لا يستطيع الإنسان العربي، الذي تابع صحوة شعوب عربية، أن يحمي نفسه من قلق مشروع حول حقيقة غلاة، شاركوا أو ركبوا انتفاضات شعبية أزاحت متسلطين، وعن علاقتهم بالعصر والديمقراطية، ومبدأ تداول السلطة وقبول الاختلاف واحترامه . نقلق، حينما يتحول الحراك إلى عراك، ويفقد ثقافته السلمية والعقلانية، ويتجه صوب الطرح والقسمة، ويقطع نتائجه عن مقدماته . نحزن، حينما يتغير مفهوم الشراكة الوطنية إلى مفاهيم الاستقواء والغلبة والتخوين والتكفير . نتخوف من دوران في الفراغ، ومن اضطراب طويل، وتمزقات في نسيج المجتمعات والأوطان . نستريب من استبداد محتمل، وترويع وتشكيك وتزوير، وصعود غلاة جدد يحاصرون الفكر والحرية والإبداع والعدالة وحقوق الإنسان، ويضيقون مساحة الأمل، ويدفعون الأوطان إلى المراوحة والأزمة المفتوحة في السياسة والاقتصاد والبناء . ثمة مجتمعات عربية عديدة كانت معطوبة، وأفرطت في تلقي الفساد والتمييز والقهر، وفيها من ركن إلى الشعارات البراقة والمسكنات الوهمية، وقَبِل - أو شجع - أشكالاً من "التدين الشعبي" المغالي، في السر والعلن، وأغلق الأبصار والأسماع عن الإنصات لنبض وطموحات الناس، وأدار الظهر للاعتدال والعقلانية والشفافية والمساءلة، والوطنية الحقة، والإنسانية المنفتحة . لكننا لا نفهم أن يصمت العقلاء عن هذا الترويع والحرق والتكفير والتشكيك وعن تيارات منغلقة على نفسها، متحفزة للصراع التناحري مع مخالفيها، وتأخذ الأوطان إلى خيارات ودوائر مفرغة إلا من العراك الدائم . إن الوحدة الوطنية أهم بكثير من الوصول إلى السلطة، وغياب ثقافة الوحدة الوطنية هو وصفة سحرية للضياع والاضطراب، وحصاد الريح . نتطلع إلى من يخفف القلق على مصر، وتونس وليبيا، ومن يبعد الخوف وحرائق الغلاة والبغاة وعبدة السلطة والكراسي، ونرنو إلى ائتلافات وطنية من أجل المصلحة العامة، ومن أجل التقدم إلى الأمام، وفق بوصلة وطنية عقلانية دقيقة . أما الذين يروّعون الناس والإعلاميين بشكل خاص، من خلال التكفير والحصار والفتاوى، والذين يعتبرون أن دعاءهم مستجاب ضد كل من يخالفهم الرأي وتحويل قنواتهم الفضائية للسباب والشتائم، والإفراط في الشعور بالغلبة وشهوة السلطة والدنيا في آن، فإنهم يجذّفون عكس سهم المستقبل .