مرت بالأمس الذكرى الثانية لرحيل المطربة الكبيرة وردة الجزائرية، التي أثرت المكتبة الفنية بعشرات من أهم الأعمال الخالدة، من خلال مشوار فني امتد لأكثر من نصف قرن من الإبداع. ولدت "وردة الغناء العربي" في 22 يوليو عام 1939 بحي مونمارتر بعاصمة النور بباريس لأب جزائري وأم لبنانية، فقد كان والدها محمد فتوكي يملك فندقا ومطعما صغيرا في الحي اللاتيني. ظهرت موهبة وردة الغنائية مبكرا، فكانت تعشق الغناء لكوكب الشرق أم كلثوم، وأدت العديد من الفقرات الغنائية بمطعم والدها وعمرها لا يتعدى 11 عاما. تنقلت وردة مع أسرتها ما بين لبنانوالجزائر، وقدمت في بداياتها عددا من الأغاني التي لفتت الأسماع إلى موهبتها الفريدة، وذاع صيتها في الجزائر وبلاد المغرب العربي عندما قدمت أغنيتها الوطنية "كلنا جميلة" التي صورت خلالها ماساة المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد، فقرر الموسيقار رياض السنباطي رعايتها فنيا فقدم لها عددا من أشهر أغاني مثل "لعبة الأيام" التي كانت أول أغنية يقوم التليفزيون المصري بتصويرها سينمائيا خارج الاستوديو. وجدت وردة نفسها على موعد مع الشهرة الحقيقية عندما وقع اختيار المخرج حلمي رفلة عليها لتقوم ببطولة أولى أعمالها السينمائية من خلال فيلم "ألمظ وعبده الحامولي" عام 1962، ثم تقوم في العام التالي مباشرة ببطولة ثاني أفلامها "أميرة العرب" أمام النجم المتألق رشدي أباظة، لتتوالى أفلامها الناجحة لتقدم أفلام (حكايتي مع الزمان صوت الحُب آه يا ليل يازمن ثم تختتم مشوارها السينمائي عام 1994 بفيلم "ليه يا دنيا" بمشاركة محمود ياسين وصلاح السعدني. وكما كانت وردة مُقلّة في أفلامها التي لم تزد على 6 أفلام، لم تقدم وردة للشاشة الصغيرة سوى 3 مسلسلات فقط هي ( أوراق الورد آن الأوان الوادي الكبير الذي شاركها في بطولته المطرب صباح فخري.. في حين أنها لم تقدم للمسرح سوى عرض وحيد في منتضف السبعينيات بعنوان "تمر حنة" مع الفنان عزت العلايلي وألحان بليغ حمدي، إخراج جلال الشرقاوي. تعرضت وردة للعديد من الضغوط والشائعات التي أجبرتها على قطع علاقتها بالوسط الفني، لمدة تقترب من 10 سنوات، قررت خلالها العودة إلى موطنها بالجزائر لتتزوج هناك وتعلن اعتزالها للفن من أجل تربية أطفالها "رياض" و"وداد". استأنفت وردة نشاطها الفني مرة أخرى بطلب شخصي من الرئيس الجزائري هواري بومدين عام 1972، من أجل مشاركتها بالغناء في عيد الاستقلال، فقدمت أغنيتها الوطنية الشهيرة "عدنا إليكي يا جزائرنا الحبيبة"، وفي نفس العام انفصلت وردة عن زوجها، وقررت العودة إلى القاهرة ليكون ظهورها الأول من خلال حفل إذاعي قدمت خلاله أغنيتي "قد العيون السود" و" والله زمان يا مصر" ألحان الموسيقار بليغ حمدي. فوجئ الوسط الفني بعد حفل عوتها بأيام بخبر زواجها من بليغ، ثم تبعه إقامة حفل غنائي كبير بسينما قصر النيل، حضره عدد كبير من نجوم الفن وعلى رأسهم عبد الحليم حافظ الذي أعلن عن قدومه للترحيب بوردة والاستماع إلى أحدث أغنياتها "بلاش تفارق" التي أحدثت دويا هائلا في الوسط الموسيقي بالوطن العربي. تعاونت وردة مع أجيال مختلفة من نجوم الشعر والموسيقى، وهو ما جعل أغنياتها متنوعة ومتواكبة مع الإيقاع السريع للعصر الحديث، فقدمت عشرات الأغاني التي نالت شهر كبيرة مثل (حكايتي مع الزمان، أوقاتي بتحلو، أكدب عليك، يا خبر، أشتروني، بتونس بيك، حرمت أحبك،لولا الملامة، جرب نار الغيرة، مليت من الغربة، وحشتوني، بيسألوني، من كل بستان وردة) ... وغيرها من الأغاني التي ما زالت تترد حتى الآن. حصلت وردة على كثير من الجوائز والتكريمات خلال مشوارها الفني، وكان آخرها جائزة أفضل مطربة عربية من المجمع العربي للموسيقى عام 2009، كما أصدرت آخر ألبوماتها الغنائية عام 2011 بعنوان "االي ضاع من عمري". ورغم تدهور حالته الصحية في السنوات الأخيرة، إلا أنها ظلت في تفاعل وتواصل دائم مع جمهورها وعشاق فنها، لتتهي "حكايتها مع الزمان" يوم 17 مايو عام 2012... ويقوم ولدها رياض بمفاجأة عشاقها في الذكرى الأولى لرحيلها وطرح أغنية "أيام" والتي كانت آخر ما سجلته وردة بصوتها... رحم الله وردة الغناء العربي. اي ار تي - art