حراك عراقي يجب ان يتصاعدتتضارب الآراء حول توصيف المظاهرات الاحتجاجية العارمة التي تسود مدينة الرمادي غرب العراق، وشارك فيها عشرات الالاف من المواطنين الغاضبين، ينتمي معظمهم الى الطائفة السنية، فالبعض وصفها بانها بداية الربيع العراقي، بينما رأى البعض الآخر انها انذار قوي ليس فقط للسيد نوري المالكي رئيس الوزراء وانما لدول الجوار العراقي ايضا. منطقة الانبار، المخزون الابرز للطائفة السنية في العراق اتسمت بالهدوء لاكثر من خمس سنوات، وبالتحديد منذ نجاح الجنرال الامريكي ديفيد بترايوس في خداع ابنائها، عندما طالبهم بالدخول في العملية السياسية للحصول على حقوقهم كاملة والمشاركة في عملية صنع القرار، والانخراط في قوات الصحوات التي اسسها وسلحها، اي بترايوس، لمحاربة تنظيم 'القاعدة'، او ما يعرف بدولة العراق الاسلامية. السيد المالكي كان اكثر ذكاء وحنكة من معظم اعضاء النخبة السياسية السنية الذين بلعوا الطعم الامريكي، وتسابقوا للحصول على المناصب والمقاعد البرلمانية، عندما استخدمهم كورقة للحصول على الشرعية لنظامه، والايحاء بديمقراطيته ورغبته في التعايش. المشروع الذي يتبناه السيد المالكي مشروع طائفي بامتياز وبجوهر ديكتاتوري، ولهذا كرس كل السلطات التنفيذية في يديه، وفرغ البرلمان من صلاحياته الرقابية والتشريعية، والغى المناصب الاخرى كافة، وبدأ في اصطياد خصومه الواحد تلو الآخر بدءا بالسيد طارق الهاشمي نائب الرئيس وانتهاء بالسيد رافع العيساوي وزير المالية. المظاهرات الاحتجاجية تأخرت خمسة اعوام وكان يجب ان يكون الربيع العراقي الاول بين اقرانه في الدول العربية الاخرى، ولكن انتهازية القيادات السنية العراقية والصراعات الطاحنة بينها، وكراهيتها لبعضها البعض التي فاقت كراهيتها للسيد المالكي، كلها عوامل ادت الى هذا التأخير. ابناء محافظة الانبار اكثر وعيا وتقدما من قياداتهم، ولهذا قرروا الانتفاض بعد ان طفح الكيل ولم يعودوا يتحملون حالة التهميش التي يعيشون في ظلها، فالاكراد اوشكوا على اقامة دولتهم المستقلة، واشقاؤهم عرب الجنوب من الشيعة سيطروا على مقومات الدولة، والدكتور اياد علاوي الذي طرح نفسه كبديل علماني غير طائفي يقضي معظم اوقاته متنقلا بين العواصم العربية والعالمية، ولهذا قرر هؤلاء النزول الى الشارع لاسماع صوتهم، والتعبير عن غضبهم، ورفضهم للحالة المزرية التي يعيشون في ظلها. قوات الاحتلال الامريكي، التي تحولت الى قوات صديقة في نظر بعض الساسة السنيين يمكن التحالف معها، ارادت اقامة عراق نموذجي مزدهر يكون مثلا في الديمقراطية والرخاء والتعايش تحتذي به دول المنطقة، فجاءت النتيجة عراقا مسخا فاقد الهوية الجامعة، وغارقا في الفساد والطائفية والفشل المزري في تقديم ابسط الخدمات الاساسية للمواطنين. هذا الحراك العراقي الذي بدأ بالامس في الرمادي يجب ان يستمر ويزداد قوة حتى يسلم السيد المالكي واتباعه بان حكومته الطائفية لا يمكن، بل لا يجب ان تستمر، وان لا بديل عن المشاركة في السلطة على اسس التعايش والمساواة والمحاسبة. السياسيون الذين جاءوا الى العراق مع الدبابات الامريكية استلموا عراقا موحدا له هيبته في المنطقة فحولوه الى عراق ضعيف فاقد السيادة والقوة، تمزقه الصراعات الطائفية والعرقية. الحراك الحالي لا يجب ان يكون طائفي التوجه، حتى لو جاء ضد حكومة طائفية، هذا الحراك يجب ان يشارك فيه الجميع من مختلف الطوائف والاعراق لبناء دولة حديثة بوجه ديمقراطي حقيقي يتعايش الجميع تحت خيمتها في ظل العدالة والمساواة.