البديل الديمقراطي إرادة شعب وحق وطن فوق تشنج وتطرف التعبئة حتى لا يكون شعار "السلمية" مخادعاً كما الأسلمة في حروب أفغانستان! في إطار أوضاع ومراحل وتفاعلات الصراعات العالمية في كل فترة أو مرحلة، فاليمن ومنذ ثورة سبتمبر واكتوبر باتت صراعاتها وأزماتها وحتى استقرارها مرتبطة إما بإرادات أو صراعات الخارج؛ وبشكل أكبر ونوعية تلقائية في الربط والارتباط مقارنة بحالات أو بلدان أخرى. ولهذا وبغض النظر عن انغلاق أو انفتاح أو مستوى الديمقراطية والانفتاح أو القمع والقبضة الحديدية، فالاستقرار إذا توفر لفترة أو مرحلة يصبح كالجملة الاعتراضية ربطاً بظرف أو طرف كما الشراكة مع الاتحاد السوفيتي سابقا حتى انهياره وتحقق الوحدة. إذا أخذنا على سبيل المثال فترة منذ 1991م حتى عام 2011م فسنجد أن الإخوان أو التنظيمات الإرهابية المنبثقة منها نفذت في مصر عمليات أقوى وأكبر مما نفذ في اليمن؛ حتى وإن كان ما نفذ في اليمن هو أكثر في الرقم أو العدد. إذا أخذنا بالمقابل حالة ما عرف ب"جيش عدنأبين الإسلامي" فالأخطر وما لم يحدث في مصر أو بلد هو حين ينبري طرف سياسي ليقول "بأن القوة استعملت لأن الحالة في الجنوب ولو كانت في الشمال ما حدث كذلك أو مثل ذلك"!!. مثل هذا الربط يستهدف الاستقرار بل ويمثل إخلالاً ومزيد الإخلال بالاستقرار. في ذات فترة الصراعات الداخلية للعقد الأول للوحدة وصلت اختطافات السياح والتفجيرات إلى الأرقام القياسية وحين يطرح ربط ذلك بالإرهاب وأيادي خارجية يأتي الرد بأن المشكلة هي عدم وجود دولة واستقرار، وبعد ذلك وصل الإرهاب إلى عواصم هذه الدول. لم تعد المسألة ولا المشكلة أن تكون اليمن اختارت أو اختيرت أن تكون طرفاً مباشراً في الصراع القومي الرجعي أو الأممي- الرأسمالي، أو ذات الخصوم الفاعل والكثيف في جهاد وحروب أفغانستان، ولكن المسألة باتت أن الصراعات هي حياة اليمن أو خياراتها بغض النظر عن نسبية اختيار ونسبة ما يختار لها. الأرضية الخارجية والسيناريو الغربي لمحطة ما تسمى "الثورات السلمية" لو ترك المسألة لمن يختار في إطار واقع كل بلد والصراعات المعتملة في ظل ما تسمى الديمقراطيات الناشئة، فالمؤكد أن اليمن كانت الأولى في التثوير والثورة وقبل تونس ومصر أو غيرهما، ولكن ذلك لو تم وحدث فإنه كان سيحبط ما تسمى "ثورات سلمية" ويمثل فشلاً كبيراً لسيناريو هذه الثورات. إذا ثورة سبتمبر آلت إلى صراع على الحكم وخمسة انقلابات وثورة اكتوبر إلى ذات الصراعات وذات العدد من الانقلابات، فمحطة الثورات السلمية تجعل هذه الثورات مكشوفة ومقروءة كديمقراطية، وسيناريو الثورات السلمية وأرضيتها الخارجية كأطراف لاعبة في الصراعات الخارجية تصبح لاعبة في الصراعات اليمنية و"الميمننة". إذا محطة الثورات السلمية هي ضد الأنظمة فلا الإخوان أو التنظيمات الإرهابية تحتاج إلى عمليات استهداف السياح الأجانب كما ظل يحدث في ظل حكم مبارك، في اليمن أيضاً لم يعد مثل هذا أولوية للقاعدة أو الإخوان أو قوى قبلية، كان يوكل إليها تنفيذ مثل هذه المهام، فالقاعدة والإخوان والقوى القبلية باتوا يمارسون قطع الطرق والشوارع