لم يزل ملف التعاون التسليحي بين إيران وإسرائيل مكتظاً بالأدلة والوثائق والشواهد التي تدمغ إيران بإقامة علاقة خاصة مع الكيان الصهيوني، رغم ما تجاهر به من العداء الشديد لإسرائيل. وما أورده ضمن هذه السلسلة من الحلقات ليس إلا مجرد أمثلة على التعاون القائم فعلياً بين البلدين في أكثر من مجال وما خفي كان أعظم، لأن مثل هذه العلاقات المشبوهة تتم عادة وفق معايير دقيقة من الحيطة والسرية وفي أضيق نطاق، وربما لا يعلم بها الكثيرون من مسؤولي النظام الإيراني نفسه. وبالعودة إلى التفاصيل التي بثتها شبكة تلفزيون "اي.بي.سي" الأمريكية في 30 اغسطس 1981م وعلى مدى ثلاثة أيام، فعلاوة إن هذه التفاصيل لم تغط جميع المعاملات العسكرية بين إسرائيل وإيران، لكنها أعطت دليلاً مدعوماً بالوثائق على التعاون القائم فعلاً بين الطرفين. وسألت "اي.بي.سي" مراسلها في "تل أبيب" عن ذلك التعاون فاعترف بأن الرقابة تمنعه من أن يتفوه بشيء، وقال إن سكرتير بيجن أبلغه بما يلي: "إن التقاليد في إسرائيل تمنع الإدلاء بأية معلومات عن مبيعات الأسلحة"، ولذلك قال المراسل: "ان إسرائيل لم تنف ولم تؤيد هذه المعلومات". وسألت "اي.بي.سي" أيضاً "جودي باول" السكرتير الصحفي للرئيس الامريكي السابق "جيمي كارتر" الذي تمت هذه العمليات في عهده فكان شديد التحفظ، ولكنه قال: "نحن على علم بأن إيران كانت بحاجة ماسة إلى الأسلحة"، وقال أيضاً: "كنا نعلم ان إيران تتلقى أسلحة من إسرائيل، وأن حكومة كارتر فاتحت إسرائيل بهذا الموضوع، وأن إسرائيل لم تعترف بالعمليات ولكنها قالت إنها تأخذ ذلك بعين الاعتبار".. إن ما يثير الضحك في هذه الجزئية أمران: أولاً: ان إيران كانت بحاجة ماسة إلى الأسلحة، فكما هو معروف ان إيران ما قبل ثورة الخميني كانت تمثل ترسانة للأسلحة الأمريكية ومخزون أمريكا الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط إلى جانب إسرائيل، بل صنفها الكثيرون بخامس دولة في العالم من حيث مخزون السلاح. ثانياً: ان إيران ما زالت تعتمد حتى اليوم وبشكل أساسي على التسليح الأمريكي، ومن الطبيعي ان تحتاج إلى المزيد منه بالإضافة إلى الصيانة وقطع الغيار، وذلك هو ما تم بالتعاون مع إسرائيل نيابة عن أمريكا. وإزاء هذا التعاون لاذ المسؤولون الإيرانيون بالصمت وعملوا بكل طاقاتهم على إحاطة التعاون العسكري مع إسرائيل بالكتمان والسرية التامة، لكن حادث الطائرة الإرجنتينية التي تحطمت داخل أراضي الاتحاد السوفيتي في 18 يوليو 1981م كشف النقاب عن هذا التعاون وأربك المسؤولين الإيرانيين. ففي 26 يوليو 1981م أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بياناً رسمياً أعطته عنوان "مؤامرة وكال سوشيتد برس ضد الثورة الإسلامية في إيران"، كذبت فيه تكذيباً قاطعاً خبر سقوط الطائرة الارجنتينية، ووصفت هذا الخبر بأنه "فرية مخزية". وورد في بيان وزارة الخارجية الإيرانية فقرة عن خبر سقوط الطائرة تقول: "الأمر يتعلق كما يدعي الاتحاد السوفيتي بسقوط طائرة ارجنتينية في هذه البلاد والإدعاء بأنه لم يبق أي أثر لهذه الطائرة، وان وكالة الاسوشيتد برس نقلت إلى العالم أسطورة على أساس أنها الواقع، زاعمة ان الطائرة التي سقطت كانت في حركة بين تل أبيب وطهران، وأنها كانت تنقل السلاح من إسرائيل إلى إيران". بعد التكذيب القاطع لخبر سقوط الطائرة الارجنتينية الذي أعلنه الاتحاد السوفيتي يوم 23 يوليو 1981م وتناقلته وكالات الأنباء، استطرد بيان وزارة الخارجية الإيرانية بالقول: "إن شعبنا العظيم يعرف دوافع عداء وكالات الأنباء ضد الثورة الإسلامية ويفهمها جيداً، وإن وزارة الخارجية تعلن تكذيبها لهذه الفرية المخزية". وفي الواقع فإن حادث سقوط هذه الطائرة كان بمثابة الزلزال لإيران، لأنه فضحها وخلّف صراعات على مستوى الداخل، سنقف عندها في العدد القادم.