في اليوم التالي لصدور بيان وزارة الخارجية الإيرانية الذي كذَّب خبر سقوط الطائرة الارجنتينية اعترف "بهزاد نبوي" الوزير الإيراني للشؤون التنفيذية والناطق باسم الحكومة يوم 27 يوليو 1981م بسقوط الطائرة، ولكنه نفى نفياً قاطعاً في مؤتمر صحفي عقده بطهران أن الطائرة التي اختفت فوق الاتحاد السوفيتي كانت تحمل أسلحة مشتراة من إسرائيل. وأحجم "نبوي" عن الإشارة إلى طبيعة الشحنة التي نقلتها الطائرة لإيران قبل أن تصطدم لدى عودتها من إيران عبر أراضي أرمينيا بطائرة سوفيتية فوق أراضي الاتحاد السوفيتي. أما "هاشمي رفسنجاني" رئيس البرلمان الإيراني آنذاك فقد اعترف في تصريح لصحيفة "كيهان" الإيرانية وكذلك لإذاعة طهران في يوم 28 يوليو 1981م بأن الطائرة الارجنتينية كانت تنقل أسلحة إلى طهران، وقال رفسنجاني إن الطائرة تحطمت لدى عودتها من طهران بعد أن أفرغت حمولتها من الأسلحة. وفي تاريخ 19 أغسطس 1981م صرح القائم بأعمال السفارة الإيرانية في لبنان "محسن الموسوي" بأن إيران اشترت أسلحة من السوق الدولية، نقلت بحراً من ايسلندا إلى قبرص، ومن قبرص كانت تنقلها الطائرة الارجنتينية قبل سقوطها. وفيما كان حكام إيران يتخبطون في محاولاتهم للتمويه وإخفاء حقيقة مهمة الطائرة الارجنتينية، التي فجرت الفضيحة الكبرى، فإن تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة القبرصية يوم 28 يوليو 1981م، وضع النقاط على الحروف، وأجهظ المحاولات الإيرانية للتمويه والتضليل والتستر على تعاونها التسليحي مع إسرائيل. وشهد شاهد في خضم كل ذلك بثت شبكة تلفزيون "اي. بي. سي" الأمريكية يوم 20 أغسطس 1981م برنامجاً تلفزيونيا اسمه "نايت لاين"، استضافت فيه رئيس جمهورية إيران السابق "أبو الحسن بني صدر"، وأكد "بني صدر" أن الإسرائيليين يبيعون منذ مدة الأسلحة والمعدات العسكرية لإيران، وقال إنه كان يعارض شخصياً التعامل مع إسرائيل وإنه كان يقول في الاجتماعات الحكومية إن على الإيرانيين أن يتصالحوا مع العراق، إشارة إلى الحرب الإيرانيةالعراقية، لا أن يدخلوا في هذه التجارة، وقال الرئيس الإيراني السباق إن جهوده في هذا المجال قد أحبطت أيضاً نظراً لخشية زعماء الدين الحاكمين من أن الجيش إذا تم الصلح مع العراق، قد يتجه صوبهم ويطيح بهم من السلطة، وقال أبو الحسن بني صدر: "لقد كان الشيء الغريب هو شراء الأسلحة من إسرائيل، الأمر الذي يظهر أن شهوة الحكم لدى الملالي كانت قوية جداً.. أثناء إشغالي رئاسة الجمهورية كانت القضية قضية شراء غير مباشر وكنت أعارض ذلك، فلقد قلت إذا كان علينا أن نشتري الأسلحة من الإسرائيليين فلماذا لا نتصالح مع العراقيين؟!!.. إن ذلك سيكون أفضل بكثير". وفي تاريخ 23 أغسطس 1981م أذاعت وكالة أنباء "باريس" الإيرانية الرسمية الخبر التالي: "قال حسين موسوي وزير الخارجية إذا كانت الحكومة الإيرانية قد اشترت أسلحة من إسرائيل فإن مثل هذه الصفقة لا بد وأن يتم التفاوض عليها من قبل شخص رئيس الجمهورية المخلوع "بني صدر" الذي كان قائداً عاماً للقوات المسلحة خلال إشغاله منصبه في إيران". وبعد.. ولكي نضع العلاقات العربية الإيرانية في موضعها الصحيح فإنه يجب عدم القفز على واقع الأمر وإغفال الحقائق التاريخية، وقراءة هذا التاريخ بمعزل عن الأحقاد الفارسية الدفينة ضد العرب الذين قهروا الامبراطورية البائدة.. وذلكم هو موقفنا في العدد القادم.