بعد انقطاع طويل، تعود الفنانة اللبنانية نضال الأشقر إلى عالمها الأثير «خشبة المسرح»، في تحدٍ جديد لا يخلو من رهبة لقاء الجمهور، حسب تعبير «سيدة المسرح»، التي حازت هذا اللقب بسبب شغفها ب«أبوالفنون»، ومحاربتها طوال عقود من أجل النهوض به، وجعل خشبته تحاكي هموم الناس وقضاياهم. وترى الأشقر، التي ستقدم الليلة مسرحية «الواوية» على مسرح دبي الاجتماعي ومركز الفنون، أن المباشرة تقتل المسرح، لذا عملت في جديدها على تقديم عمل متكامل شكلاً ومضموناً برؤية مختلفة، مضيفة في حوارها مع «الإمارات اليوم»، أنها «حزينة لكل ما يحدث في العالم العربي». وقالت الأشقر: «قررت العودة للخشبة كممثلة، لأنني أشعر بأنني تفرغت قليلاً، بعدما بات مسرح المدينة واقفاً على قدميه، وكذلك رأيت أنه لابد من أن أتحدى نفسي»، مشيرة إلى أن العودة حملت خوفاً بلا شك، ولكنه خوفها الدائم من الجمهور، لافتة إلى أن التحدث للجمهور أمر مرعب، والممثل الذي لا يخاف من الجمهور ممثل سيئ، لأن رؤية الناس لها رهبة. ثلاثية ونوس قالت نضال الأشقر «لو أملك المال اليوم فسأقوم بثلاثية لسعدالله ونوس، لأقدمه للناس كما أفهمه، وهناك نص أحب أن أقدمه هو (الأيام المخمورة)، لأنه نص مذهل ورائع». واعتبرت أن العالم العربي يفتقر إلى كتاب المسرح في الجيل الجديد، فالبعض يحاول الكتابة، لكن ليس لدينا الأساس القوي، وهذا أحد أسباب اعتمادنا على بريشت في «الواوية». وحول «الواوية» التي ستقدم الليلة على مسرح دبي الاجتماعي ومركز الفنون، هي مأخوذة عن مسرحية «الأم الشجاعة» للكاتب برتولت بريشت، قالت الأشقر إن «النص من أشهر النصوص المسرحية عالمياً، وأجمل نصوص بريشت، ولكن المخرج ناجي صوراتي أعاد تركيبه كلياً، فلم يعد شبيهاً بالنص الأساسي سوى في العمود الفقري الذي أخذ من المسرحية». وأضافت: «تدور المسرحية حول امرأة تتاجر في زمن الحرب كي تعيل أولادها، وأحببت أن أعود من خلال عمل غير مباشر بما أن المنطقة كلها تعاني الحروب، فعرضنا من خلال المرأة فكرة عن واقعنا بطريقة غير مباشرة، لأنني لم أعد أؤمن بالمباشرة في العمل المسرحي، التي انتشرت في عالمنا، وهي تقتل المسرح، إذ ينبغي الوصول للجمهور من خلال الشكل والمضمون بعمل متكامل ومحترم». وذكرت أن العمل يقدم خلال ساعة وخمس دقائق، ويحاول الوصول إلى الجمهور، من خلال الموسيقى والغناء والنص، ومؤلف من خمس شخصيات، الأم وأولادها، والشخصية الخامسة هي لمحرك الدمى، مؤكدة أن العمل معاصر بخلاف مسرحية بريشت الكلاسيكية. وفي ما إذا كان اختيارها لناجي صوراتي نوعاً من المراهنة على الشباب، قالت الأشقر إن «الكم الثقافي والفني الذي أحمله، يجعلني لا أراهن على أحد، وقد اخترت العمل مع ناجي صوراتي، لأنني أعرف عمله، وأثق برؤيته الإخراجية، وقدم في (الواوية) لغة مختلفة، لذا راهنت عليه». أما الشخصيات في المسرحية، فتحمل أسماء عواصم عربية، وهي القدسودمشق وبغداد. ولفتت الأشقر إلى أن الكاتب قد وضع هذه الأسماء لتوسيع الرقعة الجغرافية أمام المتلقي، فالمرأة تعيش من تجارتها في الحرب، وهذه الرقعة هي منطقة الحروب، ولكن السبب جغرافي تاريخي، أكثر منه سياسي. وحول واقع العالم العربي، قالت الفنانة اللبنانية: «إذا نظرنا بتمعن إلى ما سمي (الربيع العربي)، فسنرى كيف بات خريفاً وشتاء بسبب هجوم الأقليات المتعصبة، وشخصياً كنت أعمل منذ 