عندما قبل فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، التنحي عن منصبه قبل الأوان، وهو الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطياً من غالبية الناخبين في انتخابات حرة ونزيهة شهد لها القاصي والداني، فإنه كان يدرك تماماً أن ما أقدم عليه يمثل تضحية كبيرة في ظرف استثنائي غير طبيعي من أجل إنقاذ الوطن من محنته وتجنيبه شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، في وقت كان يمكنه فيه استغلال سلطان الحكم واللجوء إلى وسائل غير ديمقراطية لإخضاع مناوئيه وخصومه خصوصاً وأن غالبية الجماهير ما زالت تؤازره وتناصره. إن الإدعاء أنه يكفيه أن حكم أكثر من ثلاثين عاماً وعليه الرحيل ليترك مكانه لغيره قول مردود على المعارضة التي كان لها إسهامها في صياغة وتشريع القوانين التي تبيح الترشح لمنصب الرئاسة لأكثر من فترة، لماذا لم تعترض في حينه على هذا النظام.. ولماذا لم تحتج وترفض.. بل قبلت العمل بموجبه طائعة مختارة، إذن فهي شريكة متضامنة في هذا النظام الانتخابي الفاسد؟!!. فعلام الضجيج والصراخ اليوم، والمزايدة على النظام الانتخابي الفاسد وللمعارضة ممثلة في أحزاب اللقاء المشترك ضلع فيه؟!! إن الظرف الدقيق الذي يمر به الوطن العربي الكبير هذه الأيام، وكذلك المعايير المزدوجة في التعامل مع المواقف والقضايا المشابهة من قبل قوى الاستكبار العالمي لعبا دوراً رئيسياً في الانقلاب اللا شرعي على الديمقراطية في بلادنا.. فقد وجدت القوى الطامعة في القفز إلى السلطة في حراك الشارع مناخاً مناسباً لاستخدامه بما يخدم أهدافها اللا مشروعة. كما أن المواقف واللامبدئية للقوى العالمية من مسألة الديمقراطية قد وظفت هي الأخرى لمصلحة الانقلاب على الشرعية الديمقراطية، ففي حين وقفت الولاياتالمتحدة إلى جانب بعض الأنظمة التي اعتبرتها شرعية حين تعرضت هذه الأنظمة إلى انقلابات أطاحت بها، استخدمت أمريكا كل وسائلها بما في ذلك القوات المسلحة للإطاحة بالانقلابيين وإعادة الأنظمة السابقة إلى سدة الحكم.. لكنها، أميركا كان لها موقف مغاير مما تتعرض له الديمقراطية في بلادنا، فإنها انحازت، لحسابات خاصة بها، إلى صف الانقلابيين على الديمقراطية، متبنية نفس مطالبهم المنادية بتنحي رئيس الجمهورية بطريقة غير ديمقراطية!!. وبالرغم مما حدث، فإن التاريخ سيحفظ للرئيس علي عبدالله صالح، أنه رائد الديمقراطية اليمنية وباني نهضة اليمن وإن كانت هناك سلبيات شابت فترة حكمه فإنها من ضمن سلبيات كل حكام العالم بدون استثناء، وهو في الأخير بشر، والبشر معرضون للخطأ ولكن لا يعني ذلك بأي حال أنه لم تكن له إيجابيات، وأعظم إيجابياته على الإطلاق إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وإرساء النهج الديمقراطي. وعلى الذين اختاروا طريق الانقلاب على الديمقراطية للقفز إلى السلطة أن يتأكدوا أنهم سيواجهون بنفس الأسلوب والطريقة في يوم ما لأن القاعدة تثبت أن "الجزاء من جنس العمل" وكما يقول المثل "مثلما تعمل تجد".