بالتأمل في إرهاصات الحالة أو التمرد "الحوثي " فكلنا يتذكر كم وسطاء ولجان ذهبت إلى الحوثي لإقناعه بعدم التمرد، والخضوع لسلطة النظام والقانون بالمستوى الواقعي في كل مناطق اليمن.. البعض إما من مواقف غلو أمر إيغال يحمل كل المسؤولية طرفاً حين يريد، كأن يقول بأن هذه الوساطات واللجان كانت تمثل عملاً تكتيكياً، وهو هنا كأنما يلغي الحوثي كطرف وإرادة ووعي، فهل الحوثي صار في قرار التمرد تنفيذاً لفكره واستراتيجيته وإرادته ووعيه أم لتنفيذ تكتيك الطرف الآخر؟!!. عندما تتطور الأمور مثلا ليمتد "الحوثي" في ظل أي صراعات أخرى وتداخلاً بها إلى حرف سفيان، ويقطع الطريق على صعدة يزيد عذابها ومراراتها، فمثلا هذا لا يؤخذ دلالة واضحة وثبوتية بأن الحوثي مارس خرق الاتفاقات والهدنات، التي باتت محورية ومرجعية لأحداث وتطورات حروب صعدة، بل المهم من هذا التمرد الحوثي استنتاج ضعف النظام أو عدم وجود نظام. في الأساس وفي أي وطن وفي ظل أي نظام فالتمرد خطيئة وطنية، وفي حق الوطن قبل أن تكون في حق النظام، وهي مدانة وطنياً ومحرمة ومجرمة دستورياً وقانونياً. ومع ذلك إذا وضع أو وقع الصراعات في اليمن يجعلنا في تفكيك الفهم أو التعاميل مع مفاهيم فرض واقعياً تفكيكها، فإننا قد نتعامل مع النظام كطرف في الصراع والتمرد الحوثي أو غيره طرف آخر، وبالتالي نكون أمام قياس أخطاء أو خطايا كل طرف من تفكيره وخياراته وأهدافه. فالنظام هو نظام عام منتسبي المؤسسة العسكرية من كل فئات ومناطق الشعب، ومن الوارد اختراق بأي قدر أو تعاطف من أفراد أو أكثر من توصيف "الأفراد" مع طرف متمرد لأسباب فكرية أو مناطقية أو غيرها، كما من الوارد حدوث أخطاء في إدارة العمليات العسكرية أو ما يتصل بها في إدارة العمل العام، ولكن النظام في ظل هذه الأخطاء المحتملة أو بدونها لا يمكن ان يخطئ، إذا أي تمرد تمادى إلى سقف لا يقبل فقرر مواجهته بل يكون وقع في الخطيئة الأكبر إن لم يسر في قرار مواجهته مهما كانت التبعات. فالحوثي هو طرف سار في قرار التمرد كما سار البيض في قرار الانفصال، والتمرد أو الانفصال كممارسة ثم قرار هو سبب الحرب، وهو الذي أشعلها ومن العبث المكشوف المقزز رمي مسؤوليتها على طرف آخر، واستمراء استعمال العناوين المستهلكة مثل "أخطاء النظام". الحقائق التي يصبح وضوحها بمستوى سطوع الشمس، تتجاوز اللعب بها واللعب عليها في إطار عمل سياسي دعائي أو ادعائي أو تكتيكي ومنذ ثورة سبتمبر حتى الآن. فالخيار القومي لثورة سبتمبر ارتبط بثقل مصدر المد القومي واتفاق الصلح مع الملكيين بثقل السعودية ومستوى من التبعية، وخيار الشيوعية بثقل السوفيت والمد الأممي، وبالتالي جاءت ممارسات وقرار الانفصال مرتبطة بخلافات اقليمية مركبة أو متراكمة وتحديداً مع ثقل السعودية، والتمرد الحوثي ارتبط بالحالة الايرانية وصراعها الاقليمي أو العالمي، والذين كانوا يريدون في اليمن وحدة شيوعية تقدمية ضد الرجعية هم الذين أرادوا انفصالاً بدعم وثقل الرجعية. فان خلافات لليمن مع بلد جار كالسعودية هي خلافات واقع وواقعية لا علاقة لها بوحدة ولا بانفصال بقوة، ومن يمارس واقعية السعي لحل هذه الخلافات لا يستخدمها سياسياً ولا دعائياً كما الوصول إلى حلها باتفاق الترسيم النهائي للحدود عام 2000م. عند استرجاع الخلافات مع السعودية علينا التسليم بالأخطاء من طرفنا من كون اليمن كانت ساحة لاستهداف السعودية بالمد القومي ثم الأممي، وذلك ما يزيد المشاكل تعقيداً وقد يدفع الطرف الآخر إلى أخطاء هي في تقديره من باب الدفاع، ولهذا فاختراق الحوثي للحدود السعودية كان الواضح ارتباطه إن لم يكن بمد