وحرب المدن والحروب على المعسكرات وحروب قطع الكهرباء والبترول وقطاعات ترتبط بها. مثل هذا لم يحدث ولا يتوقع حدوث مثله في تونس أو مصر ولكنه في اليمن حدث من طبيعة واقع اليمن الصراعي التلقائي والصراعي السياسي وحتى الصراعي الديمقراطي. ما درسته في منهج التربية والتعليم الذي ألفه "الإخوان" بعد حروب المناطق الوسطى هو أن العلمانية الغربية الذي يجسدها الأنموذج الأتاتوركي هي الكفر لأنها تفصل بين الدين والدولة. ذات الطرف الذي ألف ذلك المنهج المدرسي بات يطرح اليوم بأن "العلمانية" هي العلم وليست الفصل بين الدين والدولة، والأنموذج التركي هو القدوة الأفضل وسيأتي بأحاديث نبوية ترتبط بذلك في تبشير وتباشير الخلافة الإسلامية. الأنموذج الطالباني "القاعدي" انتهى بأحداث سبتمبر 2001م والحرب ضد الإرهاب، والذين كانوا يطالبون ويضغطون للاعتراف ب"طالبان" في تلك الفترات باتوا اليوم مع الأنموذج التركي. ولهذا فالممارس في الواقع هو الأنموذج الطالباني في حرب المدن والحرب على المعسكرات وفي ما تسمى "ساحة التغيير" الأنموذج التركي. قد لا يكون الأهم مفارقات النقلة إلى الأنموذج التركي وإنما في عدم التخلي عن الأنموذج الطالباني، وهذا التمسك الاستثنائي في اليمن بالأنموذج الطالباني الذي يحدث في أرحب هو إرهاب لا يفرق عما يحدث في أبين، فكيف نفرق بين الأنموذج الطالباني في أبين والآخر التركي في أرحب؟!!.. وهل أرحب أنموذج تركي كما ساحة الجامعة أم أن أرحب هي الأنموذج التركي الكردي وساحة الجامعة هي الأنموذج التركي العلماني؟!!. من غرابة المصادفات مجيء أميركي إلى منزلي عام 2002م من خلال علاقته بولدي الذي يدرس اللغة في أحد المعاهد بصنعاء، وأقول غرابة لأن هذا غير معتاد من ولدي ثم أنني فوجئت بالضيف الأميركي يتعاطى القات بدرجة "مولعي عكر". أما المفاجأة الصدمة هو أنه كان أكثر إلماماً بأهم وأدق حقائق الواقع الأساسية والسياسية وفي مختلف مناطق اليمن.. إنه بات بالنسبة لي الصديق "تيتن" وقد عاد إلى الولاياتالمتحدة. إذا هذا ما يلم به مدرس أميركي في إطار المعرفة وحب الاطلاع فلنا تصور ما كانت تلم به السفيرة الأميركية "بربرا" كما اعتقد وما يلم به السفير الأميركي الحالي في محطة الثورات السلمية وأزمة اليمن قرابة العام!!. واقعياً فالسفير الأميركي في صنعاء هو شيخ المشايخ المحكمين في أزمة اليمن والمراقبين لتنفيذ المبادرة الخليجية والقرار الدولي، وواقعية السفير الأميركي جعلته يمارس دور الوسيط الشيخ حتى قبل التوقيع على المبادرة الخليجية. إننا واقعياً نسلم بأن أميركا والاتحاد الأوربي ولديهم قدرات عالية ووسائل متعددة يستطيعون ترحيل أي حاكم في اليمن في ظل الأوضاع القائمة محلياً وإقليمياً وعالمياً، والمشكلة تصبح في استمرار الاستقرار أو بديلة كفوضى، وبالتالي في البديل كمفاضلة وأفضلية، ولعلي أسأل السفير الأميركي إن كان قرأ أو سمع عن ثورة سلمية في العالم تريد الانتصار بإقصاء النظام دون أن تقدم الثورة زعيماً بديلاً وطرفاً سياسياً بديلاً وزعيم الثورة هو زعيم الطرف السياسي البديل؟!!.. بغض النظر عن