تسبب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من جديد في جدل سياسي بالبلاد، ولكن هذه المرة ليس حول صحته ولا قدرته على إدارة شؤون بلاده، ولكن حول مشروعه بشأن «الدستور التوافقي»، الذي اختزل فيه العهدة الرئاسية إلى ولايتين، فيما كان قد أجرى قبل 6 سنوات تعديلاً على المقاس مدد بموجبه بقاءه في الحكم دون تحديد الولايات. وتتجه الاستشارة إلى اتخاذ شكل «حوار داخلي» يجري بين السلطة وأحزابها في شهر يونيو المقبل، إذ كانت الوثيقة التي أرسلها مدير ديوان الرئيس أحمد أويحيى إلى المعنيين بالاستشارة لا تتضمن استحداث منصب نائب الرئيس في تعديل الدستور المرتقب. وهو جدل يثار منذ سنوات، فالمرجح أن أقصى ما في جعبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو العودة إلى ما قبل «حادثة» 12 نوفمبر 2008، بمعنى الرجوع إلى المقترح الذي أدخله الرئيس السابق اليمين زروال في دستور 1996 بمنع الترشح للرئاسة لأكثر من مرتين. وهي خطوة قدمت حينها على أنها ضمان للتداول على السلطة. في الجزائر بات لكل رئيس دستوره، يتم إعداده وفق فهمه ودرجة تمسكه بالكرسي. مع بوتفليقة هناك تعديلان تعرض لهما الدستور. الأول، في 2008، يمكن وصفه بتعديل بوتفليقة الطامح للبقاء في الكرسي، والثاني«التوافقي»، وهو دستور بوتفليقة بعد أن ضمن عهدة رابعة. والسؤال هنا هو كيف ينهك إنسان نفسه في 2008 وهو يشرح للناس مزايا فتح عدد الولايات الرئاسية إلى ما لا نهاية، ثم يعود الشخص ذاته اليوم ليشرح مزايا تحديدها في واحدة فقط قابلة للتجديد مرة واحدة؟ تساؤلات ما الذي اختلف في هذا الموضوع بين 2008 و2014؟ اختلف شيء مهم هو أن بوتفليقة، في 2014، ضمن بقاءه في السلطة، فيما ينتقل البلد رسمياً إلى نظام رئاسي صرف فريد من نوعه، بصلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية غير مسبوقة لموقع الرئاسة. ويراهن الرئيس الجزائري على المشاورات حول مسودة التعديل الدستوري لكسر شوكة جبهة المعارضين لتوجهات السلطة، بعدما نجحت الانتخابات الرئاسية الماضية في التقاء وتوحيد جبهة الرفض والمقاطعة، وهو ما يعني أن خياطة دستور على المقاس فرضية مطروحة بقوة مقابل تراجع فرضية «الدستور التوافقي». فلجوء السلطة إلى خيار عقد اللقاءات الثنائية مع الأحزاب ورفضها لأي مسار آخر، كعقد ندوات ونقاشات متعددة الأطراف، تعد آلية بعيدة عن أي معنى ل«التوافق» وتضمن بقاء السلطة منفردة بتوجيه سفينة التعديل الدستور نحو الاتجاه الذي تريده والشاطئ الذي تختاره لأسمى قانون في البلاد. إنهاء دور البرلمان وسبق للرئيس أن مارس دوره في العهدات السابقة وكأنه محكوم بدستور لنظام رئاسي، حتى قبل أن يتخلص في التعديل السابق من منصب رئيس الحكومة ويعيد العمل بالوزارة الأولى، التي تعني إنهاء أي دور للبرلمان في الترشيح، أو التعيين، أو إقالة الحكومة ووزيرها الأول. ولا أعلم كيف يمكن محاسبة وزير أول بلا صلاحيات، أو التأثير على المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي، أي الرئيس، الذي لا يحق للبرلمان مساءلته، كما لا يحمله الدستور أي التزام تجاه البرلمان. وضمن هذه الزاوية التي اختارتها السلطة، والتي لا تختلف عمّا فعلته بحزمة قوانين الإصلاحات الأولى التي أعقبت أحداث يناير 2011، وأفرغت كلها من محتواها، فإن مشروع التعديل الدستوري المقدم كطعم مع بداية العهدة الرابعة ليس سوى محاولة الرمي ب«عظم» في الساحة السياسية، لإلهاء الطبقة السياسية وإزالة سحابة «التغيير»السياسي التي تدور فوق سماء الجزائر. 150 أعلنت الرئاسة الجزائرية، أنها وجهت دعوات ل 150 جهة من أحزاب وشخصيات ونقابات ومنظمات حقوقية للمشاركة في مشاورات حول التعديل الدستوري الجديد والمقرر أن تنطلق شهر يونيو المقبل. وأشارت الرئاسة إلى أن «هذه الدعوات أرفقت بالمقترحات التي صاغتها لجنة من الخبراء، وكذا بمذكرة توضح هذا المسعى». وأضافت أن« المقترحات موجهة على سبيل التنوير فقط، إذ لا تخضع ورشة مراجعة الدستور إلى أية حدود مسبقة باستثناء تلك المتعلقة بالثوابت الوطنية وكذا بقيم مجتمعنا وبمبادئه». وعن الجهات التي وجهت لها الدعوة للمشاركة في النقاش حول التعديل يقول البيان «36 شخصية وطنية، 64 حزباً معتمداً، 10 منظمات وطنية، 27 جمعية وطنية تمثل حقوق الإنسان والقضاة والمحامين والصحافيين والقطاع الاقتصادي والشباب والطلبة، 12 أستاذاً جامعياً تمت دعوتهم بالنظر إلى كفاءاتهم». البيان الاماراتية