ما تعرف ب"اتفاقية الطائف" هي التي أعادت الاستقرار إلى لبنان أو عاد من خلالها بعد حروب أهلية دامية ومدمرة لسنوات. والمرء قد يتساءل الآن ما إذا كان غياب حزب الله أو "الشيعة" من هذه الاتفاقية والتسوية هو استبعاد من خلفية مذهبية أو لأنه لم يكن للشيعة في لبنان وزن ولا لحزب الله حضور ربطاً بقدرات ووضع إيران حينئذ؟!!. فإذا "الشيعة" استبعد كطرف وله وزن حاضر ومؤثر فذلك يعكس قدرات قوة إقليمية، خاصة وأن مثل ذلك لم يحدث مشكلة كبيرة في واقع لبنان!!. وإذا الحالة ارتبطت بقيام حزب الله وتأثير لبنان فذلك أيضا يؤكد قدرات ثقل إقليمي في التأثير، خاصة وحزب الله وبالتالي "إيران" في الواقع دخلا معادلة وتوازنات اتفاق الطائف بل وقفزا إلى الواجهة وبين الأوزان الأهم. لنعد إلى حالة أقدم فواقع إيران بات في حالة من الغليان والسخط الشامل وفي وضع ثورة تحتاج إلى إشعالها أو إكمال تأجيجها، وكان في جاهزية ليثور مع "مصدق" رئيس الحكومة المنتخب أو مع "الخميني" رجل الدين المنفي في الغرب. قيام الغرب بزعامة أميركا باغتيال مصدق داخل إيران وذلك ما اعترف به "أوباما" ودعم الخميني المنفي في باريس هو اختيار غربي للزعيم وللثورة في إيران. وبالتالي فالبحوث والدراسات الأميركية التي نشرت قبل عقود من ذلك الحدث، وأكدت أن العدو القادم بعد اندثار الشيوعية هو "الإسلام"، هي بمثابة الاختيار للعدو والعداء القادم. فأميركا بعد انهزام أو اندثار السوفيت ستصبح في وضع من يختار لنفسه العداء والعدو في العالم، ولم يعد من طرف ليفرض غير هذه الفرضية. ما فرض غير هذه الفرضية في محطة 2011م وفي الحالة السورية هو الاقتصاد الصيني في الأساس، ولكن المهم هو تتبع تأثير قوة أقليمية لتغييب الشيعة في لبنان كطرف أو لفرض حزب كقوة أقوى من أي طرف، ولأن يغتال الغرب مشروع مصدق من خلال اغتياله وينصر الخميني وينتصر لمشروعه. فالغرب الذي دعم ثورة الأسلمة في إيران كمشروع عداء قبل عقود هو الذي كسر القاعدة الأتاتوركية الراسخة في واقع تركيا، وأوصل طرف الأسلمة كشعار إلى الحكم، ومن قام بإلقاء القبض على الزعيم الكردي أوجلان وسلمه إلى تركيا، وذلك يمثل استثناء الغرابة في عقد الحرب ضد الإرهاب وفي بلد كان قد أعدم فيه مثل هذا الخيار حتى في الخيال. وهو من يختار "القاعدة" الحليف والصديق في جهاد أفغانستان ثم العداء والعدو كإرهاب بغض النظر عن حقائق إرهاب "القاعدة". لا أميركا ولا الغرب يستطيع التثوير والتأثير للجهاد في أفغانستان، وهو حتى في التفويج والنقل وإيصال المدد يحتاج لطرف آخر، ويبقى له الدور غير المباشر- وهو الأساس- وليس الأدوار المباشرة. أميركا والغرب هو أساس الدور غير المباشر والأهم في محطة وثورات 2011م، وذلك ما يجعله يتحول إلى المباشرة الكاملة والفجة حين تدويل قضايا المحطة كثورات. لا توجد ثورة في محطة 2011م لها مستوى من الشعبية التي توفرت في واقع إيران ضد الشاه، وبالتالي فمحطة 2011م تحتاج إلى جهاد التثوير في كل واقع، وإن صمد نظام تتطور إلى جهاد العنف والإرهاب والتدمير، وللغطاء الإعلامي السياسي الأميركي الغربي قدرة تأثير استثنائية لإبراز مخارجه وتخريجاته على أنها الحقائق الأهم، وكأننا بعد عقد من الحرب ضد الإرهاب انتقلنا إلى مسمى "الجهاد للإرهاب"، فالإرهاب هو الجهاد حين ترى أميركا والجهاد هو الإرهاب حين تريد. حروب الجهاد في أفغانستان هي كما طرحت وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية صفقة ناجحة للرئيس ريجان عقدها مع أطراف في المنطقة، ولكن هذه الصفقة كانت بالنسبة لنا تثويراً وثورات كما محطة 2011م، والذي جعله من صفقة له ثورات في واقعنا يستطيع التعامل مع صفقة أخرى كمحطة وثورات 2011م وبشكل غير مباشر هو الأهم، وتوكل الأدوار غير المباشرة لوسائط وأدوات أخرى على مستوى منطقة أو بلد. صفقات ومشاريع أميركا هي التي تنقل أكراد العراق إلى وضع استكبار على الوطن العراقي، وهي التي تدفع بأكراد تركيا إلى إذلال السجون وإلى قتل يومي ودموي بلا رحمة ولا وازع إنسان أو حتى حقوق إنسان ظل الاتحاد الأوربي يرفعها كشعار. المسألة ليست أن للأكراد ذات الحقوق في الدول الذين هم من مواطنيها، ولكن هذه الحقوق تعلى حتى التكبر وتشطب حد الإذلال حسب مصالح وسياسات أميركا. محطات أميركا واميركا المحطات باتت هي من يصنف الأنظمة مزاجياً كديمقراطيات أو ديكتاتوريات، وليس المهم الواقع والوقائع كما نعيشها ونعايشها في المنطقة ولكن المهم هو الصنف والتصنيف الأميركي وما تريد أميركا وإرادتها. الإدارات الأميركية ظلت قبل وبعد أول اتفاق سلام مع إسرائيل هي من يطرح في أوضاع واستثناءات معينة بأن لإسرائيل واللوبي اليهودي تأثيراً على الشارع والانتخابات الأميركية، وذلك يقيدها تجاه خطوات أكبر لإنصاف العرب بل وتطرح بأن المفترض أن يسعى العرب للتأثير على الشارع الأميركي. هو طرح هروب من تحرج في فترات استثنائية ولكن ما يمارسه اللوبي اليهودي في أميركا تمارسه أميركا بالوسائل المباشرة والوسائط غير المباشرة في إيصال حزب الأسلمة التركي للحكم وإيصال الإخوان والسلفيين إلى الحكم في مصر، وبالتالي فهي من يلعب ويعبث بالثورات والديمقراطية والواقع وفيما تسميها "فوضى خلاقة"، وهي فوضى لا أخلاقيات فيها ولا أخلاق ولا أخلاق لها بالرغم من التلميع الشديد وشدة اللمعان.