ايراني واقعي فبالتمادي الاعلامي السياسي الايراني. فالمعايير لا يمكن ان تكون معايير سياسية وواقعية مقبولة عقلاً ومنطقاً إلا بمعيارية القضايا، كأن يكون غزو الكويت "قضية" والوحدة اليمنية "قضية"، وبالتالي ما هي وقائع أو تأثير اليمن في غزو الكويت؟! وما هي وقائع وتأثير طرف أو أطراف أخرى في استهداف الوحدة أو في حرب 1994م؟!!. ان يقوم طرف داخلي بممارسات انفصال في الواقع أو عزل منطقة عن سلطة الدولة، ويسير إلى تمرد أو قرار انفصال، ومنطقه بعد ذلك ان الطرف الآخر هو سبب الحرب أو الذي شن الحرب فهذا منطق "دروشة" لا علاقة له بسياسة، ولا يمثل منطقاً سياسياً من غزو الكويت وتحريرها، حتى غزو العراق مثل في الأهم فترة انتقالية بين الصراع الدولي القديم أو النظام الدولي القديم "الحرب الباردة" وبين النظام الدولي الجديد، الذي اقوى علاقيه بالمنطقة بعد سبتمبر 2001م، هي في الأهم من محور الحرب الدولية ضد الإرهاب. هذه الفترة الانتقالية كانت فترة تحرير للصراعات في المنطقة من تبعات ومقيدات الصراعات العالمية المعتادة، وهذه الفترة أوضحت ان الخلافات الواقعية والحقيقية هي للنظام مع أطراف وأثقال خارجية في المنطقة، فيما أطراف أخرى من السهل عليها عداء بلا حدود وقفز للاحضان لا يقيد حتى بمحددات احترام الذات، وحب هؤلاء إدعائي كما بغضهم، ولا فرق بين المتناقضين كصراع. البعض لا يقرأون أو لا يعون متغيرات ما بعد غزو الكويت وتحريرها، أو احداث سبتمبر 2001م ومن ثم الحرب ضد الإرهاب، فإذا كان ما ترسخ في الشمال من واقع تطورات ما بعد الثورة ثنائية حاشد وبكيل كتكتيل اجتماعي قبلي أكثر منه صراعياً أو سياسياً، فتأصيل هذا إلى ما قبل الإسلام والى العهود الحميرية. بالمقابل نجد التكتيل الصراعي السياسي لكتلة الضالع ويافع مقابل أبين وشبوة بتأصيل سياسي إلى أحدث واضيق صراع سياسي بين اجنحة حزب شيوعي، وهذا يقدم مدى الاحتماء بالعصبية أو مد الحماية العصبية لأي طرف أو تطرف، وحيث كنا نتعامل مع طرف في الساحة السياسية بعد الشروع في خيار الديمقراطية مثلا بتوصيف جناح ايديولوجي وجناح قبلي وجناح وسطي أو سياسي. فالحرب ضد الإرهاب ليست بالتعميم الذي كانت اثقال معارضة سباقة لاستهداف النظام كخصومة سياسية، كما هي ليست كذلك لاستهداف خصوم نظام سياسي حتى لو أراد ذلك، ولكنها استهداف للارهاب والإرهابيين وتفكيك الاحتماء أو الحماية العصبية أو السياسية. إذاً وعند انقسام أثقال القوة في العالم إلى شرق وغرب فتأثير كتلة عدم الانحياز محدود في سقفه ومداه، بل التأثير محدوداً لقوة شيوعية نووية مثل الصين أو للقوى النووية بعد أميركا في التحالف الغربي. وعندما يصبح النظام الايراني هو الذي يناطح أميركا في المنطقة كانقلاب على دور شرطي المنطقة، فالمذهب الشيعي الاثنى عشري هو قطب، والآخر المذهب السني والمذاهب الأخرى هي تابعة وإن لم تتبع أو تقتنع أو تقبل التابعية في فهم أميركا قائدة الحرب العالمية ضد الإرهاب والنظام الايراني قائد الشيعة والتشيع المتطرف اسلامياً، ولذلك فايران في التعاطي السياسي الاعلامي كانت تمارس مد التشيع من خلال "الحوثي" ومد الحماية الشيعية للحوثي سياسياً واعلامياً. ولهذا فالوساطة القطرية جاءت من علاقة قطر القوية بايران، والنظام من خلال الوساطات والهدنات بما في ذلك إيقاف الحرب السادسة بشروط النظام السياسية التي أذعن الحوثي لقبول وبشروط الحوثي الواقعية، أو التي يستطيع فرضها من خلال الواقع ومن خلال كل ذلك فالنظام يهتم أساساً عادة من اندفع في تطرف الفكر الحوثي أو الشيعي لأية مسافة واقعية ممكنة، وبالتالي فهو لا يعالج