، والتي ستضمن له عدم خروج أنظمة المنطقة على أجندته التي رسمها لها، فيما لو تحقق له ذلك.