40 عاماً لإلغاء الطائفية، وفتح الحدود»، لافتة إلى أن الناس في الوطن العربي ليسوا محصنين من آفات الطائفية، وهناك فكر جديد ظهر، ولكن ظهرت مقابله قوى قتلته. ورأت الأشقر أن الهدف من كل ما يحدث، وتحديداً في سورية، هو تقسيم جديد وتفكيك، معتبرة أن لبنان من الدول التي بلا شك تتأثر بكل ما يحدث في محيطها، فهي جزء من المنطقة، مشيرة إلى أنها حزينة لكل ما يحدث في العالم العربي، وما يهمها هو النهوض من الكبوة. وحول المسرح في لبنان، أكدت الأشقر أنه «على الرغم من كون السياسة تعاني من مرض عضال، ومن كون الساسة في لبنان أغبياء؛ لأنهم لا ينظرون للمنطقة بشكل واسع بل لأنفسهم فقط، إلا أن هناك حركة وحالة مسرحية». ورأت أن المسرح فن شمولي، إذ يعبر فيه الفنان عن نفسه مباشرة أمام الجمهور، وهو حوار يحمل علاقة بين المشاهد والمجتمع والفنان. وقالت: «لو كان لدينا في لبنان 40 مسرحاً لما شهدنا كل الحروب، لأن المسرح يساعد المجتمع المدني». وذكرت أنه يوجد مسرحيون في دمشق وحلب اليوم يتدربون على المسرحيات تحت القصف، لأنهم مرتبطون بأرضهم ولديهم قضية. ولفتت إلى أن «المسرح يعاني في الكثير من البلدان بسبب موضة العيش التي تتجه إلى الأكل والشرب والنوم، ولا أحد يريد أن يفكر، عاشوا هكذا، ولا يريدون أن يزعجهم أحد، فهم سعداء في بحثهم عن الأمور السهلة». ووصفت نضال الأشقر الكاتب السوري الراحل سعدالله ونوس، الذي قدمت مجموعة من أعماله، بأنه «أكبر كاتب مسرحي في الوطن العربي، وهو سابق عصره، وعرفته منذ 40 عاماً حينما كنا صغاراً نلتقي في المهرجانات، وكنت أحب كلامه كما أحب الأيقونات، فهو فيلسوف وشاعر وأديب». واستعادت أول عمل إخراجي قامت به لونوس في مسرح المدينة وهو «طقوس الإشارات والتحولات»: «كان يريدني أن ألعب دور الماسة، ولكني رأيت أني كبيرة على الدور، وهو دقيق لا يحب أن يقوم أحد بتغيير كتاباته، ولكنني أخرجت المسرحية، وقمت بتقطيع العمل، وقدمت رؤية جديدة، وكانت هذه المسرحية أكثر مسرحيات ونوس نجاحاً، وقلت يومها إنها مسرحية شكسبيرية، ولكن الناس لم يفهموا ما قلته وقتها، واليوم أدركوا معنى ما قلت». عروض قدمت مسرحية «الواوية» في لبنان، وستقدم الليلة في دبي، بدعوة من نوادي خريجي الجامعة الأميركية في بيروت، واللبنانية الأميركية، وجامعة السان جوزيف، والجامعة الأميركية في دبي، ولاحقاً في الشارقة وأبوظبي، إضافة الى جولة في العالم العربي، إذ تلقت الفنانة نضال الأشقر دعوات لعرضها في الكويت والأردن وعُمان وكذلك مصر. وأشارت إلى أن مصر هي الموعد الذي تنتظره «فمصر بوصلة، وهناك بعض البلدان التي يسعدني تقديم أعمالي فيها كالعراق، وقد دعيت لتقديمها هناك وسأقدمها، فأنا لا أخاف من الأوضاع، وقد يخاف بعض الشباب معي، ولكننا دائماً نجد الوقت المناسب للعرض». سيرة مؤسِسة تعد نضال الأشقر من أبرز الوجوه المسرحية في لبنان، وقد لعبت في الستينات والسبعينات دوراً بارزاً في تحريك المسرح في لبنان والعالم العربي. أسست «محترف بيروت للمسرح»، ثم لاحقاً أسست فرقة «الممثلون العرب» التي قدمت عروضاً في مجموعة من البلدان العربية والأوروبية. قدمت مجموعة من الأعمال المسرحية إخراجاً وتمثيلاً. كما قدمت مسلسلات درامية كان آخرها «رماد وملح» الذي قدمت فيه دور المرأة المهاجرة، والذي كتبه الراحل جوزف حرب خصيصاً لها. الامارات اليوم