مشكلة عسكرية أو سياسية بشكل أساسي وانما فكرية واقعية، وله باع في هذا حين استطاع عبر الشيخ الزنداني شد مجاميع كثيرة من اليمنيين في افغانستان بحيث لم يصلوا إلى مستوى تطرف بن لادن وفكره، كما سار المصري الظواهري بمجاميع من المصري، فشيء أفضل من شيء "وبعض البلاء ولا كله". الذي مورس في اليمن هو بالنسبة للنظام في صنعاء القوة المانعة لتفكيك الكتل وللنظام في عدن القوة القامعة للكتل، وتمرد المرحوم الشيخ عبدالله الأحمر أو اعتكافه في عهد الحمدي يقدم الصورة للقوة المانعة، فيما استخدام الكتل في صراع ومجازر 1986م يؤكد فقط وضع القوة القامعة للكتل، وبالتالي فهي كتل لم تفكك كما الادعائية السياسية، بل بات النظام يحس بأن من مصلحتها مجرد قمعها لا تفكيكها لحاجياته السياسية "صراع القبائل الماركسية". فالديمقراطية والانفتاح أضعفا القوة القامعة كما التطورات الأخرى، ومنها الحرب ضد الإرهاب لم تعد تسمح بتفعيل القوة المانعة بما ظل معتاداً، ولهذا فالنظام الايراني يحاول ملء فراغ تركته القوة المانعة من خلال جسر المذهب الزيدي ومشترك الموالاة لآل البيت حتى في ظل فروق جوهرية أكثر. فالحوثي وربما النظام الايراني تصورا انه سيصل في صعدة إلى وضع أشبه بحزب الله في لبنان، وربما مثل هذا مشروع لم يفقد الحوثي أو النظام الايراني آمال تحققه والوصول إليه رغم إيقاف الحرب السادسة وفقاً لشروط النظام السياسية كما أسلفنا. إننا حين الالتفات للكتل في الواقع أو حاجيات قدر من التفكيك أو الاضعاف لعصبيتها فليس نفاذاً لأيديولوجيا سياسية، كما ادعى النظام الأممي الشيوعي في عدن، وليس كما ادعائية نظام أو حاكم في صنعاء كما ابراهيم الحمدي الذي افترض انتهاء القبيلة أو دورها، ولكن في مسألة الإرهاب ورفع الاحتماء بالعصبية أو الحماية العصبية فذلك ما يتطلبه أمن واستقرار الوطن في ظل خيار الديمقراطية، وترشيد القوة القامعة وضعف القوة المانعة كتعامل مع ما يمكن ان تكون قوة الممانعة. منطق النظام في التعامل مع الحالة الحوثية ان يأتي إلى صنعاء وموقعه شاغر في حزب الحق كتمثيل لإمامية اليمن، وربما لا يمانع في وجود حزب سياسي للحوثي في العاصمة بمسمى حزب الله أو حزب الخمينية أو غيره، ولكنه ليس من سبب لحزب الله في صعدة. إذا الحوثي اراد الصراع وصار في خيار وقرار التمرد فالنظام لا بد له ولم يعد أمامه من بديل غير مواجهة وتفكيك الصراع في أي كتل وتكتيل عصبي سياسي، أو حتى كتل وتكتيل تخلف ومتراكم في الواقع. النظام لم يعد القوة القامعة ولا في مداره القوة المانعة أو الممانعة، ولم يعد في أوضاع انعكاسات الحرب الباردة أو الفترة الانتقالية العالمية لما بعدها، وهو لم يعد في حاجة لمداراة الصراعات إلا كعمل تكتيكي مؤقت، والنظام حين يمارس مسؤوليته من هذا الوضع ومن استيعاب لكل هذه المتغيرات والتطورات لا يضيره ان تمارس اطراف داخلية مواقف تحميله المسؤولية في سياق صراعات واستمرار لتسويق صراعات. إذا أميركا ومن ثم النظام الايراني تريد في تكتيك وتفعيل صراعها مع إيران في المنطقة تحميل اليمن عبئا في التفعيل المذهبي للصراع، فانه قد تتبلور في واقع اليمن شيعة تطرف بمستوى الاثنى عشرية بالمذهب الزيدي أو بدونه، وذلك يجعل الاحتمال بالوصول إلى حزب الله في صعدة بين الممكنات. واقع الصراعات الاقليمية والعالمية هو الذي يفرض حقائقه ونفسه في واقع اليمن أو يجرف هذا الواقع إلى ضجيجه وهديره، فيما صراعات الواقع المستخدمة ضد النظام لم تكن أكثر من أدوات للنظام الداخلي أو خارجي مجاور لاستخدامها، وما عرفت بأحداث اغسطس في صنعاء ومجازر يناير في عدن خير دليل!.