بوتيرة متسارعة شهدت الأيام القليلة الماضية إطلاق المئات من المحتجزين على ذمة أحداث فتنة التمرد في صعدة وأعمال الشغب والفوضى والخروج عن القانون في عدد من مديريات بعض محافظات الجنوب. وبالنظر إلى سلاسة هذه الإجراءات وانسيابيتها في فترة قياسية كونها تلت خطاب فخامة رئيس الجمهورية التاريخي الذي انطوى على ما يشير إليها في العيد العشرين للجمهورية اليمنية، فإنه يمكن الجزم بأن الجانب الرسمي الحكومي في طريقه إلى تنفيذ ما تضمنه البيان الرئاسي من نقاط، تمثل في مجملها آلية المصالحة الوطنية في ضوء طي صفحة الماضي والشروع في إرساء ثوابت الشراكة الوطنية، التي لا تستثني أحداً وفق المرجعيات والثوابت التي تقف الوحدة على رأسها وتمثل أولى أولوياتها وأهم منطلقاتها.. وعلى هذا الأساس الذي يظهر جدية الحكومة والحزب الحاكم في تسوية الملعب السياسي وتوفير مناخات الحوار، الذي يفضي إلى الشراكة الوطنية فإنه يصح التساؤل عن الخطوات التي قابلت بها أحزاب المعارضة ممثلة في اللقاء المشترك – وبالذات الممثلة في البرلمان – إجراءات الحكومة أو الحزب الحاكم، ولو من باب مقابلة بوادر حسن النية بإظهار مثلها.. وطالما والجواب يتطلب الإشارة إلى البيان الصادر عن أحزاب اللقاء المشترك الذي رحبت فيه "بقرار الأخ رئيس الجمهورية بإطلاق سراح جميع المعتقلين بدون استثناء، كون هذه الخطوة جاءت على طريق تهيئة المناخات السياسية والوطنية واستكمال ما تم الاتفاق عليه بشأن الحوار الوطني" فإن هذا من جانبهم يعطي مؤشراً جيداً على أن الخطوات الايجابية التي تنفذها الحكومة في ضوء الإستراتيجية التي أرساها خطاب الرئيس في العيد الوطني العشرين تحظى بترحيب هذه الأحزاب وأنها موطن إعجاب بالنسبة لهم، إلا أن تعاقب الأيام ينبغي أن تظهر مواقف أكثر وضوحاً وعمقاً وشفافية من قبل أحزاب المشترك، وهذا لا يعني التشكيك في ايجابية تعاطي هذه الأحزاب مع المبادرة الرئاسية من حيث المبدأ، غير أن مستوى توجيهات فخامة الأخ الرئيس ومنزلتها العظيمة التي لامست المشكل اليمني بكل أبعاده ووضعت النقاط على الحروف في التشخيص وآلية المعالجة، تتطلب مواقف أكثر نضجاً من قبل مختلف الأطراف المعنية في الساحة الوطنية. وعندما نتحدث عن النضج فإن الإقبال كلية صوب المبادرة الرئاسية ونبذ المواقف التي تنطوي على الشك والريبة هو ما يجب أن يسود تعاطي الفرقاء حيال استراتيجية المرحلة القادمة، التي أرسى الخطاب الرئاسي معالمها على أشد ما يكون من الوضوح، ثم إن الحزب الحاكم وعبر الرئيس علي عبدالله صالح مرة أخرى لم يزل يؤكد – وعلى سبيل المثال في المهرجان الذي شهدته محافظة إب في العيد الوطني العشرين - الالتزام بنهج الحوار، وسرعة تنفيذ ما تضمنه البيان الرئاسي بخصوص المحتجزين على ذمة فتنة التمرد وفوضى الحراك الخارج عن القانون، وما يتصل بذلك من محددات الشراكة الوطنية وتسوية الأجواء لإجراء الاستحقاق الانتخابي القادم في موعده. وفوق ذلك فإن أحزاب التحالف الوطني وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام - في آخر بيان لها - جاءت منسجمة تماماً مع متطلبات المرحلة الرامية إلى إشراك مختلف القوى الوطنية ضمن حوار واسع يؤدي إلى الشراكة المطلوبة، ولم يبق إذاً إلا أن تقدم الأطراف مجتمعة – لا سيما المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك – على مواقف متقدمة ومسؤولة وخطوات أكثر عملية لا سيما باتجاه الحوار، ووضع أسس الشراكة التي من شأنها إجراء الانتخابات القادمة في موعدها المحدد. وبانتظار مواقف هذه الأحزاب المواكبة لعظمة التحول، أو التي يفترض بها أن تكون فإنه لا يصح بأي حال من الأحوال تجاوز المحددات الواقعية التي تكشف الحكومة – والحزب الحاكم – يوماً بعد آخر سعيها الوثيق باتجاه طي صفحة الماضي، ووضع اليمن أمام منعطف جديد شعاره التسامح والشراكة في ضوء الحوار الوطني الشامل.