أخطاء أو حتى خطايا أنظمة فإذا ما تسمى "ثورات سلمية" لا تقدم بديلاً كزعامة أو كبديل للنظام يوافق ويلتف حوله الشعب كغالبية لا تنازع، فمشكلة البديل والسلمية لكل واقع تحتاج إلى معالجات وحلول سياسية بغض النظر عن رحيل بات محسوماً لحاكم أو لنظام. إذا أميركا بتدخلها المباشر عجزت عن إعادة النظام والاستقرار للصومال وانسحبت انسحاب هزيمة ،وإذا هي والتحالف الدولي عجزا خلال عقد من إعادة الاستقرار وتوفير الأمن في أفغانستانوالعراق فالأمن والاستقرار يرتبط بالبديل، وهو ما يطرح حتمية التلازمية والتكاملية والسلمية للرحيل والبديل معاً بغض النظر عن تعبوية التثوير الاستهدافية والإقصائية، فصدام حسين أعدم وأولاده صفوا ولكن العراق لم يتشاف ولم يحي وثقافة الحقد أو الانتقام في الإقصاء أو الرحيل لا يفترض إنسانياً وحضارياً أن تنفي أو تصادر الواقعية مع الشعوب والأوطان في حاضرها ومستقبلها، وإلا فهذه الثورات ليست من أجل الشعوب ولا من أجل الأوطان، ومثلما كان للشرق أساليب وطرق لرفع شعارات، فكذلك هو الغرب في محطة الثورات السلمية. خلال الحرب الباردة بدا قطبا العالم الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي في التعامل مع المنطقة بأن كل منهما في أساسيات سياساته يحمي أنظمة ويستهدف أنظمة. وبالطبع بعد انتهاء الحرب الباردة لم تعد حماية أنظمة مسألة أساسية كمعممة وتعميم، ومجيء ما تسمى "الثورات السلمية" لا يؤكد ذلك فقط، بل يؤكد أن أحداثاً ديناميكية حراك وتغيير من خلال تغيير أنظمة بات الأفضلية للقطب العالمي المهيمن الذي استعاد وضع الثقة والتنسيق المصالحي مع حلفائه الغربيين وتجاوز خلافات محطة غزو العراق. إننا لم نعد مع سياسة الدفاع عن أنظمة أو حمايتها ولكننا ضد تدمير الأوطان وإفناء الشعوب أو نشر الدمار في واقعها بأي تنظير أو فلسفة ثورية لا واقعية لها. إذا الولاياتالمتحدة كما طرح الرئيس "أوباما" وصلت في التطورات إلى قدرة إنجاز مهمة كبيرة بالتدخل في ليبيا دون إسالة نقطة دم أميركية، فالذي مورس في ليبيا بما لا يخطئه عقل أو سمع أو بصر وبصيرة لم يكن حماية المدنيين كما نص القرار الدولي. حاجيتنا الحيوية هي حماية الأوطان والشعوب فعلية تشجيع الحكام والأنظمة التي تقبل بالحلول السياسية الديمقراطية والتسليم السلمي الواقعي والدستوري للسلطة كأفعال وتفعيل للسلمية كثقافة ولتقديم القدوة كثقافة سلمية وديمقراطية. لقد فضل صدام حسين الموت داخل العراق على الهروب في ظل غزو أميركي مباشر، وفي محطة الثورات السلمية لم يهرب غير حاكم واحد وتلك استثنائية متوقعة، والمحطة تخطئ حين تراهن على التصفية أو الهروب فيما عنوانها "ثورات سلمية". ولذلك لا يتساءل مثلا في ظل هذه المحطة كم حاكماً أو نظاماً قبل بالرحيل عبر انتخابات مبكرة وتسليم سلمي للسلطة وكم حاكماً أو نظاماً يتوقع قبوله بمثل هذا من فرضية أن هذه المحطة ستطال كل بلدان المنطقة؟!!.. ما لم تكن هذه هي الأولوية للتعامل وفي التفعيل فإنه لا المحطة ولا الثورات هي سلمية كما يطرح، وشعار السلمية مخادع كما شعار الأسلمة والجهاد في حروب أفغانستان!.