تقسيم اليمنيين إلى شماليين وجنوبيين وزيود وشوافع وحاشديين وبكيليين وقبائل ومدنيين وعساكر ومليشيات والآن إلى اصلاحيين وحوثيين أو شيعة وسنة، هو الذي أخر الثورة اليمنية - ثورة الكرامة والحرية - لأكثر من أربعين سنة، وهو كذلك أهم عامل لتأخر الثورات الشعبية في الدول العربية الأخرى مع اختلاف في التقسيمات الطائفية والدينية في كل قطر عربي على حدة، ذلك أن الثورات الشعبية لا تقوم في اللا شعوب أو في مجتمعات مجزأة رأسيا أو عموديا على أساس طائفي أو عرقي أو غير ذلك، بل في شعوب موحدة ومندمجة تماما وهو ما يطلق عليها "الشعب- الأمة". وفي الشهر الأول للثورة اليمنية كان الشعب اليمني قد اتحد وتوحد بكامله تقريبا في اتجاه واحد هو إسقاط النظام، وهو ما تم تقريباً في "جمعة الكرامة". في ذروة العطاء الثوري لم يكن هنالك من يتحدث عن تقسيم المجتمع اليمني رأسيا على أساس طائفي أو قبلي أو جهوي، كما لم يكن هناك من ينبري لتكفيير الاشتراكيين أو يهول من خطر الحوثيين أو يتحدث عمن له الفضل في تفجير الثورة سواء في عدن والمكلا أو في صنعاء وتعز وصعدة، بل كان الجميع يتواضع للجميع ويقبل به كما هو بل ويضحي أحدهما في سبيل الآخر بكل حب واحترام وبروح الشراكة والأخوة والعمل لأجل اليمن الجديد المنشود. وعندما أراد البعض أن يبقي على نصف النظام أو أن يستفرد بالثورة دون بقية اليمنيين ويدخلها في سوق العسكرة والمليشيات، كان لا بد أن يعود الشعب إلى التوجس والحذر من هذه الأطراف، وبالتالي من الثورة نفسها.. وشيئا فشيئا تمت السيطرة على الثورة لنأتي إلى الحلول العسكرية وعلى حسابها وبما أسهم في تشظيها إلى "شذر مذر"، ولولا القبول في آخر لحظة بالحل السياسي على قاعدة المبادرة كضرورة وطنية لما تبقي شيء من الدولة أو الثورة معاً. اليوم الأوضاع لا تزال ملتبسة.. وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية خلال أيام ستبرز القوى التي سعت منذ البداية إلى إجهاظ الثورة نهائياً والحفاظ على النظام السابق "ناقص الرئيس صالح فقط"، سواءً عبر المبادرة أو باسمها، وأهم ما تمتلكه هنا هي ورقة اعادة تقسيم الشعب اليمني الى نفس التقسيمات السابقة للثورة، وهذا ما يقوم به المخطط الاقليمي للإجهاز على الثورة اليمنية والثورات العربية عموماً، ويأتي التهويل من خطر الحوثيين حينا وتكفير اليساريين والتحريض على نشطائهم أمثال بشرى المقطري وآخرين في هذا السياق. المشكلة هي في الأطراف السياسية التي انخرطت في المشروع بدون وعي ومعرفة بمخاطره ليس على الثورة الشعبية اليمنية ولكن على أمن واستقرار ووحدة اليمن. وإفشال مخطط اجهاظ الثورة الشعبية والابقاء على اليمن كياناً واحداً ومستقراً هو في اسقاط فتاوي التكفير وخطاب التحريض الصادر من قبل بعض الأطراف ضد بعضها الآخر أولاً وفي الإبقاء الثورة الشعبية السلمية والحرص على توحدة أداتها ثانياً. بيان التكفير الإصلاحي تخطيء قيادات التجمع اليمني للإصلاح إذا ما اعتقدت أن بيان التكفير الإجرامي- الذي أصدره التجمع باسم العلماء، ويتضمن تكفيراً صريحاً وتحريضاً واضحاً على القتل والاعتداء والاساءة لكل من قائدة مسيرة الحياة الناشطة الثورية الاشتراكية بشرى المقطري والزميل الصحفي فكري قاسم وآخرين- لن يحملها مسؤولية أية جريمة قد تنتج عن تداعيات ذلك البيان سيىء الصيت على حياة هؤلاء وعلى وحدة "المشترك" ووحدة أداة الثورة.. أبداً بل إن ذلك سيفاقم مسؤولية الإصلاح أكثر وأكثر. وما لم يحدد الاصلاح والمشترك والحزب الاشتراكي اليمني مواقفهم الواضحه من البيان ويعلنوا بصراحة وبدون مواربة إدانتهم للبيان وتجريمهم لكل من وقع عليه، فهم مشاركون بالضرورة في أي عمل قد يرتكب باسم البيان، حتى ولو جاء من خارج الاصلاح والمشترك وعبر الأجهزة الأمنية وبقايا النظام نفسه. العودة الى فتاوى التكفير وخطاب التخوين في عصر ثورة الحريات جريمة مضاعفة في حق الثورة وفي حق الحرية، كما أنه ينسف فكرة وجود اللقاء المشترك من الأساس. المشترك قام على قاعدة قبول الشراكة بين الأطراف المختلفة، وعودة التكفير والتخوين لأحدهما ضد الآخر اليوم ينسف القاعدة تماما. يبقى أن نقول بأن بيان علماء الإصلاح ضد المقطري وآخرين يضع سؤالاً كبيراً مفاده: هل كان الاشتراكي والاصلاح طوال العشر السنوات الماضية في شراكة حقيقية أم في تكتيك يومي خداعي لأكثر من عقد من الزمن؟!!.